كاد النقاش الدستوري والقانوني، في اليوم الثاني من جلسة استجواب الحكومة، في شأن طبيعة قرارات مجلس الوزراء اللبناني، وهل هي نافذة وملزمة فور صدورها، أو يلزمها توقيع رئيس الجمهورية وصدورها بمراسيم، لتصبح كذلك... يؤدي إلى أزمة سياسية، لو لم يتم تدارك الأمر فقد رفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في حدة وغضب، جلسة الاستجواب الصباحية بعدما اتهم الحكومة بالانقلاب على اتفاق الطائف، رداً على تفسير وزير العدل بالوكالة سليمان طرابلسي لطبيعة القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء، واعتباره انها "لا تصبح نافذة الا اذا وقعها رئيس الجمهورية وصدرت بمراسيم خاصة"، بعدما كان رئيس الحكومة سليم الحص اعتبر ان قرارات مجلس الوزراء "ملزمة وغير نافذة إلا إذا صدرت بمراسيم"... وذلك رداً على استجواب قدمه النائب نقولا فتوش في هذا الشأن سأل فيه هل مقررات مجلس الوزراء نافذة حكماً وفقاً لأحكام المواد ال17 وال56 وال65 من الدستور أم لا. وطالب الحكومة بجواب واضح لا لبس فيه مؤكداً "ان دولة القانون اهم وأقوى من دولة المؤسسات التي يجب ان ترتكز الى المبادئ القانونية والعمل بموجبها". وقال "ان النصوص القانونية والعمل صريحة والحكومة تفسرها بحسب رغبتها". ورد الرئيس الحص "ان القرارات ملزمة لكنها ليست نافذة ما لم تصدر بمراسيم خاصة". الا ان الوزير الطرابلسي رأى في مداخلة عن بعض التفسيرات للقوانين "ان القرارات ليست نافذة اذا لم تقترن بتوقيع رئيس الجمهورية وتصدر بمرسوم لأنها تعتبر تحضيرية وإن كانت ملزمة". وكان الرئيس الحسيني طلب منه في بداية كلامه، الا يتابع تلاوة مضمون الورقة "لأن مش وقتها هلّق". إلا ان بري عندما سمع كلام طرابلسي انتفض في حدة وخاطبه بالقول: "هذا ليس كلامك، هذا كلام وزير العدل". ولما اجابه طرابلسي "ان هذا هو الواقع"، قال له بري "هذا كلام زمخشرية"، داعياً إياه الى التوقف عن الكلام. وقال له "هذا مناقض لما اتفق عليه في الطائف. انه انقلاب على الطائف ولن يمر في المجلس النيابي ولن أسمح ان يمر أبداً. لقد دفعنا ثمناً كبيراً، دماً ودماراً". ثم ضرب بمطرقته على الطاولة معلناً رفع الجلسة الى السادسة مساء، وغادر القاعة وهو في حال غضب شديد. وعلى الأثر، توجه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ونائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر والنائبان مروان حمادة ومحمود أبو حمدان، الى مكتب بري فبدا منزعجاً من "مطالعة" طرابلسي "التي تهدف الى العودة بالوضع الى الوراء في وقت نحن احوج ما نكون الى التضامن وفي غنى عن المشكلات". ونقل نواب عن المر ان الحص لم يكن على علم بمضمون مداخلة الطرابلسي. يذكر ان حماده التقى الحص لحظة خروج النواب من القاعة وخاطبه "يا دولة الرئيس ان كلام طرابلسي خطير ويمس بالوفاق الوطني ويطيح مواد ميثاقية فيه". ورد الحص ان فتوش هو الذي طرح المشكلة، فأجاب حماده "انه أثار قضية تقنية وأظن ان طرابلسي تجاوزها ليمس بوثيقة الوفاق". وفي السادسة مساء استؤنفت الجلسة من حيث رفعت، فقال نائب رئيس المجلس إيلى الفرزلي أنه فهم من الحص أن القرارات تنشىء الحق، وأن المرسوم هو الذي يعلنها، فرد الحص "أن القرار نهائي وملزم، لكنه لن يكون نافذاً إلا بصدوره بمرسوم"، ورد بالنفي علي سؤال الفرزلي: هل اذا لم يتخذ بقرار في مجلس