خبر عودة "الناقد" الى الصدور من جديد في عنوان جديد هو "النقاد"، لا يزال أقرب الى الإشاعة المؤكدة، ومع ذلك فهو أثار في أوساط المثقفين فرحاً سرت عدواه بسرعة قياسية لا يعادلها إلا الألم الذي عاشه المثقفون حين توقفت المجلة عن الصدور، ذلك التوقف الذي كان - ومن خلال بيان مؤسسها ورئيس تحريرها رياض نجيب الريس- توقفاً نهائياً. "الناقد" لم تكن بالتأكيد المجلة العربية الوحيدة التي تعنى بشؤون الأدب والأدباء، والإبداع والمبدعين، وهي ليست كذلك المجلة الثقافة الوحيدة التي تودع قراءها وتنسحب من الساحة، ومع ذلك - بل وعلى رغم منه - فهي في أذهان الكتّاب والمبدعين "مجلتهم"، بذلك المعنى الذي يفيد بشعورهم الخاص إزاء حضور نتاجاتهم فيها. وأعتقد أن "الناقد" فوق اهتمامها بالإبداع العربي في أنضر صورة كانت في أبرز سماتها، ساحة سجال نظيف، اختلفت فوق أوراقها آراء وتيارات ووجهات نظر، بل وتناقضت في حدة، من دون أن يضيق صدر المجلة، ومن دون أن يتذمر صاحبها المثقف الديموقراطي بحق، والحداثي بحق أيضاً، رياض نجيب الريس، والسجال الثقافي الذي أصرّت "الناقد" أن ترعاه في أعدادها التي صدرت كان حاجة، ولا يزال، فالمجلات الثقافية كثيرة ومتعددة لكن النادر بينها من يحمل في صفحاته هماً إبداعياً وحوارياً يتجاوز العابر والمألوف، وينظر بعينين مفتوحتين على اتساعهما نحو مشروع نهضوي عربي، يتجاوز ما أصاب وجه الأمة من بثور طائفية حيناً، وإقليمية حيناً آخر، ويقفز فوق ذلك كله، ليستعيد من تراث الأمة أنضره وأحقّه بالسفر الى المستقبل، ويحرص في الوقت ذاته على مواكبة العصر واستشراف آفاقه بجدية ودأب كبيرين. نفرح بعودة "الناقد"، فرحنا بالمعنى العميق الذي تشيعه كلمة النقد في نفوسنا، نحن الذين ندرك بعمق أن النقد في معناه الشامل هو الخلاص الوحيد من كل البثور كما من كل النكسات والإحباطات. و"الناقد" إلى ذلك هي مجلة الكتّاب والأدباء الشباب... فوق صفحاتها نشروا قصائدهم وقصصهم، بل وآراءهم. ومن "الناقد" انطلقت "جائزة يوسف الخال" الشعرية، والتي كان لها فضل تعريفنا على عدد من الأسماء الشعرية الجديدة، التي ما لبثت أن ساهمت بقوة في حياتنا الثقافية والإبداعية على حد سواء. فرحنا بعودة "الناقد" لن يكتمل، إلا ونحن نمسك باليدين عدداً جديداً منها، ونقرأ فيه نتاجات المبدعين والكتاب العرب من مختلف أقطارهم ومنافيهم. وحتى ذلك الحين سنظل في الانتظار في شوق ولهفة، مثلما ننتظر رغيفاً ساخناً من تنور ريفي توشك المخابز الآلية أن تحوّله الى مجرد ذكرى. ولعل عودة "الناقد" في صيغة "النقاد" هي عودة منبر ادبياً ونقدي مفتوح امام الاراء الحرة وبعيداً عن الرقابة المسبقة.