وسط احتفالية سياسية دافئة متدفقة المشاعر انعقد مجلس الجامعة العربية في بيروت، ولعل أهم نتائج هذا الاجتماع هي عودة الروح إلى الجسد السياسي العربي. ولكن السؤال المهم هو: ماذا بعد انعقاد مجلس الجامعة العربية في بيروت؟ إن مقدمة الإجابة عن هذا السؤال تتمثل في ضرورة الاستفادة من هذا الزخم الذي تولد في بيروت وترجمته إلى برنامج عمل عربي مشترك لوضع ما توصل إليه هذا الاجتماع موضع التنفيذ. ويمكن أن نقدم اجتهاداً في هذا الشأن استناداً إلى ماجاء في البيان الصادر عن هذا الاجتماع وذلك على النحو التالي: أولاً: أقر البيان بحق المقاومة في مواجهة الاحتلال وهو ما يتطلب دعماً مادياً ومعنوياً لقوى المقاومة، وبلورة خطاب سياسي عربي جديد موجه إلى العالم يقوم على أساس أن هذا الدعم يستند إلى أحكام القانون الدولي. ثانياً: وضع تصور عربي مشترك لآليات عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم أو تعويضهم وفقاً لما أقره مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن. ثالثاً: الإقرار بضرورة توفير الدعم والمساندة العربية للمفاوض العربي في المسارات المختلفة، وهو ما يتطلب البدء بإزالة الخلافات من وجهات النظر بين أطراف المفاوضات الثنائية العربية والاتفاق على توفير القدر المطلوب من الشفافية في ما بينها. رابعاً: دعوة الدول العربية إلى تقديم الدعم والمساندة المادية والمعنوية للبنان، وهو ما يمكن أن يكون نقطة انطلاق مهمة للعمل العربي المشترك المنظم والمحدد الهدف، وذلك من خلال إنشاء صندوق اقتصادي عربي في إطار الجامعة العربية لإعمار لبنان تساهم فيه كل دولة عربية وفقاً لاتفاقاتها، ويضع خطة متكاملة لإعمار لبنان تكفل توظيف الموارد المتاحة أفضل توظيف ممكن وتضع الخطط والبرامج اللازمة لذلك وتبين وسائل تنفيذها، بما في ذلك وسائل جذب الأموال العربية من الخارج. خامساً: دعوة الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل إلى إعادة النظر في هذه العلاقات تبعاً لما يحدث في نطاق العملية السلمية، وهذه دعوة مطلوبة وهي تحقق مصالح الأطراف العربية كافة، لأن تنفيذ هذا الالتزام وإن كان لا يصل إلى مرحلة قطع العلاقات مع إسرائيل بالنسبة إلى الدول التي لها علاقات مع إسرائيل، إلا أنه يمكن أن يترجم في صيغة ذات شقين: الأول أن تدرك إسرائيل أن كلفة السياسة الإسرائيلية الراهنة تجاه العملية السلمية تفوق أي عائد يمكن أن تحققه من جراء هذه السياسة، والشق الثاني أن هناك حدوداً على التفاعلات الثنائية العربية - الإسرائيلية نابعة من الإطار العربي الذي لا تستطيع أي دولة عربية أن تتجاوزه. سادساً: مطالبة المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته للضغط على إسرائيل من أجل دفعها للوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه لبنان. وهو ما يتطلب تحركاً عربياً ديبلوماسياً على المستوى الدولي لإقناع العالم بهذه الحقوق المشروعة للبنان، والحقوق العربية المشروعة في كل المناطق العربية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. سابعاً: وضع آلية لانعقاد القمة العربية بشكل دوري ومنتظم، وهو ما يمثل الاستجابة إلى ضرورة موضوعية ثائرة في الواقع العربي الراهن، لأن هناك قضايا كثيرة على الساحة العربية تحتاج إلى انعقاد هذه القمة بطريقة دورية، ومنتظمة، من أجل بلورة رؤية عربية مشتركة للواقع الجديد الذي يتشكل من حولنا. * كاتب مصري.