"انتشار النظارات الطبية دليل على تخلّف الأمة". هذه المقولة اطلقها سفيتوسلاف فيودروف رئيس اشهر مجمع لجراحة العيون في روسيا، مبتكر الطرق الحديثة التي ساعدت ملايين من الاشخاص على رؤية العالم، بعدما اصيبوا بأمراض خطيرة في عيونهم. وتجرى العمليات الجراحية وفق نظام "الخطوط السيارة" اذ ان كل جرّاح يؤدي عملاً يتقنه الى حدّ التنفيذ الآلي ثم "يسلّم" المريض الى زميله، وهكذا حتى تنتهي العملية بسلام. لكن قاعات العمليات ظلت شبه خالية، وعزا فيودروف ذلك الى الاوضاع الاقتصادية، اذ تعجز غالبية الروس عن تحمّل نفقات الوصول الى موسكو والاقامة فيها، وان كان العلاج مجانياً. قبل "الاصلاحات" الراديكالية كان المجمع يجري 300 ألف عملية سنوياً، وانخفض العدد الآن الى 170 ألفاً. ويقول فيودروف ان الدولة السوفياتية انفقت عشرات الملايين من الدولارات لبناء المجمع وتزويده احدث المعدات لمعالجة الجميع مجاناً، لكنها لا تغطي الآن سوى 17 في المئة من نفقات العمليات الجراحية وكفّت عن تمويل احتياجات المجمع من الاجهزة. على رغم ذلك يبقى "مجمع فيودروف" اشبه بالواحة في صحراء الطب الروسي، بفضل النظام الذي اعتمده وهو يستند الى مبدأ الادارة الذاتية من العاملين و"الملكية الخاصة والجماعية" في آن. فالجزء الاكبر من ممتلكات المجمع يعود الى الاطباء وجميع العاملين، وتدفع الاجور على اساس ساعات العمل ووفقاً لمردوده. وثمة فارق شاسع بين ما يتقاضاه العاملون لدى فيودروف وبين اجور زملائهم في المستشفيات الحكومية، قد يصل الى عشرة اضعاف. لجأ فيودروف الى توسيع المشروع وعدم الاقتصار على الجانب العلاجي الصرف، اذ شيّد فندقاً ضخماً ليرتاده المرضى ومرافقوهم في فترة النقاهة، و"قرية استراحة" لموظفيه فيها ملاعب رياضية ونادٍ لليخوت. وفي قطعة ارض قرب موسكو اقام فيودروف مزرعة نموذجية تنقل منتجاتها الى مطاعم المستشفى. وعلى رغم انخفاض عدد المرضى الاجانب الذين يصلون الى موسكو لمعالجة امراض العيون، استقبل مجمع فيودروف العام الماضي ثلاثة آلاف مريض اجنبي، وهو يوفد خبراءه الى الخارج لإجراء عمليات جراحية. ويتحدث فيودروف عن "علاقات ممتازة" تربطه بزملائه العرب، خصوصاً الذين تدرّبوا في معهده، لكنه يشير الى "تعصّب مهني" في دول منها الولاياتالمتحدة، حيث "لا تلاحظ" نجاحات المراكز الطبية في البلدان الاخرى. الى جانب الطب، خاض فيودروف معترك السياسة، وغدا من اشد منتقدي "اصلاحات" الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن، ونافسه على الرئاسة عام 1996 وانتخب نائباً في مجلس الدوما النواب من عام 1995 حتى 1999، لكنه لم يرشح نفسه للنيابة في الدورة الحالية. ويرى فيودروف ان ازمة الاقتصاد الروسي تعزى الى عوامل سيكولوجية. ويقول ان تسعين في المئة من سكان روسيا "تسيطر عليهم عقلية العبد الأجير". ويعزو اسباب التخلّف الى ان ربع الطاقة العاملة في البلد يساهم في انتاج السلع والخدمات، في حين ان "عشرين مليون موظف يتفرجون ويسرقون، والبقية الباقية عاطلة عن العمل".