نائب أمير تبوك يستقبل أعضاء جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالمنطقة    تجمع القصيم الصحي يشارك في ملتقى الصحة العالمي 2024    هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية توقع مذكرة تعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات بالهند    الكشف عن شبكة إجرامية لتهريب وترويج المخدرات والاتجار بها وتفكيكها والقبض على 21 متهمًا في 5 جهات حكومية    انطلاق مبادرة التطوع الافتراضي الأولى بتقني تبوك    أمير المدينة يزور معرض القصواء احتفاء بعام الإبل    "بر المدينة" يعزز القيم الوطنية والأخلاقية لدى الشباب    بدء التسجيل في البرنامج الوطني للكشف عن الموهوبين في عامه ال15    محافظ السليل يدشن حملة التطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية    مفتي المملكة يستقبل وفدًا من جمعية صون الإسكانيّة في جازان    ترتيب مجموعة منتخب السعودية بعد التعادل مع البحرين    وصول الطائرة الإغاثية الرابعة ضمن الجسر الجوي السعودي للإغاثة الشعب اللبناني    من أعلام جازان.. الشاعر والأديب الأستاذ الحسن آل خيرات    جمعية الإعاقة الحركية للكبار في زيارة "بر أبها "    بلدية محافظة ضريه تنفذ أكثر من ألف جولة رقابية على المنشآت التجارية    جامعة الإمام عبدالرحمن توقع اتفاقيات في التدريب والتطوير وخدمة المجتمع    المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية يناقش الأمن اللغوي وقضايا الهوية    بقوة 6.1 درجة.. زلزال قوي يضرب شرق تركيا    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 153 حافظاً بجمعية تحفيظ القران الكريم ببريدة    أسواق العثيم".. 68 عامًا في خدمة الاقتصاد ودعم المجتمع    الرياض تستضيف مؤتمر الطاقة العالمي السابع والعشرين في عام 2026م    نيابة عن وزير الخارجية.. نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري الخليجي- الأوروبي    أسعار النفط ترتفع بعد هبوطها بأكثر من 4 %    المنتخب البرازيلي يفوز برباعية على بيرو في تصفيات المونديال    سمو ولي العهد يأس وفد المملكة المُشارك في القمة "الخليجية الأوروبية" المقرر عقدها اليوم في مدينة بروكسل    «البلسم» تجري 23 جراحة ناجحة في أول يومين من البرنامج الطبي لجراحة القلب والقسطرة للكبار في أوزبكستان    أمطار مصحوبة بزخات من البرد ورياح مثيرة للأتربة والغبار على 5 مناطق    26 من الطيور المهددة بالانقراض تعتني بها محمية الملك سلمان    بعد زيارة ولي العهد.. سندات مصر الدولارية ترتفع    «الشورى» ل«صندوق التعليم»: طوروا مؤشرات الأداء وتوسعوا في الشراكات    «الدوليون» يؤجلون تشكيلة مواجهة «الديربي»    5 أطعمة تجنبها عند الشعور بالغثيان    حاسب على نفسك.. جوالك فيه بكتيريا ابعده عن سريرك    1,092 عملية زراعة نفذها الروبوت خلال عام    أمير القصيم يستقبل أعضاء مجلس أهالي مركز الربيعية    «أمانة جدة» تستعيد تعديات على 5 ملايين م2    الهريفي ل «مانشيني»: السعودية أكبر منك    البرتغال تضع قدماً في دور الثمانية بدوري الأمم الأوروبية رغم التعادل السلبي مع اسكتلندا    "الصحة اللبنانية": مقتل خمسة أشخاص في هجوم إسرائيلي شرقي لبنان    مزايا المهاجرين    تكدس المشاهير ووعي المجتمع.. المعادلة تغيّرت!    