الوزراء يمكنك ان تعلن الحق الذي انشأه. وتحدث الرئيس الحسيني ان البحث ليس دستورياً انما هو وفاقي وميثاقي موضحاً ان الطائف ركزت على ان مجلس الوزراء سلطة اجرائية مجتمعاً، وعلى صلاحيات الوزير لتمكينه من المشاركة. وقال "عندما نقول ان قرارات مجلس الوزراء مجرد اعمال تحضيرية لا يمكن ان تصبح نافذة الا اذا اقترنت بتوقيع رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية فهذا يعني اننا الغينا الاصلاحات السياسية، ويصبح مجلس الوزراء غير قادر على ممارسة عمله. وأضاف "اربأ بالرئيس الحص ان يستند الى فلان الدكتور حسن الرفاعي في استشارته في قضية يعرفها اكثر بكثير من ذلك واتمنى عليه ان لا يجترح حلولا تمس بهذا الامر". وبعد مداخلة لحرب رفض فيها شطب اي عبارة او تدخل او موقف لاي وزير او نائب، تمنى بري حصر النقاش في طبيعة قرارات مجلس الوزراء. وقال فتوش ان الاجتهادات التي قامت بها هيئة الاستشارات القضائية كانت قبل الطائف ولا يمكن ان نسلم مع الحكومة بأن القرارات تحضيرية. وختم بري بأن القرارات هي التي تنشيء الحق وان المراسيم هي لاعلانها وان صلاحية تفسير الدستور هي للمجلس النيابي وسأل الحاضرين هل يوافقونه الرأي فرد الحسيني بأن حتى المراسيم التي تعلن مخالفة للدستور وبأن القوانين يجب ان تعدل لمعرفة أي مراسيم تحتاج الى اعلان ولكن بالمبدأ كل قرارات مجلس الوزراء نافذة الا اذا طلب رئيس الجمهورية اعادة النظر فيها، فوافقه بري الرأي ورفعت الجلسة. وكانت الجلسة استهلت بطرح استجواب للنائب اسماعيل سكرية عن موضوع الدواء في لبنان، فأشار الى "فواتير وهمية وسلفات ببلايين الليرات توزع على بعض المستشفيات لاستهلاكها سريعاً بفواتير وهمية وآخرها دفع 120 مليون ليرة من اصل فاتورة ب150 مليوناً، تقدم بها مستشفى قيد الانشاء، اضافة الى الأكلاف الباهظة للأدوية". ورد وزير الصحة كرم كرم "تمكنا من خفض كلفة الأدوية للأمراض المستعصية والدائمة والمزمنة وتأمينها على حساب وزارة الصحة، والدواء لا يوزع من دون موافقة اللجنة الفنية". فقاطعه بري وسأله عن "حقيقة مبلغ ال150 مليوناً، خصوصاً ان الملف موجود في التفتيش المركزي ويفترض ان يكون في لجنة الادارة والعدل". فرد كرم ان "ليس لديّ تفاصيل عن هذا الملف وانه سيتأكد من ذلك وان المستشفيات الحكومية تشكو من وضع بائس ونعمل على تأهيلها بقرض البنك الدولي". وسأل بري سكرية "هل اكتفيت بالجواب". فرد "لا اكتفيت ولا بعد سنة بكتفي". وطالب النائب بطرس حرب بتشكيل لجنة تحقيق في ملف ال150 مليوناً، وتحدث النائب جميل شماس عن مافيات في وزارة الصحة، مبرئاً كرم منها. وطالب النائب علي الخليل "بوقف مزاريب الاهدار على حساب المريض في المستشفيات الخاصة". وقال بري ان "الاحصاءات اكدت ان المكتب الوطني للدواء يوفر 42 في المئة على المستهلك اللبناني". وأثار النائب شوقي فاخوري توقف العمل في مستشفى زحلة، على رغم ان هناك هبة سعودية لانشائه. فعلق بري ممازحاً "اوقفوه توازناً مع صيدا". وسأل سكرية: هل مافيا الدواء قدر لا يرد؟ وطالب المجلس النيابي "بتحمل مسؤولياته بعدم وضع قانون لذلك". فاعترض بري وقال: "يجب ألا نلقي مسؤولية الحكومات على السلطة التشريعية". وذكّر بمكتب الدواء. ثم طرح الاستجواب الثاني للنائب عدنان عرقجي عن عقد شركة "سارمولم" لتنفيذ رفع الحطام والركام من احواض مرفأ بيروت، فأثار من خلاله توقيف المدير السابق لمرفأ بيروت مهيب عيتاني. وسأل هل محاكمته جزائية أم مدنية؟ وهنا طالب الرئيس حسين الحسيني المجلس "بأن يمتنع عن مناقشة اي موضوع عالق امام القضاء". فوافقه بري، لكنه قال: "نريد ان نسمع رأي الحكومة". فقال الوزير نجيب ميقاتي "ان صاحب الاختصاص في متابعة هذه القضية هو القضاء الاداري لا العدلي". ثم طرح استجواب ثانٍ لعرقجي يتعلق بالسياسة النفطية، سأل فيه لماذا تمت الموافقة على قبول تفريغ الفيول أويل بمواصفات مختلفة وذات تأثيرات صحية ضارة. فنفى وزير النفط سليمان طرابلسي ان تكون كمية الفيول المستوردة ضارة، لكنه أقرّ بأنها ممزوجة بكمية من الكبريت، نسبتها اكبر. وقال "كنا أمام خيارين اما ان نغرق لبنان في الظلام وأما ان نفرغ المادة. وهكذا كان وغرّمنا الشركة المعنية بذلك". وطرح استجوابان كذلك لعرقجي عن مبالغ فوائد الدين العام على سندات الخزينة الخارجية الملحوظة في موازنة العام 2000، وعن نفاد بعض فئات الطوابع المالية من السوق المحلية والتأخير الحاصل في اتخاذ الاجراءات اللازمة لتأمينها. ولاحظ "تلاعباً بأرقام خدمة الدين الخارجي" معتبراً ان وزير المال جورج قرم "اغفل نفقات تسديد أصل الديون الخارجية من أرقام خدمة الدين الخارجي مما سمح له بأن يخفض الأرقام لتصل الى حدود 700 بليون ليرة، ولفت الى ان "نفاد الطوابع حرم الخزينة ايرادات كبيرة ما سبب اهداراً في المال العام وهذا دليل قاطع الى وجود خلل أساسي في وزارة المال وإهمال وتقصير". ورد قرم مذكراً بأن "كل المدفوعات تصدر شهرياً، ولا تلاعب بالأرقام، وهي تحت المراقبة". وتحدث عن "صرف 150 بليون ليرة لقطاع الكهرباء العام الماضي ونحو 250 بليوناً هذا العام، وان ما صرف في آخر اصدار مرتبط بالفوائد العالمية". وسأله بري عن فضيحة الطوابع السابقة وسرقة موظفين من الوزارة الطوابع وبيعها لحسابهم، وهل صحيح ان الطوابع مفقودة من السوق؟ فقال قرم: "حصل انقطاع في السوق وأجرينا مناقصة من خلال دفتر شروط وبعد ذلك زوّدنا السوق في انتظام كي لا تقوم سوق سوداء. والآن عاد الأمر طبيعياً، ونحن حاضرون لأي شكوى". بعد ذلك طرح استجواب للنائب بشارة مرهج عن تلوث البيئة على الطرق العامة بسبب السيارات والباصات والشاحنات العاملة على المازوت، فأكد الحص "انجاز دراسة لمعالجة تلوث البيئة من خلال اجراءات تشمل وسائل النقل". وطرح استجواب للنائب خالد صعب عن موجودات مصرف لبنان من العملات الاجنبية. وسأل عن "الموجودات الصافية لا الاجمالية؟". ورد قرم "ان الودائع تتفاوت بين 2.5 بليون دولار و3 بلايين، وان الموجودات هي ما بين 7 و7.5 بليون دولار، والاحتياط الصافي ما بين 4.5 و5.5 بليون دولار". وطمأن الى "استقرار السوق"، موضحاً ان "الليرة تتأرجح في صورة طبيعية بالنسبة الى سعر الدولار ولا يتدخل مصرف لبنان الا نادراً". ثم طرح الاستجواب الثاني لصعب عن تحسين التحقق والتحصيل للضرائب المباشرة خلال عام 1999، فأشار قرم الى "ان هناك ايرادات تناقصت خصوصاً من المرفأ وكازينو لبنان وتسوية مخالفات البناء، انما الايرادات العامة في حال ازدياد". وسبق الجلسة ايضاً تنفيذ اعتصامين امام باحة المجلس النيابي لطلاب دار المعلمين وللجنة الدفاع عن حقوق المالكين القدامى التي سلمت بري مذكرة بمطالبها، رفضت فيها اي مشروع قانون للايجارات لا يراعي مصالح هؤلاء.