في الشهر الماضي انتخب الشعب السنغالي رئيسه الجديد وفق سيناريو لا تعرفه اليوم أي من بلداننا العربية التي ما زالت شعوبها وحتى نخبها تنظر باستعلاء للبلدان الافريقية جنوب الصحراء. وكنا نتوقع أن يجرى السيناريو المبتذل جريه المعتاد أي أن يطلع علينا وزير الاعلام السنغالي صبيحة انتهاء المهزلة الانتخابية يبشر بتجديد العهد للرئيس القائد بنسبة 99 في المئة وخلافاً لكل التوقعات انتصر مرشح المعارضة عبداللّه واد وبادر الرئيس المنهزم الى تهنئته حال اتضاح معالم إرادة الشعب. وإبان هذه الانتخابات أثبت الشعب السنغالي أنه ليس غباراً من الأفراد يساقون كالقطيع الى صناديق الاقتراع لتضحك على ذقونهم إدارة متواطئة وفاسدة. وعبر هذه التجربة أثبت الشعب أنه شعب مكتمل الأوصاف لا يقبل أن تصادر سيادته وأثبت الطبقة السياسية نضجها وبراعتها في إدارة اللعبة الديموقراطية وأثبت الرئيس المتخلي فهمه لطبيعة العصر ولا جدوى التجذيف ضد التيار. إن إحدى أهم المعايير التي صادرت بموجبها أنظمة ديكتاتورية فاسدة سيادة شعوبنا وحظوظ أمتنا في تبوّؤ المكان الذي هو مكانها الطبيعي بين الأمم الكبرى هو عدم نضجنا للديموقراطية. وها هي إفريقيا اليوم تنضج قبلنا، ولا بد من التذكير هنا أن عرس الديموقراطية في إفريقيا لم يبدأ في السنغال. فقد بدأت في التسعينات موجة المؤتمرات الوطنية للديموقاطية التي أخذت بموجبها المجتمعات المدنية مصيرها بأيديها في مواجهة أنظمة ديكتاتورية أفلست والديموقراطية هي التي تحكم في جنوب إفريقيا حيث أعطى عملاق اسمه نلسون منديلا أروع الأمثلة وهو يتخلى عن الحكم كما تحكم أكبر بلد افريقي هو نيجيريا، وها هو الشعب السنغالي يفرضها في أهم بلدان غرب إفريقيا. كما يجب ألاّ ننسى أن شعب الزمبابوي رفض في الشهر الماضي للرئيس المباشر موغابي تحوير الدستور ليتمتع بنيابة جديدة مثلما وقع في مصر ومثلما يتوقع الجميع في تونس سنة 2004.... وتطرح الدروس المتتالية الآتية من إفريقيا على شعوبنا العربية تحديات عدة ومنها الضغط النفسي. كان استعلاؤنا على الأفارقة استعلاء ما قبل الأخير في فصل الراسبين في امتحان التاريخ على الأخير. ثم فوجئنا بالتغيير الجذري الحاصل في مفهوم التقدم حيث لم يعد يقاس اليوم بمؤشرات اقتصادية بحتة ولكن بالمؤشر التقدم الانساني الشامل الذي تعتمده الأممالمتحدة وهو يأخذ بالحسبان معدل الدخل الخام ودور المرأة ومستوى التعليم وممارسة الحريات الفردية والعامة. وهكذا وجدت كثير من البلدان العربية الغنية نفسها في مؤخرة القائمة بينما يعرف بلد كتونس تراجعاً من سنة الى أخرى في السلم الترتيبي للشعوب.... وليس من السهل علينا كأمة لها عقد نفسية مستعصية تجاه الغرب وتجاه الشرق أن تتحمل من جديد فكرة تخلفنا بالنسبة لمن اعتدنا بصفة شعورية أو لا شعورية اعتبارهم أقل منا رقياً، فالوطن العربي هو اليوم المعقل الأخير للديكتاتورية التي ترعرعت في ظل جمهوريات ليس لها من الجمهورية أو الجماهيرية سوى الاسم لأنها أنظمة عسكرية بوليسية.... إن الديموقراطية كما يقول الفين طوفلر ليست ضرورة اخلاقية بقدر ما هي ضرورة تقنية لأنها النظام الوحيد الذي يسمح باطلاق المقدرات المبدعة للشعب والتعامل السريع مع الأخطاء قبل أن تستفحل ولأن تعقيد القرار وضرورة السرعة والمرونة في اتخاذه من ضروريات الفعالية في كل ميدان. ومعنى هذا أن كل الشعوب ومنها الشعوب الافريقية دخلت المنظومة الفكرية المبدعة باللافاعلية في حين حكمت علينا أنظمة خارجة من الزمان وخارجة عليه بألا فعالية ونحن إن تركناها تفعل فعلها المخرب فسنجد يوماً أنفسنا نركض لا فقط وراء الشعوب الآسيوية والغربية وإنما حتى وراء الشعوب الإفريقية. منصف المرزوقي رئيس اللجنة العربية لحقوق الانسان