أزمة الزحام.. من وجهة نظر المجتمع !    العيسى يدشن المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» للتصدي لشبهات الإلحاد    حذار من النخب المتطرفة    قطار الرياض.. إحدى عربات القطار السعودي للتنمية    «اليوم العالمي للمراقب الجوّي»    الحلقة المفقودة والمتسلقون.. واجتماع التوثيق    إسبانيا تهزم صربيا بثلاثية.. وتعادل مثير بين الدنمارك وسويسرا في دوري أمم أوروبا    محافظ الطائف يلتقي القنصل الياباني    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يهددان إسرائيل    السفير السعودي بمصر: زيارة ولي العهد تعكس عمق وأصالة العلاقات الراسخة بين البلدين    روضة شريفة وشخصية عائمة    د. العيسى يدشن المؤتمر الدولي "الايمان في عالم متغير"    آل الشيخ يوجه خطباء المساجد بأن تتضمن خطبة الجمعة القادمة التوعية بأخذ «لقاح الإنفلونزا»    المنتخبات السعودية تحصد 9 ميداليات ذهبية و5 فضيات في الأولمبياد الخليجي للعلوم    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الثالثة لمساعدة الشعب اللبناني    أمير القصيم يؤدّي صلاة الميت على محافظ عنيزة السابق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غاص في حياة "الرحالة ك." لكنه بقي على السطح. "تراب الغرباء": الكواكبي يستحق افضل من هذا
نشر في الحياة يوم 07 - 04 - 2000

لعبدالرحمن الكواكبي مكانة خاصة في عقول الناس وقلوبهم. في مختلف اهتماماتهم ومعارفهم، فهو لم يزل متداولاً على رغم مرور قرن تقريباً على وفاته. والتطرق سينمائياً الى هذا التنويري يحسب من الفرص الضائعة اذا لم يتناسب مع عمق هذا الرجل ورفعة فكره وحياته. خصوصاً في السينما السورية ذات الإنتاج النادر والمتراجع كماً. فكم من الخيبة سيحصد العمل اذا لم يكن في المستوى المأمول.
في حديث السينما تبدو الضرورة والراهنية اساساً للعمل الفني، تبنى عليها مشروعية الالقاء والتلقي، خصوصاً في المشاريع التي تستحضر الأقوال والأفعال التنويرية التي مضى عليها زمن، والحاجة لا تزال ملحة اليها وإن كان ذلك من باب فعل الندامة او حتى من باب الإعجاب الشخصي بالمبدعين وإنتاجهم. فيبقى للفعل الفني واجب توليد الجديد من الاسئلة وإعادة فتح سيرة الصراع المتجدد بين النقائض.
وفي استحضار سيرة عبدالرحمن الكواكبي في فيلم سمير ذكرى الأخير تراب الغرباء الذي انتجته المؤسسة العامة للسينما في دمشق، نرى استعارة للماضي في ثيابه الخارجية فقط وملامحه المتعارف عليها شعبياً وتعليمياً، لتبدو مداخلة المثقف في فعله الفني كأنها وسيلة إيضاح تعيد شرح ما القي على أسماعنا مرات كثيرة وطويلة ومملة. فالكواكبي ذاك الشخص الآدمي الذي اكتشف ظلم الاتراك من جهة، وتميز الهوية من جهة، ثانية، ناذراً حياته لتقويم الاعوجاج بالتعليم والتظلم والقدوة الحسنة، لا يخشى في قوله الحق لومة لائم. فلا هو طامع بمنصب ولا طامح بجاه... الخ، سيرةً باهرة لقديس على ابواب القرن العشرين، تقدم الينا بريئة ومعقّمة، مكرورة وتقليدية، صورة ساذجة عن مكان وزمان ورجل كانت تحتاج الى طاقةٍ لمّاحة، واكثر مرحاً كي تقررها سينمائياً.
