القدس المحتلة - أف ب، رويترز - تجاهل البابا يوحنا بولس الثاني دعوات اسرائيلية للاعتذار عن المحرقة، ولم يطلب "المغفرة" باسم الكنيسة عما ارتكبته النازية في المانيا ضد اليهود، لكنه اعرب بصفته الشخصية عن "أسفه لمأساة المحرقة المريعة"، وذلك خلال زيارته نصب ذكرى المحرقة ياد فاشيم في رابع ايام زيارته للاراضي المقدسة. وفيما اعتبر الكثير من اليهود ان البابا لم يقدم الاعتذار الذي كانوا يتوخونه من الكنيسة الكاثوليكية عن المسؤوليات التي ينسبونها اليها في المحرقة لانه لم يطلب "المغفرة عن المحرقة كخطيئة خصوصا بسبب صمت الكنيسة"، اشاد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك بالدور الذي لعبه البابا في "التغيير التاريخي" الذي شهدته الكنيسة الكاثوليكية ازاء اليهود. وكان البابا الذي بدا بصحة جيدة، وصل الى نصب المحرقة بعد ظهر امس على متن سيارة يرافقها عدد كبير من عناصر الامن، حيث كان في استقباله باراك. وتوجه البابا بخطى وئيدة متكئا على عصاه الى قاعة الذكرى المظلمة حيث توقد شعلة لا تنطفئ اكراما لذكرى ضحايا النازية. وبعد ان وقف البابا بصمت لفترة طويلة امام الشعلة، قال: "في هذا المكان المليء بالذكريات، نشعر قلبا وروحا بحاجة ماسة للصمت، صمت للتذكر .. صمت .. لانه لا يوجد كلمات كافية للتعبير عن الأسف لمأساة المحرقة المريعة". وكان في عداد الحضور نحو مئتي شخص ممن نجوا من المحرقة بينهم عشرون يتحدرون من مدينة واتويتشي مسقط رأس البابا في بولندا. وقبل ان يدلي البابا بكلمته توجه لمصافحة ستة من الناجين، من بينهم بولندية كان البابا انقذها من المحرقة عندما كان ما يزال كاهنا وساعدها على اخذ مكانها في القطار الذي حملها الى الحرية. البابا في نصب المحرقة وقال البابا في كلمته: "جئت الى ياد فاشيم لاحيي ذكرى ملايين اليهود الذين قتلوا خلال المحرقة وحرموا من كل شيء، خصوصا من كرامتهم الانسانية". واشار الى "كل ما حدث عندما احتل النازيون بولندا ابان الحرب"، مؤكدا انه يتذكر "اصدقاءه وجيرانه اليهود الذين لقي بعضهم حتفه فيما نجا بعضهم الاخر". واكد ان الكنيسة الكاثوليكية "يحزنها بعمق الحقد واعمال الاضطهاد والتظاهرات المعادية للسامية المرتكبة من المسيحيين ضد اليهود ايا كان الزمان والمكان". وتابع: "اني اصلي بحرارة لكي يقود الحزن الذي توحيه المأساة التي عانى منها اليهود خلال القرن العشرين الى علاقة جديدة بين المسيحيين واليهود". واضاف: "فلنبن مستقبلا جديدا خاليا من مشاعر العداء لليهود بين المسيحيين او مشاعر معادية للمسيحيين بين اليهود". باراك: تغيير تاريخي وقال باراك موجها كلمته للبابا: "لقد كنتم شاهدا في مرحلة الشباب على المأساة .. وكان لديكم بشكل ما انطباع بانكم تشاطرون اليهود البولنديين مصيرهم"، مذكرا بان جديه الكا وشمويل غودين، وهما من منطقة وارسو، قتلا في معسكر اعتقال تريبلينكا الذي اقامه النازيون في بولندا. وتابع: "لقد كنتم هناك وتذكرون ذلك". واضاف: "لقد فعلتم اكثر من اي شخص آخر من اجل هذا التغيير التاريخي في موقف الكنيسة ازاء