قدّم لقاء الرواية المصرية والرواية المغربية الثاني، الذي استضافه المجلس الاعلى المصري للثقافة في مقره في القاهرة اخيراً، نحو 24 عملاً روائياً لكُتاب من البلدين، من دون ان يتمكن معظم الحاضرين من التواصل الفاعل مع ما تعلّق منها بالروايات المغربية، اذ لم تتح لهم اصلاً فرصة قراءتها ربما باستثناء عملين هما "مثل صيف لم يتكرر" لمحمد برادة و"مجنون الحكم" لسالم حميش، وكانا صدرا قبل اشهر ضمن سلسلة "آفاق الكتابة" لدى الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة وأشرف عليها إبراهيم أصلان. وإن كان اللقاء الذي استمر ثلاثة ايام اتاح إلقاء الضوء على عدد من اعمال الروائيين المغاربة الشبان مثل "اوراق عبرية" لحسن رياض "وزغاريد الموت" لعبدالكريم الجويطي، فإن النماذج المصرية التي قدّمت هي للكتاب الراسخين وخصوصاً المنتمين منهم الى جيل الستينات. ومع ذلك فإن ابرز أعمال اللقاء تمثل "في مائدة مستديرة" تناولت قضايا عدة متعلقة بإبداع الروائيين الشبان، في البلدين، وشهدت سجالاً ساخناً من الكتاب المصريين حول الكتابة الروائية الجديدة ومدى ما حققته من تجاوز لما سبقها. وكان اللقاء الاول حول الرواية المصرية والرواية المغربية عقد في الدار البيضاء قبل نحو أربع سنوات بالتعاون بين اتحاد كتاب المغرب ولجنة القصة في المجلس الاعلى المصري للثقافة وكان يرأسها في ذلك الوقت الروائي المصري الراحل فتحي غانم. وفي الجلسة الافتتاحية للقاء الثاني أعرب الناقد جابر عصفور أمين عام المجلس عن الامل في أن يساهم هذا اللقاء في إلقاء الضوء على علاقة الرواية بزمنها وبسائر انواع الاداب والفنون وبتراثها القريب والبعيد وبواقعها سلباً وايجاباً وبالحضور الروائي في العالم كله ومحاولة الإجابة على سؤال: هل لا تزال هذه العلاقة أسيرة المركزية الاوروبية أم انها اتسعت وتحاول ان تصل الى نوع ذاتي من الحوار. واضاف ان اللقاء القائم على حوار يمكن ان يتسع ليشمل الاقطار العربية كافة ويحاول اكتشاف خصوصية محددة للرواية العربية من خلال التأكيد على حضور النص بوصفه وسيلتنا لاكتشاف هذا العالم الذي تصوغه الرواية. وألقى الناقد الروائي محمد برادة في الجلسة نفسها كلمة نيابة عن الباحثين المغاربة اكد فيها ان الرواية استطاعت حفر ثقوب واسعة في ايديولوجية اسمنتية، وعبر هذه الثقوب يأتي تحرير اللغة والجسد والعقيدة، من السدنة الذين يحتكرونها لأنفسهم. واضاف ان الخطاب الروائي العربي يحمل اجنحته بخاصة لكونه يسعى الى تشخيص رحلة العذاب الطويلة للفرد العربي في مواجهة الجمود والسلطات والانغلاق. ومثل الناقد صلاح فضل الباحثين المصريين بكلمة اشار فيها الى ان هذا اللقاء وإن كان يتصف بطبيعة ثنائية الا انها تستوعب الاطراف الاخرى في وعيها، كما تحدث أنور المرتجي، نائب رئيس اتحاد كتاب المغرب عن حرص المغرب على دعم مثل هذه الانشطة التي تعزز التواصل والحوار بين الجانبين على المستويين الادبي والثقافي. ومن ابرز الروايات التي عرضت دراسات في شأنها خلال اللقاء "عصافير النيل" لإبراهيم اصلان و"منامات عم أحمد السماك" لخيري شلبي و"يأتي القطار" لمحمد البساطي و"اطياف" لرضوى عاشور و"لا أحد ينام في الاسكندرية" لإبراهيم عبدالمجيد و"حكايات المؤسسة" لجمال الغيطاني، و"مجنون الحكم" لسالم حميش، و"غيلة" لعبدالله العروي، و"مثل صيف لن يتكرر" لمحمد برادة، و"سفر التكوين" لعبدالكريم غلاب، و"خط الفزع" لادريس بلمليح و"خميل المضاجع" لمحمد الاشعري، و"يقين العطش" لرشيد بنحدو، و"أفواه واسعة" لمحمد زفزاف. وخلال "المائدة المستديرة" التي عقدت على هامش اللقاء وتناولت سمات الابداع الروائي لدى الشبان هاجم محمد إبراهيم مبروك كُتاب الرواية الجدد في مصر الذين وصفهم بأنهم يعانون من "عقدة قتل الاب" ورأى انهم لم يتمكنوا حتى الان من تجاوز انجاز كتاب الستينات على صعيد العناصر الفنية. لكن الناقد المغربي عبدالحميد العطار رأى ان الكتاب الجدد اضافوا ما لم يمكن الاستهانة به: الايجاز عبر الجملة الشعرية، والاحساس القويّ بالذات في مقابل الاحساس بالمجتمع عند من سبقوهم واشتكى الروائي المصري الشاب أحمد غريب من "صعوبة الحصول على اعتراف المؤسسات الثقافية في مواجهة جيل نجيب محفوظ ثم جيل الستينات". واضاف غريب أن جيله يصر على الاستمرار في "تفجير البناء الروائي وتشظيته" حتى يتم الحصول على ذلك الاعتراف. واتهمت الكاتبة سلوى بكر الكُتاب الجدد بأنهم ينتجون "اعمالاً رديئة المستوى ويدفعون اموالاً لدور نشر معينة لتصدرها لهم" وزادت: "انهم يختلقون حروباً صغيرة لا معنى لها". وقال سالم حميش ان ميدان الكتابة الادبية لا ينبغي ان ينشغل بصراع اجيال، مضيفاً ان استيعاب ما سبق مهم كما ان الانطلاق من لا شيء لا يصح. وفي اطار السجال نفسه رأى جابر عصفور انه لا يوجد فن من دون اختلاف وحتى الكاتب الواحد إذا لم يجسد اختلافاً في كتابته اللاحقة فانه لا يمكن ان يكون كاتباً ... والاختلاف لا يعني العداء، بل هو الابداع في تجسده العمل. وفي الجلسة الختامية للقاء اقترح انور المرتجي، الذي كان يتحدث باسم اتحاد الكتاب المغربي، أن يعاد طبع بعض الروايات المغربية في مصر "تسهيلاً للتبادل الثقافي". وقال جابر عصفور في الجلسة نفسها "إن اللقاء نجح في تعميق التجربة التي بدأت منذ أربع سنوات في الدار البيضاء، واضاف إليها ما يلي: تقديم نظرة طائر الى المشهد الروائي المعاصر في مصر في موازاة مثيله في المغرب، تأكيد حضور التجارب الروائية الجديدة في مصر، الاهتمام بالجيل الجديد".