على رغم التقدم الملحوظ الذي حققه ذكرى في هذا الفيلم خصوصاً على صعيد الصورة، اعتباراً من آخر أعماله سحبان السرحان التلفزيوني، ما زالت نكهة الاعلام التلقيني واضحة في إدائه الكتابي والاخراجي. فالحاجة الى السرد المطول التي بدأ بها فيلمه مشهد الاحتفال بذكرى عيد الجلوس السلطاني العثماني والتي تشكل كتلة فلمية زمنية ضخمة، تخل بتوازن الفصول بالتقاطع مع الزمن السينمائي والدرامي، ما يقودنا الى ضجة تلفزيونية لا تمل الإطناب وتكرار استعراض المعطيات بغض النظر عن صحتها وثائقياً، لتتحول نقد مجريات، بمسارات منفصلة ومتوازية عوضاً عن كونها متداخلة ومتراكبة ومتفاعلة في ما بينها، ومع المثقف الثوري. وقد نجح ذكرى في إسباغ صفة العزلة المعنوية المعاصرة عليه المثقف ناقلاً عبره مشاعره المعاصرة حيال الاداء السياجتماعي العام، وربما الاداري، حيث تختلط المواقف والمشاعر حيال الوطن وقضاياه بالمشاعر والمواقف حيال السياسي الاداري وربما الخدمي. خلطاً لا تبدو فيه حدود الازمة واضحة، نازعاً الى كرازة تطويبية للفرد في رؤاه المهزومة سبقاً على طريقة الدونكيشوتيين الثوريين الذين يعج بهم أدب الستينات المنصرمة. من هنا تبدو الراهنية التي نشدها ذكرى تنتمي الى السطح الاعلاني للظواهر الاجتماعية مع لحظ بعدها السياسي مواربةً، فاستطاع اعادة صياغة الكواكبي بصرياً، ولكن في شكل وظيفي تعليمي من دون الولوج الى اعماق تفكيكية يمكنها التماس الراهن والمستقبلي بالانتباه الى ما يكتنزه عصرنا من أدوات وظروف جديدة. تحتاج الى مواجهات فكرية واجتماعية حادة، لا تكفي معها إعادة التذكير بما طفى من مواقف كواكبية تعزى الى الجانب الخيري من شخصية الكواكبي الحياتية والتي بادر بها كي يعطي المثل الصالح، من دون دخول مسارات إصطراعية تقود الافكار الى الفعل، الفيلم الى الدراما والشخصية الى الحضور. فينتظر المشاهد احتكاكاً تفاعلياً مع المادة المقدمة اليه، لكن المقدمات الفردانية المؤسسة للفيلم ذهبت به الى مفاعيلها المنفردة حيث لم ينجح ذكرى في إنتاج نسيج متشابك كوحدة فنية كاملة، فالتصوير والإضاءة مثلاً وعلى رغم جمالهما سارا باستقلالية عن الديكور والتمثيل بسام كوسا قدم أداءً مدروساً ولافتاً في حدود عمق السيناريو من دون تفاعلات تذكر، ليأتي المونتاج الذي كان في وادٍ آخر جاعلاً من الفيلم مجموعة من الفصول بلا تناسق في الايقاع او الحجم... إما على صعيد التلقي فلم يستطع الفيلم توليد حال جماعية من الاختلاف أو الاتفاق، ما يعطي مؤشرات واضحة عن حاله التأثيرية في جمهوره الاول... الجمهور المحلي الذي بدا حائراً في تصنيف الفيلم.
