قرر الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي اخيرا توسيع مشروع توثيق وترميم بيت السحيمي الاثري في القاهرة، ليشمل ثلاثة آثار اخرى هي منزل مصطفى جعفر وبيت الخرزاتي وسبيل وكتّاب قيطاس. وزادت في ضوء ذلك المنحة التي خصصها الصندوق للمشروع منذ بداية تنفيذه في كانون الثاني يناير 1994 من ثلاثة ملايين دولار الى اربعة ملايين دولار على ان يضاف الى عنصري التوثيق والترميم عنصر تنمية حارة الدرب الاصفر، التي تضم تلك الاثار العائدة الى فترة الحكم العثماني. وتعتبر حارة الدرب الاصفر من حارات القاهرة، ولها مدخلان احدهما من شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يضم مجموعة كبيرة من اهم الاثار الاسلامية في مصر ويجري العمل حاليا من اجل تحويله الى متحف مفتوح، وشارع الجمالية الذي يضم العديد من الوكالات التجارية القديمة وينتسب اسمه الى بدرالدين الجمالي الذي كان يشغل منصب "امير الجيوش" في عهد الخليفة المنتصر بالله الفاطمي. ويتكون بيت السحيمي من قسمين الاول وهو الجنوبي أنشأه الشيخ عبدالوهاب الطبلاوي سنة 1648 والثاني الشمالي أنشأه الحاج اسماعيل شلبي سنة 1796 وجعل من القسمين بيتاً واحدا. اما التسمية فتنسب الى الشيخ امين السحيمي، شيخ رواق الاتراك في الجامع الازهر وهو آخر من سكن في هذا البيت وتوفي سنة 1928. ودخل بيت السحيمي في عداد الاثار وصار مزارا سياحيا ابتداء من العام 1931، بناء على توصية "لجنة حفظ الآثار العربية" التي يعتبر المجلس الاعلى المصري للآثار حاليا امتداداً لها. ويشتمل البيت على قاعات عدة يتألف كل منها من ايوانين بينهما دورقاعة وبعضها ذات واجهات من خشب الخرط تشرف على الحديقة التي تتوسط الفناء. وتتوسط بعض القاعات فسقية من الرخام، كما ان في بعض أسقف القاعات مناور تعلوها "شخشيخة" وفي القسم الشمالي من البيت حجرة مركبة على"تختبوش" محمول على عمود من الرخام. وكسيت جدران بعض القاعات من اسفل بوزرات من الخشب المزخرف على هيئة بلاطات القاشاني، واحياناً كانت تزين الجدران بالقاشاني ايضاً. اما الارضيات فقد فرشت بالرخام. وبدأ اهتمام الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي بتوثيق وترميم بيت السحيمي في اوائل العام 1990 عندما زاره السيد عبداللطيف الحمد، مدير الصندوق وابدى اعجابه بقيمته الاثرية والجمالية معتبراً انه "انجاز تفخر به الانسانية كلها". وزادادت حاجة "بيت السحيمي" الى الترميم عقب الزلزال الذي اصاب مصر في 12 تشرين الاول اكتوبر 1992 وفي ضوء ذلك قرر مجلس ادارة الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي في اول كانون الاول ديسمبر من العام نفسه، النهوض بإنقاذ هذا الاثر النفيس من خلال مشروع أسندت ادارته الى الدكتور اسعد نديم استاذ تاريخ الفنون في الجامعة الاميركية في القاهرة مدير "معهد المشربية لتنمية فن بلادنا". وفي 16 كانون الثاني يناير 1994 تم توقيع اتفاق تفاهم في شأن المشروع نفسه، وتشكلت لجنة للاشراف عليه برئاسة امين عام المجلس الاعلى المصري للاثار. واستغرقت عملية توثيق العناصر المعمارية لبيت السحيمي وإعداد خطة الترميم نحو عامين ثم بدأت الاعمال التنفيذية في آذار مارس 1996، ويتوقع - كما يقول الدكتور اسعد نديم - ان تنتهي بعد حوالى ستة اشهر من الآن. ويذكر ان المساحة الاجمالية لبيت السحيمي تبلغ الفي متر مربع ويحتوي على قاعات وغرف يصل عددها الى 115 فراغا تروي قصة نمط مهم من العمارة القاهرية التقليدية المرتبطة بقواعد الفقه الاسلامي. اما منزل مصطفى جعفر فقد تأسس سنة 1713، وكان مقرا لمكتب تفتيش آثار شمال القاهرة حتى أخلته اخيرا وزارة الثقافة المصرية لتفسح المجال لترميمه. وما زال هناك نحو 30 أسرة تعيش في بيت الخرزاتي الذي يربط بين بيت السحيمي ومنزل مصطفى جعفر وقامت وزارة الثقافة بشراء شقق بديلة سيتم تسليمها لهذه الاسر لتبدأ بعد ذلك عملية الترميم. ويمثل سبيل قيطاس نمطاً معماريا ذا طابع خيري اشتهرت به القاهرة القديمة وقد انشئ سنة 1630. ويقول الدكتور اسعد نديم إنه سيتم تخصيص المستوى الارضي من هذه الابنية لعقد الانشطة الثقافية على ان يكون في الوقت نفسه مزارا سياحيا عاما. وسيتم تأثيث المستوى فوق الارضي كمتحف يوضح استخدام الفراغات في مساكن القرنين 17 و18 وستفتح المستويات الاخرى فقط للعاملين في الآثار والباحثين المتخصصين. ويضيف ان المشروع يهدف في بُعده التنموي الى اشراك سكان حارة الدرب الاصفر في الارتقاء بالمرافق بالتجديد والصيانة المستمرين. كما سيتم رصف ارضية الحارة بالحجر المستخدم تقليديا في تبليط ورصف شوارع القاهرة وحاراتها، وكذلك ترميم واجهات المباني كافة لتحاكي الطابع القديم للمنطقة.