الصالونات الثقافية النسائية وان كانت نشأتها في البلاد العربية قديمة، فهي في السعودية تعتبر تجربة حديثة بدأت قبل سبعة أعوام. وآنذاك لم تلق تأييداً أو ترحيباً من المثقفين الذين يفترض أن يكونوا أول من يدعم الفكرة. بل ان بعضهم اعتبر الفكرة مغامرة قد لا تحمد عقباها، ووصفوها بالظاهرة العابرة التي تحين نهايتها لا محالة. وبفضل تلك الصالونات ضمنت المثقفة السعودية شكلاً مباشراً من التواصل مع جيلها وأجيال أخرى من خلال اللقاءات والفعاليات التي كانت تحفز استمرار وتزايد العطاء الابداعي وتجديد حضور المخيلة النسائية. وانتشار الصالونات الثقافية النسائية في المدن السعودية الكبرى حالياً تعويض عن حال من القصور عانتها ولم تزل المثقفات السعوديات بسبب تهميش المؤسسات الثقافية المحلية المتمثلة في جمعية الثقافة والفنون بفروعها والأندية الأدبية لها ولابداعها، والانحياز الى المثقف السعودي ورعايته من خلال تقديم أعماله في برامج فاعلياتها السنوية، ويعد فرع جمعية الثقافة والفنون في مدينة الدمام المنطقة الشرقية من السعودية المنبر الثقافي اليتيم الذي أنصف المبدعة السعودية وشملها برعايته. والحديث عن الصالونات النسائية في المملكة تسبقه الاشارة الى اللقاءات الثقافية التي سبقت اقامة الصالونات وكانت البذرة الأولى لنشوئها، وتلك اللقاءات كانت شبه جلسات دورية تقيمها كل مرة في بيتها واحدة من مجموعة مبدعات أو مثقفات يجمع بينهن الهم الثقافي والتقارب الفكري الذي يمثل لهن غذاء روحياً وحافزاً الى الابداع، وخلالالجلسة تتناوب تلك المبدعات في قراءة أعمالهن التي يُخصص لها وقت من اللقاء وتكون تلك الأعمال الابداعية غالباً قصة أو قصيدة. ومع ما حققته تلك اللقاءات من حوافز معنوية ومعرفية ظلت فائدتها محدودة بعدد حاضراتها اللائي لا يتجاوز عددهن أصابع اليد معظم الأحيان، ومحدودة أيضاً بتناولها المعرفي المنحصر في اهتمامات مجموعته، مما أدى بالتالي الى التكرار وتنميط الابداع المتأثر سلباً بفكرة ابداعية أخرى والوقوع في أسر تقليدها مما يحدث معه الخلل الابداعي، ويعتبر ملتقى الأحد الشهري أول الصالونات الثقافية النسائية في الرياض الذي أقيم قبل سبع سنوات، وفي البداية انتهج الملتقى الطابع الأكاديمي ثم تنوعت نشاطاته واختلفت بعد ذلك، ومنذ نشأته وحتى الآن ظل الملتقى يلتزم بجدول تنظيمي لنشاطاته وبجدول آخر احتياطي يمكن معه أن تلغى المناسبة الثقافية. والملتقى ظل يتنقل بين منازل الاعضاء والحاضرات من الضيفات اللائي يتناوبن على إعداد موضوع الجلسة. وكانت النشاطات في البداية عبارة عن قراءة أو دراسة لكتاب تعلق عليه وتناقشه الحاضرات ثم تطورت بعد ذلك ، وتنوعت. وفي أول نشوء صالون الأحد الشهري كانت هتون الفاسي من رائداته وهي احدى الباحثات السعوديات المهتمات بالدراسات التاريخية والأثرية والتراثية. ومن الأعضاء أيضاً المحاضرة دينا الجودي وهي إحدى الرائدات أيضاً وأخريات غيرهما. وفي