عُقد في القاهرة اخيراً المؤتمر الثامن للجمعية الدولية لعلوم المصريات في مشاركة 1500 عالم، ليكون بذلك أكبر تجمع دولي لعلماء المصريات، ما يعكس تزايد الاهتمام بهذا العلم في الجامعات والمعاهد العلمية الدولية. ودارت الابحاث التي ناقشها المؤتمر على مدى اسبوع على عدد من المحاور وخصوصاً حاضر علم المصريات ومستقبله. ويهتم هذا العلم بدرس حضارة مصر القديمة حتى دخول الرومان إليها، بل ويوسع البعض مداه ليشمل مجيء العرب إليها في القرن السابع الميلادي. وفجر الدكتور زاهي حواس المدير العام لآثار الجيزة، نقاشاً حاداً في المؤتمر، بتساؤله عن جدوى استقدام اساتذة من الجامعات المصرية لادارة المجلس الأعلى المصري للآثار خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، فهم لم يقدموا شيئاً ذا بال. وأشار إلى مشكلة كبرى تواجه علماء المصريات، هي أن الكثير من المواقع الاثرية في مصر قد تختفي خلال مئة عام وفي بعض الحالات اقل من ذلك بكثير. ودعا حواس إلى وضع خطة لتنظيم الإدارة العليا في المجلس الأعلى المصري للآثار، وتجهيزها لمواجهة مشكلات اندثار المواقع الأثرية في مصر، ووضع خطة طويلة المدى لصونها. وتناسى حواس مشكلتين يجب حلهما قبل الحديث عمن ينقذ آثار مصر. المشكلة الاولى هرب الباحثين من المجلس الاعلى المصري للآثار للعمل في الجامعات المصرية أو في الجامعات الاجنبية او في مجال الارشاد السياحي، لضعف مداخيلهم. فكيف سيتم إيجاد كوادر قيادية داخل هذه المؤسسة العريقة في ظل هذا الهرب الجماعي؟ والمشكلة الثانية فقدان الثقة بين قيادات المجلس الاعلى للآثار والاثريين في المواقع الاثرية، لعدم أخذ رأيهم في الاعتبار، عند وضع اي خطة اثرية، وعدم وجود حماية ورعاية لهم من خلال نقابة مهنية. وحدّد حواس مشكلات الآثار المصرية بتزايد الضغط السياحي على المواقع الاثرية وسوء التخزين وزيادة الأعمال الكشفية والزيادة السكانية والتلوث البيئي وعدم استخدام التقنيات الحديثة في الصيانة وزحام السيارات والزحف العمراني على المواقع الأثرية. وطالب بوقف اعمال الكشف الأثري في الجيزة وصعيد مصر، وتركيز العمل فيهما على اعمال الصيانة والترميم فقط، مع تكثيف أعمال الكشف في دلتا النيل لحماية تراثها من خطري الزحف العمراني وارتفاع منسوب المياه الجوفية. ورأى ديفيد اوكونر، في مداخلة خلال المؤتمر عنوانها "الآثار المصرية في القرن ال 21" ان لا أمل ولا مستقبل لعلم المصريات إلا من خلال المعاهد الأثرية الأوروبية في مصر، فهي تمتلك المصادر العلمية سواء من خلال نتائج بعثاتها التي تعمل في مجال التنقيب عن الآثار، او المراجع العلمية أو مجلاتها، لذا على هذه المعاهد أن توجه عنايتها لتدريب الأثريين المصريين. ويمثل هذا الرأي كارثة وحكماً قاسياً على المجلس الأعلى المصري للآثار الذي يعد مؤسسة عريقة بلغ عمرها ما يزيد على مئة وخمسين عاماً!! ورأى أوكونر ايضاً ضرورة الاهتمام بالتسجيل العلمي من طريق الخرائط والوثائق بالأسلوب العلمي المتفق عليه لدراسة الآثار المصرية. وهذا الامر لا يساعد على تحديد خريطة الأماكن التي سيتم الكشف عنها في المستقبل فحسب، بل وعلى تنظيم العمل في صون الآثار وترميمها، وعلى تنسيق الجهد بين المؤسسة المصرية والجامعات والمعاهد الاثرية المهتمة بعلم المصريات في العالم. وشدد أوكونر على ضرورة إيلاء الثقافة الخاصة بعلم المصريات أهمية ونشرها دولياً، لأهميتها في دراسة تطور كثير من مظاهر الحياة الانسانية مثل الزراعة والصناعة. وجاء رين شولز ليلقي على المشاركين في المؤتمر رؤيته التي تخالف الاتجاه الحديث في مصر الخاص بالمتاحف، وهو اتجاه دولي ايضاً. هذه الرؤية تقوم على تفنيد اكذوبة المتاحف والتسويق الاقتصادي لها، إذ يرى شولز أنها تقوم على خمسة أسس هي: المجموعة المتحفية وصون الآثار والبحث العلمي والعرض المتحفي وامكان التعليم المتحفي. وهي كلها وظائف تهدف الى مساعدة الباحثين واتاحة فرصة كافية للزائرين للاستمتاع. إلا أن الكثير من الهيئات الدولية ادخلت التسويق الاقتصادي للمتاحف بعداً جديداً لها، ما جعله يطغى على الوظائف السابق ذكرها للمتحف. واصبح من الضروري ان يتلاءم كل شيء في المتحف مع متطلبات حركة السياح وبرامجهم. فهم المشاركون في المؤتمر أن ما يقصده شولز من هذه المحاضرة العامة، توجيه رسالة الى الحكومة المصرية للانتباه عند إنشائها المتحف المصري الجديد وغيره من المتاحف النوعية، حتى تجعلها في خدمة علم المصريات، لا لجلب عائد مادي كبير في الدرجة الاولى. ويبدو أن هم علم المصريات في القرن المقبل سيتجه الى ما جاء في هذه الورقات الثلاث. وكأن الخوف على هذا التراث اصبح الهاجس الرئيسي لدى هذا العلم.