في الدراما، يقف الفيلم بعيداً على مسافة كافية، فيطل على أسبابها ولا يلج اليها، ربما لكثرة المنطوقة الحكمي الذي يحتاج الى اثبات بالصورة للممارسات الاستعمارية السيئة التي كان الكواكبي يناهضها. فها هو في مشهد مثال يعيد علينا ما قرأناه في الكتب المدرسية عن وقوف الكواكبي ضد الظلم عبر مكتب المحاماة وانتصاره للمظلومين الأميين... اي هو ضد الامية ايضاً!! وهو في مشهد آخر يشهد ان علاقته بالمرأة علاقة عطف واحترام. وفي مشهد ثالث يقاوم الاحتلال الشعوذة بالتعليم، والى ما هناك من الافعال الخيرية، تتراكم بها المشاهد الاعلانية عن جودة الكواكبي في مقابل مشاهد سوء الادارة العثمانية التي قدمها في صورة كاريكاتورية، خصوصاً في مشهد "عيد الجلوس"، ومشاهد الشعوذة والسحر المكشوفة مسبقاً. والتي يقوم بها اتباع ابو الهدى الصيادي احد اعوان السلطة اللئيمين... هذه السلطة المهلهلة التي لا تحتاج الى تنويري من قياس الكواكبي لتقويضها نظرياً. فهي واضحة ومنهارة لذاتها، لذلكك بقي الصراع في البنية الفيلمية صراعاً مستلفاً على المتلقي إفتراضه، كي يستطيع تبرير هذا التشخيص للكتب المدرسية التي تختصر المراحل التاريخية بموقف وجداني لضرورات التعليم الاخلاقية لكن الوثائق، ومؤلفات الكواكبي منها، تشير الى واقع سياسي واجتماعي مختلف، خصوصاً في حلب وقتئذٍ. اصطرعت فيها التيارات الفكرية والاجتماعية كمدينة ذات مواصفات خاصة ومنفتحة على العالم خصوصاً قبل افتتاح قناة السويس. فالى النزعات الفكرية العثمانية التي تداخلت مع الاتاتوركية في ما بعد، وهي ما اضفت على السلطة السياسية العثمانية ابعاداً مخالفة تماماً لتلك الصورة التي قدمها الفيلم، كانت حلب تعج بالمفكرين التنويريين والتقليديين، وكان الصراع بينهم على أشده، ولعل ما يهمنا سينمائياً ذاك الحضور القوي للكواكبي بينهم، وهو ما يفسر وصوله الينا، اكثر من غيره، بسبب طزاجته الجدلية التي احتوتها مؤلفاته وسيرته، والتي اظهرت عمق الافكار التنويرية لديه وقدرتها على الجدل بالمواجهة مع الواقع، فضلاً عن قوة شخصية الكواكبي نفسها والكاريزما التي يتحلى بها كي يجمع حوله اقرانه متقدماً عليها بالجرأة والمواجهة خصوصاً في صراعه مع ابو الهدى الصيادي الذي يوازيه في قوة الشخصية والتماسك المعرفي التقليدي وربما كان يفوقه في قدرته على التعامل السياسي مع السلطة العثمانية.
ومع إهمال ابراز قوة شخصية الكواكبي في الفيلم، عبر الميل الى تأكيد عقلانيته اللطيفة، يكون الفيلم خسر النقطة الثانية بعد الدراما، وهي تقديم شخصية الكواكبي شخصية "كاريزمية" ذات مشروع نهضوي تنويري. وهذا ما حاول الممثل بسام كوسا، عبر فهمه الشخصية واختياره وسائل التعبير الجسدية، لكنه بقي كعامل مفرد، من مقومات الفيلم المتوازية باستقلال، والتي حولت الفيلم خلطة عجيبة من النيات السينمائية الحسنة.
ثلاث سنوات مضت على انجاز الفيلم، والى الآن لم يتوصل ذكرى الى صيغة نهائية له كي يقدمها الى الجمهور. ومع هذا يصول الفيلم ويجول في المهرجانات والمناسبات السينمائية والعروض الخاصة. من دون الاستقرار على نسخة نهائية، وكأن التدخلات المونتاجية المتلاحقة لا تؤثر ولن في الفيلم كبنية نهائية، على رغم عرضه المتلاحق امام لجان رسمية وحصده عدداً من التنويهات... لكن السؤال الملح الآن: هل استطاع فيلم ذكرى أن يرتقي الى مستوى فكر الكواكبي ويقدم الينا ما نتفاعل معه جمالياً وفنياً وفكرياً؟ أعتقد أن الكواكبي ونحن نستحق أحسن من هذا بكثير... وكم من الوقت سيمضي كي تتاح الفرصة مرة أخرى ينصف فيها سينمائياً هو... ونحن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.