في وقت احتفلت ايطاليا بتوزيع جوائزها السينمائية السنوية التي يطلق عليها "مجسم دافيد" وهو نسخة مذهبة لواحد من ابرز اعمال فنان عصر النهضة دوناتيلو تمثل النبي داود وتمنح جوائز لأبرز الافلام الايطالية في احتفالات رسمية سنوية كبيرة، تسلمت وزارة الكنوز الثقافية الايطالية بلاغاً من ادارة مهرجان "كان" السينمائي الدولي ال53 المقبل يبلغها رفض لجنة الاختيار المختصة للمهرجان كل الافلام الايطالية التي تقدمت للمشاركة في المسابقة "لعدم بلوغها المستوى اللائق والمطلوب" ليس في اي من افلامكم مواصفات متميزة. وتعتبر هذه البادرة التي سببت استياء معظم العاملين في السينما الايطالية، الاولى من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ووصفت جوفانا ميلاندري وزيرة الكنوز الثقافية الايطالية هذا القرار بأنه "بائس ومجحف". وصرح سيلفيو سولديني مخرج فيلم "الخبز وورد الخزامى" الذي فاز بتسعة مجسمات دافيد، ان "قرار لجنة التحكيم ابعادنا ينطوي على اساليب قديمة. فهي تصر على انتقاء الافلام الجيدة، لكنها مجرد كلمات". اما المخرج ريكي تونياتسي الذي فاز فيلمه بثلاث جوائز فقال "لا احد يدافع عنا فنحن من دون شباك مرمى" اما المخرج ماريو مارتونه فيقول ان هناك الكثير من الافلام الايطالية الرديئة الا ان آخر ما شاهدناه منها كان رائعاً وان "مثل هذا الاجراء التعسفي غير عادل وغير مبرر على الاطلاق". مدير ادارة المهرجان جيل جاكوب يقول في رسالته "شاهدنا ما بين اربعين وخمسين فيلماً ايطالياً ولم يكن اي منها قادراً على استجابة شروطنا، ليس لأي منها مستوى للمواصفات الضرورية. اقول ذلك ويتملكني حزن كبير، لأن ايطاليا نادراً ما رفضت مساهماتها. لكن مهرجاني يعكس بكل واقعية ما هو حاصل في العالم، اذ تعود من جديد افلام الميلودراما وأفلام الحقبات القديمة، فيما نحن ما زلنا مخلصين لسينما الممثل الموهوب على الصعيد الشعبي". استطلعنا رأي المخرج الايطالي الكبير فرانشيسكو روزي 77 عاماً الذي يعتبر آخر رواد الواقعية الايطالية الجديدة بعدما بهر العالم بمجموعة افلامه السياسية وعلى رأسها فيلم "قضية ماتيه" الذي نال عنه السعفة الذهبية في مهرجان "كان" عام 1973. روزي علق على موضوع رفض اللجان المختصة في مهرجان "كان" المقبل بقوله: "يمكننا تجاوز الازمات الراهنة التي تمر بها السينما الايطالية من خلال تجاوز موضوعات الافلام الشخصية". ويضيف روزي: "السينما في جيلي كانت ذات منحى شمولي، تضم الحياة الاجتماعية وتعكس وقائع حقيقية. فهي وضعت الجميع امام المرآة سواء كانت دراما او كوميديا ايطالية. السينما كانت مرآة الواقع الذي كان ينتجها على الدوام، لكننا اليوم نعيش لحظات عامة من الارتباك والفوضى. وهكذا فإن الشباب لا يشعرون بمعنى الشمولية، ولا يفتحون ابواب بيوتهم. واذا عبروا من خلال الصنعة السينمائية، فإنما بضيق افق من خلال ابتعادهم عن واقع الحياة الاجتماعية للاتجاه نحو الفردي والشخصي، وهو الامر الذي يقلقني حقاً". وعن الازمات التي تعانيها السينما الايطالية في الوقت الحاضر، يجيب روزي "كان فيلليني يقول: كل خمس سنوات هناك حقبة تاريخية، الامر الذي يتطلب تجديد الهمم الابداعية، نحن نحتاج الى ايجاد الطموح والجرأة من اجل الحديث عن الحياة ليس في شكل شخصي بل في صورة جماعية. لأننا سنجد انفسنا غير قادرين على تحقيق صناعة سينما قادرة على دخول العالم. وهذا ما حصل لنا في شأن مهرجان "كان" المقبل". ويضيف روزي: "علينا ان نضع انفسنا امام المشكلات، امام الاحلام الجماعية والانتصارات والآمال والانكسارات، ولكن قبل كل شيء علينا ان نضع الفرد وسط الجميع". وعن موقع الشاشة الصغيرة ومدى تأثيرها في صناعة السينما الايطالية، يقول روزي "اعتقد ان التلفزيون امتص الصناعة السينمائية كثيراً، واستطاع ان يفرض هيمنته على الجميع، لكن هذا لن يطول كثيراً في وقت ينبغي للسينما ان تفكر في التواصل والخلود من خلال حجمها الكبير". وعن طموحه الى رؤية السينما الايطالية مستقبلاً يقول "اتمنى ان اراها اكبر حجماً من التلفزيون، فبعد مئة عام، علينا ان نقدمها في المدارس اداة معرفية مدرسية، لأن السينما تاريخ. خذ مثلاً فيلم "سارق الدراجات" لدي سيكا، اولادنا لا يمتلكون الفرص الكافية لفهم الكثير من وقائعه وتفاصيله وعلى التلفزيون التدخل لبرمجة افلامنا تلك التي تدرس في الكثير من الجامعات الاميركية".