الشعب اليهودي الذي باشره البابا يوحنا الثالث والعشرون ومن اجل اغلاق الجروح المفتوحة التي تقيحت طوال قرون طويلة من المرارة". وقال باراك تعليقا على الصفح الذي طلبه البابا في 12 اذار مارس عن اخطاء وخطايا الكنيسة خلال الالفي عام الماضية: "ان اسرائيل تقدر من الاعماق هذا العمل النبيل". وبقي البابا في النصب اكثر من ساعة في جو مشحون بالتأثر. وبعد ان تلا كلمته، تبادل بعض الكلمات مع المدعوين الذين تدافعوا لمصافحته او للتحدث اليه. وعاد بعدها الى سيارته الرسمية سيرا على الاقدام يحيط به باراك وزوجته. لكن حاخام اسرائيل الاكبر اسرائيل لاو اعرب عن عدم رضاه على تصريح البابا في نصب محرقة اليهود ياد فاشيم القدس. قداس في الجثمانية وكان البابا بدأ نهاره امس بزيارة كنيسة الجثمانية على قمة جبل صهيون خارج أسوار البلدة القديمة من القدس حيث اقام قداسا خاصا في الموقع الذي يعتقد انه شهد العشاء الاخير للسيد المسيح. واحاطت قوات الامن الاسرائيلية بموكب البابا، بينما كان صوت أجراس الكنيسة يتردد في جنبات الجبل. ولوح البابا لمن كانوا في استقباله وسار الى الكنيسة متكئا على عصاه، وجلس خلال القداس على كرسي مذهب. في مقر الحاخامية وتوجه البابا بعد ذلك الى مقر الحاخامية الكبرى وسط القدس حيث التقى حاخامي الاشكيناز يهود اوروبا الشرقية اسرائيل مئير لاو وحاخام والسفارديم يهود شرقيون الياهو بكشي - دورون. وكانت شخصيات تجمعت عند مدخل الحاخامية حيث فرش السجاد الاحمر. وكانت الحاخامية الكبرى اعتبرت الاعتذار التاريخي الذي قدمه البابا في 12 من الشهر الجاري غير كاف اذ انه لم يشر تحديدا الى المحرقة التي تعرض لها اليهود على ايدي النازيين. واعلن مئير لاو للاذاعة قبل اللقاء: "آمل في ان يتحدث البابا عن المحرقة كخطيئة تستلزم طلب المغفرة". ومن جانبه، اشاد الحاخام بكشي-دورون بتقديم البابا الاعتذار واعرب للاذاعة الاسرائيلية عن امله في ان تطلب شخصية باهمية البابا "المغفرة خصوصا لصمت الكنيسة" خلال المحرقة. وفي ختام اللقاء الذي استمر 20 دقيقة قدم لاو كتاب التوراة هدية للبابا مع غلاف من الجلد البني. وصرح لاو انه وبكشي-دورون كتبا اهداء للبابا جاء فيه: "تذكارا لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني التاريخية لمدينة القدس المقدسة عاصمة دولة اسرائيل". البابا ووايزمان وتوجه البابا لاحقا الى مقر الرئاسة الاسرائيلية للقاء الرئيس عيزر ويزمان الذي كان وزوجته في استقباله عند مدخل مقر اقامتهما. ودعا البابا الى ارساء "سلام حقيقي" في الشرق الاوسط، وقال في كلمة قصيرة: "اننا نعلم ان السلام الحقيقي لا يمكن ان يكون الا نتيجة التفهم المشترك والاحترام بين جميع الشعوب في المنطقة من اليهود والمسيحيين والمسلمين". واضاف: "علينا ان نعمل من اجل قيام عهد جديد من المصالحة بين اليهود والمسيحيين". وفي ختام اللقاء توجه البابا الى نصب المحرقة. ويعتزم البابا الحريص على اشاعة جو من التفاهم بين الديانات السماوية الثلاث، ختام يومه بلقاء مشترك مع رجال الدين المسلمين واليهود.