مدينة الدمام امتاز صالون الشاعرة سارة الخثلان باهتماماته الأدبية البحتة منذ انشائه. والخثلان أقامت صالونها في منزلها وبدأته قبل أربع سنوات بلقاء بين سبع سيدات فقط، ومع ان الصالون في مدينة الدمام فقد استضاف مثقفات من المدن الأخرى المجاورة مثل الجبيل والقطيف والخبر. والى جانب المثقفات المعروفات اهتم صالون سارة الخثلان برعاية الموهوبات الواعدات في شتى الأشكال الابداعية. تقول سارة: "يعتبر كل ملتقى ساحة للمنافسة الابداعية وحافزاً للعطاء الفكري وهذا القصد من الصالون، وفي هذا الصالون يتم التلاقي بين تجربتين ابداعيتين: جيل رائد وجيل واعد". أما الملتقى الثقافي لسيدات مدينة جدة عروس البحر الأحمر كما يسميها أهلها، فتركزت اهتماماته على الجوانب الاجتماعية والتربوية، والملتقى أُنشئ قبل ثلاث سنوات بجهود ثلاث عشرة سيدة سعودية. والملتقى الثقافي النسائي في جدة بادر أيضاً بتكريم عدد من السعوديات المبدعات في مجالات مختلفة. وحرصت اعضائه على أن يكون تكريمهن متوجاً بإصدار مطبوع يتضمن سيرة ذاتية موجزة لمنجزات وتجربة تلك الشخصيات الرائدة. الدكتورة ابتسام حلواني احدى اعضاء الملتقى تحدثت عن أهداف ملتقى مثقفات جدة وغاياته ومنجزاته: "حرص الملتقى على أن يكون قدوة في ما ينادي به من مبادئ كاحترام الوقت على سبيل المثال، حيث تم الالتزام بالمواقيت الموضوعة باستمرار، فكان التجاوب التزاماً راقياً من الحاضرات بشكل عام وما زالت جهود الملتقى تركز على التوعية بأهمية محاربة السولكيات غير المحببة والعادات البالية، بالاضافة الى محاولة ترسيخ الايجابيات وتعميق مفاهيمها في النفوس، وخلال هذه السنوات الثلاث كرمنا رموزاً نسائية رائدة تستحق أكثر من مجرد التكريم كالأستاذة الدكتورة سميرة اسلام، والدكتورة فاطمة نصيف، والدكتورة فاتنة شاكر، والدكتورة صفية بنت زقر. وخلال هذه السنوات تمت مناقشة أكثر من موضوع حيوي، من ذلك: احترام الوقت، وفن الحوار، وتوعية المرأة، والقلق، والمسؤولية الاجتماعية، ودور المرأة في مواجهة العولمة، وحوار الأجيال والصحة النفسية وغيرها". ومع ما يلقاه من اقبال كبير حظي ملتقى سيدات جدة أيضاً برعاية وتقدير شخصيات نسائية مؤثرة معروفة بمنجزاتها الوطنية المساهمة في تنمية الوعي الاجتماعي ومنهن الأميرة جواهر بنت ماجد التي ساندت اعضاء الملتقى بحضورها الشخصي لنشاطاته وباستضافتها لإحدى المناسبات التي أقامها في قصر الأميرة. و كانت تشارك الحاضرات أيضاً بالمداخلة والتعليق. ومن الشخصيات النسائية أيضاً سعاد الجفالي وخديجة عطار اللتان أثرتا الملتقى الثقافي بمشاركتهما الفكرية، وساهمتا أيضاً في استضافة النشاطات مرات عدة. وعلى رغم وجود تلك الصالونات ما زالت المثقفات في السعودية يكررن مطالبتهن المسؤولين عن المؤسسات الثقافية بانشاء أماكن خاصة بهن في تلك المؤسسات، وهي مطالبة لم تجد أذناً صاغية لها حتى الآن. لذلك يأتي التجاوب مع ما تنادي به المثقفات