قال الأمين العام ل"منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط" أوابك عبدالعزيز التركي إن قرار "أوبك" الأخير بزيادة الانتاج لإعادة الاستقرار إلى أسعار النفط سيكون له اثر ايجابي في استمرار النمو الاقتصادي العالمي ونمو الطلب على النفط. وأشار التركي في حديث أجرته مع "الحياة"، إلى ان أسعار النفط زادت بنسبة 40 في المئة عما كانت عليه عام 1998، ما أدى إلى ارتفاع قيمة الصادرات النفطية للدول الأعضاء يومياً من حوالى 76 مليون دولار إلى 104 ملايين دولار العام الماضي، و"هذه من أعلى العائدات النفطية السنوية المحققة منذ عام 1982، وهذا بدوره أدى إلى زيادة هامش ربحية الشركات النفطية وتوسيع نشاطاتها الاستثمارية". وتوقع زيادة الطلب الاجمالي على النفط السنة الجارية بنسبة 5.1 في المئة مليون برميل يومياً والسنة المقبلة بنسبة ثلاثة في المئة. وقال التركي إن السبب الرئيسي وراء اندماج الشركات النفطية الكبرى ليس انخفاض أسعار النفط، وإنما محاولة الحد من تكاليف الانتاج المتعلقة بهذه الصناعة وأنشطتها المختلفة، ومن أجل تحسين العائد على متوسط رأس المال المستخدم ومن ثم زيادة قيمة الأسهم وطمأنة المستثمرين. ورأى التركي ان القدرة التنافسية للنفط ستستمر في المستقبل في ظل وجود مصادر جديدة للطاقة، بسبب محدودية حجم المصادر وارتفاع كلفتها، كما ان بعضها لا يزال في مراحله التجريبية. وفي ما يأتي نص الحديث: لوحظ أن معظم الشركات النفطية الكبرى اتخذت قرارات بالاندماج عقب تراجع أسعار النفط. في رأيك، ما هي الأسباب وراء ذلك؟ - ساهم الانخفاض الدراماتيكي في مستويات الأسعار عام 1998 في دفع حركة الاندماجات التي حدثت بين كبرى الشركات النفطية العالمية، ففي مطلع آب اغسطس 1998 اندمجت شركتا "بريتش بتروليوم" و"أموكو"، وبعد ثلاثة أشهر تقريباً اندمجت "اكسون" مع "موبيل"، وتلى ذلك اندماج شركتي "توتال" و"بتروفينا". لكن انخفاض الأسعار لم يكن السبب الوحيد والرئيسي وراء تلك الاندماجات، بدليل استمرارية هذا التوجه نحو الاندماج حتى بعد التحسين الذي طرأ على الأسعار منذ شباط فبراير 1999. فخلال نيسان ابريل 1999 تم الاندماج بين "بريتش بتروليوم اموكو" و"آركو"، ثم بين "ريبسول" و"اي بي اف"، وفي أيار مايو الماضي اندمجت "توتال فينا" و"إلف اكيتان". والدليل الآخر هو عدم اقتصار عمليات الاندماج تلك على الشركات النفطية فقط، إذ أن هناك عدداً من الاندماجات المختلفة التي نسمع عن حدوثها بين وقت وآخر في مجالات شتى كالمصارف وشركات السيارات والاتصالات، مما ليست لها علاقة مباشرة بانخفاض أسعار النفط أو ارتفاعها، بل ان الدوافع المهمة وراء تلك الاندماجات تتمثل بصفة رئيسية في محاولة الحد من تكاليف الانتاج المتعلقة بهذه الصناعة وأنشطتها المختلفة. ولا شك ان الخفض في كلفة وحدة الانتاج وتعظيم العائدات والأرباح المتوقعة من العمليات النفطية المختلفة التي تقوم بها تلك الشركات سيؤدي في النهاية إلى تحسين العائد على متوسط رأس المال المستخدم ومن ثم زيادة قيمة الأسهم وطمأنة المستثمرين فيها. ما هي الأسباب التي تقف وراء انخفاض أسعار النفط أو ارتفاعها، وكيف يمكن الوصول إلى سعر مناسب ومتوازن، وإلى أي مدى يمكن أن يتأثر نشاط الاستكشاف والانتاج؟ - يلعب المخزون النفطي دوراً رئيسياً في التأثير في الأسعار، وازداد ذلك الدور في الأعوام الأخيرة. والمقصود هنا المخزون التجاري الذي تحتفظ به الشركات. أما المخزون الحكومي أو الاستراتيجية، فإن دوره محدود للغاية. يعكس المخزون التجاري حالة التوازن بين الطلب على النفط وامداداته. ففي الأوقات التي تزيد فيها الإمدادات عن الاستهلاك، ترتفع معدلات المخزون التجاري وتنخفض الأسعار، كما حدث في 1998 ومطلع 1999، عندنا انخفضت الأسعار إلى مستويات قاسية وزاد المخزون إلى معدلات غير مسبوقة. لذا جاء اتفاق الدول النفطية في آذار مارس 1999 ليمتص تدريجاً الجزء الأكبر من فائض المخزون، ويساعد على ارتفاع الأسعار، إضافة إلى موجة البرد القارس التي اجتاحت الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية، وما نجم عنها من مشاكل محلية في الامدادات، وتوقف قسم من شركات الغاز عن إمداد المستهلكين الذين حاولوا التغلب على ذلك النقص المفاجئ عن طريق استخدام النفط. وساهم المضاربون في حدة ارتفاع الأسعار، عن طريق ترويج اشاعات تتعلق بالامدادات أو المخزون... الخ. ويتبين مما سلف أن النفط، شأنه شأن أي سلعة أخرى، يخضع لعوامل العرض والطلب وتتأثر أسعاره بارتفاع المخزون وانخفاضه، كما يتأثر بالمضاربات المختلفة التي تسود سوقه، وللتخفيف من تلك العوامل جاء اتفاق "أوبك" الأخير متضمناً آلية جديدة لمحاولة السيطرة على التقلبات الحادة في الأسعار. وتمثلت تلك الآلية في تحديد كمية معينة تستطيع "أوبك" الدفع بها إلى السوق أو حجبها عنه. أما حول عمليات الاستكشاف وتأثرها بارتفاع الأسعار وانخفاضها، فمما لا شك فيه أنها تتأثر ايجاباً وسلباً في ضوء الزيادات والانخفاضات المستمرة. كم يبلغ اجمالي استهلاك الطاقة ومتوسط نصيب الفرد في الدول أعضاء المنظمة مقارنة مع فترة السبعينات؟ - حدث تطور كبير في استهلاك الطاقة في الأقطار الأعضاء خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ تسارع الاستهلاك فيها بصورة ملحوظة، وتضاعف حجمه من نحو مليون برميل مكافئ نفط يومياً عام 1975 إلى 7.5 مليون عام 1999. وتضاعف استهلاك المنتجات النفطية في الأقطار الأعضاء من نحو 700 ألف برميل عام 1975 إلى نحو ثلاثة ملايين عام 1999، على رغم تراجع حصة النفط من اجمالي استهلاك الطاقة من 65 في المئة في عام 1975 إلى 53 في المئة عام 1999. وفي المقابل، ازدادت الأهمية النسبية للغاز الطبيعي بصورة كبيرة، إذ أصبح يلبي 44 في المئة من اجمالي متطلبات الطاقة في الأقطار الأعضاء عام 1999 مقابل 28 في المئة عام 1975. وتضاعف معدل استهلاك الفرد من الطاقة في الأقطار الأعضاء من نحو 4.4 برميل مكافئ نفط في 1975 إلى حوالى 12 برميلاً عام 1999. ما هي العوامل المؤثرة في السوق النفطية؟ وإلى أي مدى تؤثر الأزمات الاقتصادية العالمية على هذه السوق؟ - تتأثر أسواق النفط بعوامل كثيرة لكل منها انعكاساتها على جانبي الاستهلاك أو الامدادات. ولا يتسع المجال هنا لذكرها بالتفصيل، لكني سأكتفي بالإشارة إلى أبرزها. لا شك ان النمو في الاقتصاد العالمي يعتبر في مقدم هذه العوامل، بسبب المكانة المهمة التي يحتلها النفط في النشاطات الاقتصادية للدول الصناعية والنامية على حد سواء، وذلك بدءاً بقطاع النقل الذي يعتمد بالكامل على النفط في تسيير وسائط المواصلات الجوية والبرية والبحرية، مروراً بالصناعات التحويلية والبتروكيماوية، وانتهاء بتدفئة أماكن السكن والعمل. وليس مستغرباً إذن ان تنتعش السوق النفطية في الأوقات التي يزدهر فيها الاقتصاد العالمي، بيد ان السوق تواجه صعوبات حين يتعثر النمو الاقتصادي. وهذه العلاقة الوثيقة بين النفط ونمو الاقتصاد العالمي هي من السمات البارزة من الناحية التاريخية، وتأكدت في الأعوام الأخيرة، فانتكاسة السوق النفطية عام 1998، وما رافقها من مصاعب في عموم الدول النفطية، خصوصاً الأقطار الأعضاء، كانت نتيجة مباشرة للأزمة الخانقة التي أصابت النمور الآسيوية عامي 1997 و1998، لكن حدة الأزمة ما لبثت أن خفت عام 1999 مع عودة الانتعاش التدريجي إلى