يمثل ترميم آثار القاهرة الاسلامية وصيانتها أكبر تحد يواجه المجلس الاعلى المصري للآثار، لذلك وجه المجلس، بالاشتراك مع الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي مقره في الكويت عنايته الى انجاز مشروع ارشادي داخل القاهرة القديمة، وهو مشروع حارة "الدرب الاصفر" الذي افتتحته السيدة سوزان مبارك قبل أيام. بدأ هذا المشروع بفكرة ترميم منزل السحيمي الأثري، الذي يقع في منتصف الحارة، ثم تطور ليشمل منزل الخرزاتي المجاور، ومنزل مصطفى جعفر الذي يقع على رأس الحارة. وتكشف المنازل الاثرية الثلاثة عن ملامح تطور عمارة المنازل في مصر من القرن السادس عشر الى التاسع عشر. وتشغل هذه المنازل 40 في المئة من مساحة حارة الدرب "الاصفر"، وهو ما دفع القائمين على المشروع الى التفكير جدياً في ضم البنايات الاخرى الى مشروع يهدف الى اعادة الحياة اليها كما كانت في القرن التاسع عشر، ولم يكن تبقى في الحارة سوى أثر واحد هو سبيل "قيطاس بك" ويقع على رأس الدرب في اتجاه منطقة الجمالية، فتم دمجه في المشروع. وفي المرحلة الاولى للمشروع جرى تغيير محاور السير بتحويل حارة "الدرب الاصفر" الى منطقة للمشاة فقط، وتجديد البنية التحتية. وتم ادماج واجهات مباني الحارة فأعيد تكسيتها بالأحجار، ورممت بواباتها. ولإحداث اندماج بين سكان الحارة والآثار خُصص طابق في منزل "مصطفى جعفر" ليكون وحدة لتعليم برامج الكومبيوتر والعزف على الآلات الموسيقية الشرقية. وتمّ تشكيل "جمعية القاطنين في الحارة" للحفاظ على أبنيتها. وقرر "المجلس الاعلى المصري للآثار" تخصيص الطابق الأول للمنازل الأثرية لعقد الأنشطة الثقافية، وسيخصص الدور الأول فوق الأرض كمتحف يوضح استخدام الفراغات في مساكن القرنين 17، 18، أما الدور الاخرى فستفتح للعاملين بالآثار والباحثين المتخصصين. مرَّ مشروع ترميم آثار حارة "الدرب الأصفر" بخطوات رئيسية، بدأت بالدراسات التوثيقية لكل عناصر هذه الآثار، وهو ما أدى الى جمع وثائق كاملة لهذه البنايات. واتضح ان "منزل السحيمي" يضم ما يزيد على 600 شرخ، كما قامت الأسر التي كانت تشغل هذه المنازل بتغيير الفراغات حسب متطلباتها. فأجريت التحليلات على المونة المستخدمة في بناء هذه الآثار، وتم التوصل الى تركيبتها، كما تم عمل رفع دقيق للزخارف الحجرية وزخارف الأسقف الخشبية والمشربيات، للحفاظ على القطع الفنية النادرة، فتم فك الأبواب الخشبية ذات الزخارف وتغليف الأسقف المزخرفة والمشربيات اثناء أعمال ترميم الحوائط والأرضيات. ويعود "منزل السحيمي" الى الشيخ عبدالوهاب الطبلاوي الذي شيده العام 1648، ثم قام الحاج اسماعيل شلبي في العام 1699، باضافة قاعة رئيسية للبيت بالطابق الارضي. وآخر من سكن المنزل وجدّده اسرة الشيخ محمد امين السحيمي شيخ رواق الأتراك في الازهر، والذي توفيّ العام 1928. وفي العام 1931 اشترت الحكومة المصرية البيت من ورثة الشيخ السحيمي بمبلغ ستة آلاف جنيه مصري. ورممت لجنة حفظ الآثار اجزاء من البيت بكلفة بلغت آنذاك الف جنيه مصري. ويشغل بيت السحيمي ارضاً مساحتها أكثر من 2000 متر مربع، ويحتوي على كل عناصر البيت القاهري في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ففيه حوش داخلي مساحته أكثر من 200 متر، تطل عليه قاعات يصل عددها الى 115 موزعة على خمسة مستويات. اما "منزل مصطفى جعفر" فيرجع الى فترة بناء "منزل السحيمي" نفسها، وهو لا يختلف عنه كثيرا من حيث التخطيط، وان كانت مساحته أصغر. ويعد "منزل الخرازتي"، ثالث منازل هذه المجموعة، وفي معماره خليط من عمارة منازل القاهرة، ومنازل اسطنبول، ويعد عماره فريداً من نوعه. وسبيل قيطاس رابع آثار "الدرب" هو عبارة عن منشأة خيرية الهدف منها تسبيل المياه للمارة ويعلوه كُتاب كان يستخدم لتعليم الأطفال القرآن الكريم والحساب والقراءة.