برتبط الموسم الثقافي المغربي ارتباطاً وثيقاً بالمعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء، فهو يأتي سنوياً في موعده ليخلق مساحة ثقافية تشارك فيها دور النشر المغربية والعربية من خلال إصداراتها الجديدة والكلاسيكية. ويجد الكتّاب المغاربة في هذه المساحة فضاءً مناسباً يسمح لهم بالتواصل الحيّ والمباشر مع قرّائهم عبر حفلات التوقيع والندوات والمحاضرات. حملت الدورة الأخيرة من معرض الدار البيضاء، شعار «تكريس الروابط الثقافية المغربية الإفريقية وتفاعلها». واستقبل المعرض رموزاً إبداعية ونقدية أثرت بكتاباتها الرصيد الثقافي الغزير لإفريقيا. تخللت المعرض مجموعة من اللقاءات مع شعراء وروائيين ومفكرين وفنانين مغاربة تحدثوا عن الإبداع المغربي ودوره في تطوير المجتمع المحلّي. وحضر الكِتاب العربي ايضاً عبر دور نشر عربية، إضافة الى كتّاب من دول عربية عدة مثل واسيني الأعرج ونوري الجراح وعلي بدر وحسونة المصباحي وشاكر لعيبي وصلاح نيازي وخلدون الشمعة وسواهم. واهتم المعرض كذلك بالكتب الأجنبية (العالمية)، فمنحت المؤلفات الصينية والأوروبية والأميركية واللاتينية تنوعاً، كاشفةً عن البعد الدولي لهذا المعرض. واحتفى البرنامج بأسماء مغربية استطاعت التألق، سواء على المستوى العربي أو العالمي، عبر حصولها على إحدى الجوائز الثقافية الكبرى، ضمن فقرة أطلق عليها «أسماء فوق البوديوم»، بحيث احتفى بالكاتب والباحث الأكاديمي سعيد يقطين، الذي نال جائزة الشيخ زايد للفنون والدراسات النقدية العام الفائت عن كتابه النقدي «الفكر الأدبي: البنيات والأنساق»، عبر ندوة أدارها الناقد والباحث الميلود عثماني. واحتفي ايضاً بالناقد والباحث الأكاديمي محمد مفتاح الذي سبق له أن حصل على جائزة الملك فيصل العالمية للغة العربية والأدب العربي لعام 2016. وفي السياق الاحتفائي ذاته، حضر الشاعر المغربي محمد بنطلحة في أمسية شعرية كبرى بمناسبة فوزه بجائزة «الأركانة» العالمية للشعر لسنة 2016، مع توقيع لأعماله الشعرية الصادرة في مجلد كبير عن «بيت الشعر في المغرب»، وقد نظم هذه الاحتفالية الكاتب والباحث خالد بلقاسم. وفي فقرة «الكتابة والذاكرة»، أقيم عرض خاص لكتاب عبد الواحد الراضي «المغرب الذي عشته» الذي اعتبر «خلاصة أزيد من نصف قرن من الحضور والمشاهدة والتأمل في الفعل السياسي وفي تدبير الشأن العام الوطني». اما في فقرة «ليالي الشعر»، فشهدت «قاعة افريقيا» حضور مجموعة من الشعراء المغاربة والعرب لقراءة جديدهم الشعري، ومن بينهم إكرام عبدي، عزيز أزغاي، نبيل منصر، عبد الدين حمروش، نوري الجراح، شاكر لعيبي، خالد الناصري، عبد السلام الموساوي، إدريس الملياني، فؤاد شردودي، مليكة العاصمي ومحمد حمودان وسواهم. كما حضر الشعر الإيطالي ممثلاً بالشاعرة فاليري دي فليشي، والشعر الأميركي ممثلاً بالشاعر مايكل مارش. ولم تغب الرواية عن برنامج المعرض، بحيث كان القرّاء على موعد مع توقيعات عدد من الأعمال الروائية الصادرة حديثاً، إضافة الى ندوات استقبلت روائيين ونقّاداً للخوض في هموم الرواية وإنجازاتها، ومنها ندوة بعنوان «روائيون بأفق مغاربي» جمعت كلاً من الكاتب الجزائري واسيني الأعرج والكاتب التونسي حسونة المصباحي والكاتبين المغربيين محمد برادة ويوسف فاضل، الذين تحدثوا عن تجاربهم في الكتابة الروائية، وأدار الجلسة الناقد والباحث الأكاديمي سعيد بنكراد. واجتمع في ندوة أخرى عدد من الروائيين العرب للحديث عن نصوصهم الروائية الجديدة، هم: مبارك ربيع وعاصم الباشا وإبراهيم الجبين وشاكر نوري ومصطفى الحمداوي. وفي جلسة أخرى مماثلة شارك الكاتب عبد العزيز الراشدي الروائيين المغاربة عبد الإله بن عرفة ومحمود عبد الغني وعبد الرحيم حبيبي والبشير الدمون. وفي ندوة بعنوان «نساء روائيات»، أدارتها الكاتبة لطيفة باقا، تحدثت الروائية الكويتية ليلى العثمان والكاتبة عائشة البصري عن كتاباتهما الروائية في إطار المشهد الروائي العربي. وفي سياق آخر، قدّم الكاتب المغربي محمد الأشعري عمله الروائي الصادر حديثاً بعنوان «ثلاث ليال»، ومثله فعل الكاتب عبد الكريم الجويطي حين قدم روايته الجديدة «المغاربة» التي كانت ضمن قائمة «بوكر» الطويلة. أما الكاتب حسن نجمي فتطرق الى روايته «جيرترود» بمناسبة نقلها إلى اللغة الأمازيغية، بترجمة أنجزتها فاطمة ولعالي. وهي رواية بهية تميزت بصنعة روائية قوية وبروح إبداعية متميزة. حضر النقد العربي أيضاً في جلسة تناولت المسار الذي عرفه ويعرفه، وشارك فيها مجموعة من النقاد العرب هم خلدون الشمعة وقاسم البريسم وعبد الرحمان بسيسو. وكان «أدب الرحلة» حاضراً أيضاً في فقرات عديدة من البرنامج الثقافي العام. واحتفي ايضًا بالكتابة الإبداعية الأمازيغية والأعمال التي تحفظ الذاكرة الجماعية وبالتجارب الإبداعية الجديدة في مجالات الترجمة وبالفلسفة والقصة القصيرة والمسرح والزجل وما إلى ذلك من نشاطات ثقافية أخرى. ومن أبرز الكتّاب الذين وقعوا أعمالهم الجديدة خلال هذه الدورة، محمد برادة وشعيب حليفي وبوشعيب الساوري وياسين عدنان وأنيس الرافعي وعبد اللطيف الوراري وليلى بارع ويوسف فاضل وطارق البكاري وواسيني الأعرج وغيرهم. طبعاً لا يمكن الإحاطة بكل النشاطات الثقافية التي شهدها المعرض، لكن الحديث عنه، كيفما كان الحال، يمنح القارئ رؤية تقريبية.