تلفت الأعلام الوطنية المتعددة الهويات والمنصوبة على مدخل القاعة الرئيسية في مركز "بيروت هول" في سن الفيل، عين الداخل لمشاهدة ما يقدم في إطار معرض "أرابكوم 2000" لتكنولوجيا الإتصالات Communication Technology الذي بات تقليداً سنوياً للعاصمة اللبنانية، اذ يقام للمرة الثالثة فيها. يظهر العلم اللبناني مرفرفاً في الصف الأول وخلفه مباشرة علم الولاياتالمتحدة الأميركية الذي كان موضعاً للحرق والتنديد قبل بضعة أسابيع ممن رأوا في أميركا عدوا رئيسياً وشيطاناً أكبر توجّه الملامة إليه أولاً، كلما إستخدمت إسرائيل عصاها العسكرية الغليظة، وجُلَّ معدنها أميركي على أي حال!! عولمة المعلوماتية وهوية الإتصال على مدخل المعرض التكنولوجي، بدا العلم الأميركي قريباً من اللبناني، في بلد تكثر العلائم على أمركة ما مستمرة في سلوك العيش فيه، وتنزاح ثقافته وذائقته تدريجاً من مركزها الفرنكوفوني الوطيد إلى ثقافة الأنكلو ساكسون التي تدعمها تكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنت وفورة الإتصالات. وعلى رغم الاندماج بين التغيير المعلوماتي والطفرة الإتصالية وتحولهما نسيجاً واحداً، توحي هويات الأعلام المرفرفة على مدخل معرض الإتصالات ببعض الفارق. وتستقبل قاعة "بيروت هول" نفسها، معرض "تيرميوم" السنوي لتكنولوجيا المعلوماتية الذي يقام في زمن قريب غالباً من "أرابكوم". ودرجت العادة في "تيرميوم" على أن ترفع أعلام الشركات العملاقة للمعلوماتية، وبعضها أميركي، فتحل محل الأعلام الوطنية. لكن أمر الإتصالات يبدو أكثر قرباً من الهويات والعلاقات بين الشعوب وسبل التواصل والحوار في ما بينها. وفي المعنى نفسه، تتمكن أوروبا العريقة في الهويات وثقافاتها من منافسة الولاياتالمتحدة في مجال التقنيات الإتصالية، وبأكثر من قدرتها على المنافسة في مجال الكومبيوتر. كأنما اليد الأميركية تصبح مهيمنة إلى حد التفرّد في المجال المفتوح تماماً أمام العولمة وقواها أي المعلوماتية فيما تحفظ الإتصالات قوة حضور التمايز في الهوية الثقافية، وذاك أمر في جذر الإتصال ومبرراته. وعلى المدخل، ثمة مربع بارز يبدو كأنه مرتاح إلى قوة حضوره وشغله مساحة مديدة في الفراغ الوسطي لمقدم صالة العرض وتشغل شركة "أريكسون" السويدية الشهيرة للهواتف الخلوية هذا المربع، فتعرض فيه بعض أحدث أجهزتها. إندماج وسائط الإعلام العام المعلم الواضح في مسار تطور شبكة الأنترنت تشكّلها على هيئة واسطة للإعلام العام، وقد أخذت تحل محل ما قبلها مثل التلفزيون والسينما والراديو وسواها. وتسير عملية الإزاحة في مسار مألوف في التطور الإعلاميَ قوامه الاستيعاب أولاً ثم الظهور التدريجي لخصوصيات الواسطة الإعلامية المستجدة. ويرى بعض خبراء تطور وسائل الاتصالَ كمثل الأنّاس البريطاني كينيش ويليامز أن العناصرالإجتماعية والثقافية تؤدي الدور الحاسم في دفع مسار تطور التقنيات. وتلك تقطة جديرة بالإهتمام لإنقاذ العين من غرقها في بحر الآلات اللامعة والشاشات على أنواعها ووميض الأضواء والإشارات النغمية الحادة والمنمطةَ وكلها تؤدي دوراً في أسر العقل وإخماد نقديته حيال التقنية. ويحتاج النقاش الإحتماعي إلى توسع خاص، وفي "أرابكوم 2000" يظهر المنحى التقني بدمج وسائط الإعلام في وضوح ظاهر. وتركز شركة "أريكسون" على نظام "الواب" WAP أو "بروتوكول التطبيقات اللاسلكية" Wireless Applications Protocol الذي يمكّن من الحصول على الإنترنت عبر الهواتف الخلوية. وعرضت شركة "شلومبرغ" الفرنسية "تيل ويب" Tel Web وهو جهاز هاتف عادي من النوع الذي يوضع للأستخدام العام وتعلوه شاشة إنترنت. ويتمكن مستعمله من دخول الشبكة الدولية للكومبيوتر، على نحو يشبه إجراء مكالمة عادية. وفي المنحى نفسه، عرضت شركة "أم فاييز" الأميركية جهاز "ترافيرسير"، وهو نواة لأجهزة مماثلة متوقعة. ويقدر جهاز "ترافيرسير"، وبأستخدام تقنية "الخط المستهلك الرقمي" او Digital Subscriber Line أو DSL، على تشغيل التلفزيون والهاتف والإنترنت عبر خط هاتفي واحد وفي اللحظة نفسها. ويعتبر ترافيرسير طليعة أجهزة "سيت أب بوكس" Set up Box التي تقدر على قراءة مختلف أشكال الإشارات الرقمية، سواء في الكومبيوتر أو التلفزة وغيرهما، وتوزيعها على أجهزة المنزل الإلكترونية. وفي كتابه عن مستقبل الإنترنت "الطريق قدماً"، توقع بيل غيتس، رئيس شركة "مايكروسوفت" العملاقة للمعلوماتية، بروز أجهزة "سيت أب" مع حلول العام 2003. والواضح أن التقنية المعلوماتية تبدو كأنها تسابق صانعيها، لان القوى التي تنخس نموها، تضرب الجذور في النمو التاريخي للمجتمع الإنساني. وهذا ما يحتاج إلى قول خاص.