اقتصاد الدول الآسيوية. كذلك تؤثر المخزونات النفطية على الأسواق، خصوصاً حين يتم تعديل مسارها بالسحب، وبالإضافة لفترة طويلة نسبياً. وشكل السحب المستمر من المخزونات التجارية في الدول الصناعية بعد منتصف الثمانينات عنصر ضغط على أسواق النفط العالمية. وهذه الظاهرة قد تتضخم أحياناً ليصبح تأثيرها شديداً على السوق النفطية، ما يؤدي إلى تعرض الأسعار لضغوط شديدة فتهبط إلى مستويات متدنية، كما حصل عام 1998 والأشهر الأولى من عام 1999، الأمر الذي تطلب تدخل الدول النفطية لتصحيح الخلل. وقد تطلب خلل الأسواق في الأشهر الأخيرة من عام 1999، والأشهر الأولى من السنة الجارية، تدخل الدول النفطية مرة أخرى في آذار مارس الماضي، لإعادة التوازن بين الطلب على النفط والامدادات. العامل الحاسم الآخر في أسواق النفط يتمثل في سياسية الدول الصناعية، التي يحاول بعضها الحيلولة دون إتاحة الفرصة للنفط ليتنافس مع مصادر الطاقة الأخرى، عن طريق فرض الضرائب الباهظة، وتقديم الإعانات إلى المصادر غير النفطية، إضافة إلى سن التشريعات والقوانين لاجبار المستهلكين على تقليل استخدام النفط. وتكفي الإشارة هنا إلى أن الضرائب التي تفرضها الحكومات الأوروبية تمثل ثلاثة أرباع ما يدفعه المستهلك النهائي. وعلى رغم المستوى المرتفع جداً لتلك الضرائب، فإنها تتزايد باستمرار تحت ذرائع مختلفة. كما تلعب التطورات التكنولوجية دوراً مهماً في تحديد تجاه العرض والطلب. فمن الناحية التاريخية، تم تحويل النفط من وقود للإضاءة في القرن التاسع عشر إلى مصدر للطاقة في قطاع المواصلات في القرن العشرين، بفضل التقدم المتواصل في مجالات العلم والتكنولوجيا، خصوصاً وسائط النقل البري والجوي. في الوقت ذاته، أدى التقدم في مجالات الاستكشاف والحفر إلى زيادة متواصلة في الكميات المكتشفة من النفط والغاز على امتداد القرن ونصف قرن الماضيين، على رغم الارتفاع المستمر في الطلب على النفط. كما كان التقدم التقني مفيداً في العقود القليلة الماضية لخفض نسب التلوث الناجم عن استهلاك النفط، الأمر الذي يزيد من قبوله بيئياً لدى مختلف المستهلكين. ما هي توقعاتكم للسوق النفطية لسنة 2001؟ - بالنسبة للطلب العالمي، فإنه، كما هو معلوم، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدلات النمو في الاقتصاد العالمي. وارتفعت تلك المعدلات العام الماضي بعد عودة الانتعاش الاقتصادي إلى الدول الآسيوية، كما يواصل الاقتصاد الأميركي نموه السريع، في وقت ابتعد شبح الأزمة الذي خيم على أميركا اللاتينية وروسيا، كما أن دول الاتحاد الأوروبي ماضية في تنفيذ الاجراءات والاصلاحات التي تضمن زيادة النمو في نشاطاتها الاقتصادية. في ضوء هذا النمو الاقتصادي في مناطق العالم المختلفة، يتوقع ان يزيد الطلب الاجمالي على النفط هذا العام بنحو مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 5.1 في المئة. ويمكن ان ترتفع نسبة الزيادة إلى الضعف السنة المقبلة، لتصل إلى مليوني برميل يومياً، أي ثلاثة في المئة، مدفوعة بتسارع النمو في الاقتصاد العالمي. وفي وقت تتسم توقعات الطلب العالمي على النفط بسهولة إعدادها، يصعب على المرء تقديم تقديرات مماثلة عن بقية عناصر المعادلة، خصوصاً أن السوق النفطية شهدت في الأشهر الأخيرة مرحلة من عدم الاستقرار، ما دفع الدول النفطية إلى اتخاذ الاجراءات المناسبة لإعادة التوازن بين الطلب العالمي على النفط وإمداداته. لذلك قررت الدول النفطية الاجتماع ثلاث مرات خلال فترة لا تتجاوز الستة أشهر، فبعد اجتماعها نهاية آذار الماضي، من المقرر أن تجتمع هذه الدول في حزيران يونيو المقبل، ثم في نهاية أيلول سبتمبر المقبل. والمعروف ان كلاً من هذه الاجتماعات تسبقه مشاورات ولقاءات على المستويات الثنائية والمتعددة الأطراف، ولا شك ان كل اجتماع سيتناول بالتفصيل المواضيع المطروحة في هذا السؤال. لذا فإن تقديم رأي محدد بشأن التطورات المتوقعة سنة 2000، يتطلب متابعة مستمرة للسوق النفطية يمكن استخدامها للوصول إلى التوقعات سنة 2001. ما هي آثار الارتفاع الحالي للأسعار على اقتصاديات الدول الأعضاء والدول المستهلكة؟ - لعبت العائدات النفطية منذ منتصف السبعينات دوراً رئيسياً في تحديد مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقطار الأعضاء خصوصاً، والدول العربية الأخرى عموماً. وعلى رغم ان النفط ليس هو العامل الوحيد في إحداث التنمية، إلا أنه لا يزال يشكل أهم الموارد والقوى الاقتصادية التي تتحكم في عملية التنمية في هذه الأقطار، إذ ارتكزت التنمية خلال ربع القرن الماضي على أسعار النفط وعائداته. وأدى ارتفاع الأسعار أخيراً بما يزيد على 40 في المئة عما كانت عليه عام 1998 إلى ارتفاع قيمة الصادرات النفطية للأقطار الأعضاء يومياً من نحو 76 مليون دولار إلى 104 ملايين دولار عام 1999. وتعتبر هذه العائدات من أعلى العائدات النفطية السنوية المحققة منذ عام 1982. وأثبتت التجارب السابقة خلال العقود الأخيرة ان ارتفاع الأسعار يؤدي إلى زيادة هامش ربحية الشركات النفطية، ما يدفعها إلى توسيع نشاطاتها الاستثمارية، وبالتالي يزدهر النشاط الاستكشافي والانتاج بارتفاع الأسعار، ويتراجع بتقلصها. كما يعمل ارتفاع الأسعار على إعادة الثقة إلى مناطق الانتاج خارج "أوبك" ذات الكفاءة الانتاجية المنخفضة عن طريق تحسين الجدوى الاقتصادية لعمليات الاستكشاف والتطوير الجديدة والقديمة. وارتفعت الامدادات النفطية من خارج "أوبك" ودول الاتحاد السوفياتي السابق بحوالى الضعفين خلال ربع القرن الماضي، أي من 7.18 مليون برميل في اليوم عام 1973 إلى 7.35 مليون برميل عام 1998. ومما لا شك فيه ان قرار "أوبك" الأخير الخاص بزيادة الامدادات لإعادة الاستقرار إلى أسعار النفط إلى مستوى معقول يأخذ في اعتباره مصالح الدول المستهلكة سيكون له اثر ايجابي في استمرار النمو الاقتصادي العالمي، ومن ثم نمو الطلب على النفط الذي يحتل مكانة مميزة في موازين الطاقة. نلاحظ زيادة دائمة في بدائل ومصادر للطاقة جديدة... فماذا تتوقع للنفط مستقبلاً في ظل وجود هذه البدائل؟ - تتسم أسواق الطاقة بالمنافسة بين الأنواع المختلفة من المصادر، وهذه المنافسة ليست ظاهرة جديدة بالنسبة للنفط. ولا شك ان القدرة التنافسية للنفط ستستمر في المستقبل، إذ تمت مراعاة علاقته بموارد الوقود غير النفطية، وتدل الشواهد ان الحفاظ على هذه العلاقة يأتي في مقدم اهتمامات الدول النفطية، وكان اتفاق آذار الماضي دليلاً واضحاً على ذلك. وغني عن القول إن عملية اتخاذ القرار تأخذ في الاعتبار الوضع التنافسي لشتى أنواع الوقود، الحالية منها والجديدة. وبالنسبة للإعلام الذي نطالعه حول المصادر الجديدة، فالحقيقة هي ان مساهمة تلك المصادر في اجمالي الطاقة لا تزال محدودة الحجم ومرتفعة الكلفة، كما ان بعضها لا يزال في مراحله التجريبية، ويتطلب وقتاً طويلاً قبل أن تقوى على المنافسة في أسواق الطاقة العالمية. وينطبق هذا بوجه خاص على خلايا الوقود، كما ينطبق على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. ولكي تحافظ الدول الأعضاء على مركزها كمصادر رئيسية لإمدادات النفط في العالم، ينبغي أن نواصل جهودنا في رصد ومتابعة المساعي المبذولة في جميع المصادر المنافسة للنفط، سواء كانت تقليدية أم جديدة لاستخلاص الاستنتجات الملائمة بشأن الوضع التنافسي للنفط.