السعوديات مع زميلاتهن القادرات على تبني مشروع مماثل يكفل تواصل المثقفات في ما بينهن. ومن أولئك المثقفات سلطانة السديري وهي من الأديبات الرائدات في المملكة. والسديري أقامت صالوناً أدبياً، يقام أول أربعاء من كل شهر، وذلك في بيتها في الرياض قبل بضعة شهور. وعلى رغم حداثة نشأته لقي صالون سلطانة السديري ترحيباً واقبالاً واسعين من الأديبات والاعلاميات والأكاديميات والمفكرات السعوديات والعربيات اللائي تربطهن بالسديري علاقات طيبة. ويهتم صالون السديري الأدبي بالمثقفات من أجيال مختلفة. تقول السديري: "الهدف من الصالون التواصل بين مثقفاتنا في شتى المجالات من دون حصر، أريد أن يكون بيننا، كمثقفات، سعي مشترك في دراسة همومنا ومشاكلنا المحلية وايجاد الحلول لها للنهوض بثقافة المرأة محلياً". واهتمت السديري بتوثيق الجلسات الثقافية التي تقيمها في صالونها صوتاً وكتابة حفظاً لحقوق المثقفات المشاركات بأعمالهن وتقديراً لجهودهن المساهمة في فاعلية الحركة الثقافية للمرأة السعودية، وستقوم السديري أيضاً بإهداء نسخ من المحاضرات المطبوعة للجهات الثقافية والجهات الأكاديمية، بهدف ايصال صوت المثقفة المحلية. وتصف السديري الروح العالية التي تتميز بها المثقفات ممن يحضرن الصالون: "لقد غمرني التفافهن من حولي عندما أقمت هذا الصالون وتعاونهن معي، ولا يمكنني وصف شعوري بذلك، مما زاد قناعتي". ومع أن الصالون النسائي بات مشروعاً ثقافياً مألوفاً ولم يعد يشكل ظاهرة كما كان في السابق، بل نال نصيباً كبيراً من الاهتمام والدعم، خصوصاً من سيدات المجتمع السعودي مثقفات وغير مثقفات، فقد ظلت ملتقيات أخرى غير ما سبق تختار أن تكون نشاطاتها في الظل، ولاذت بصالوناتها عن عين الاعلام المحلي بشتى صوره، اعتقاداً منها اعضائها بشكل خاص بأن معرفة وسائل الاعلام بها تؤدي الى نتائج سلبية مثل ايقاف نشاطات ملتقياتها. واعتقاد المسؤولات عن تلك الصالونات الصغيرة ليس نابعاً من جرأتهن في تناول موضوعات حساسة ممنوعة رقابياً تتجاوز محاذير خاصة ترتبط بنظام المجتمع السعودي وتقاليده أو تكون مخالفة للشريعة الاسلامية. لكن ذلك اشارة الى نظرة محدودة ما زالت تسيء فهم متغيرات الاعلام المحلي وقيمته ودوره المؤثر في الرأي العام. وقد يدل ذلك الى قصورها عن متابعة ما يعيشه الاعلام المحلي من تطور شامل. وبغض النظر عن ذلك كله يحسب لتلك الصالونات النسائية الصغيرة جهدها وكفاحها في تثقيف المرأة السعودية وتنمية وعيها من خلال ما تقيمه من نشاطات شهرية تلقى اقبالاً واسعاً من الأجيال النسائية الناشئة بشكل خاص. وغياب تلك الصالونات لا يزيد عن كونه غياباً شكلياً يتوجس، غياباً موقتاً يظل مرهوناً بتوافر مزيد من الضمانات التي تكفل الاستمرار والعمر المديد، وعندما تتأكد مشروعيتها في الحضور العلني في الاعلام وغيره يكون تاريخها الثقافي السابق سجل لها جهودها المخلصة وحسن نواياها الملتزمة تنوير المرأة السعودية.