أجمعت الأوساط السياسية، الموالية والمعارضة، على أهمية الخطوة التي قام بها رئيس الجمهورية اميل لحود بطلبه من وزير العدل جوزف شاول الإيعاز الى الجهات القضائية المختصة التريث في تنفيذ حكمي الاعدام المقررين اليوم الاثنين، بهدف توضيح التفسيرات القانونية المرتبطة بتوقيع المرسوم. وقالت إنه نجح، بهذه الخطوة، في استيعاب الجانب السياسي المترتب على وجود مخالفة دستورية عبر "اجازة" رئيس الحكومة سليم الحص لنائبه وزير الداخلية والبلديات ميشال المر التوقيع بالإنابة عنه. وبصرف النظر عن الجهة القانونية التي افتت بحق الوزير المر في التوقيع بالإنابة عن الحص الذي عاد واستدرك الخطأ بعد استشارة عدد من القانونيين، فإن تعليق تنفيذ حكم الإعدام من وجهة نظر الاختصاصيين في القانون الدستوري يبقي المشكلة قائمة من دون حل، ما لم يتوافر لها مخرج قانوني. وفي هذا السياق قال اختصاصيون في القانون ل"الحياة" ان لموقف رئيس الجمهورية دوراً في قطع الطريق على احتمال حدوث مشكلة سياسية ودستورية تتعلق بالصلاحيات التي يحددها الدستور اللبناني، ولا يجوز المساس بها ما لم يُجرَ تعديل دستوري. وتابعوا ان رئيس الجمهورية "طلب تجميد تنفيذ مرسوم الاعدام من خلال مخاطبته، وبحسب الأصول، الجهات القضائية، بواسطة وزير العدل، لكن التجميد لا يعني الالغاء ما لم يوجد مخرج دستوري يبدأ على قاعدة استرداد المرسوم الذي أحدث المشكلة والتعامل معه كأنه لم يكن، شرط أن يتم بإصدار مرسوم مخالف". وقال الاختصاصيون في علم القانون ان "لا مخرج في الوقت الحاضر إلا بإصدار مرسوم جديد يتيح استرداد المرسوم - المشكلة. وان بين المخارج المقترحة ادخال تعديلات على قانون العقوبات لجهة الغاء حكم الاعدام، شرط أن يكون له مفعول رجعي يحول دون اعدام الشخصين المحكومين باعتبار أن الحكم عليهما مبرم، ولا يمكن تجاوزه الا بمفعول رجعي". وأضافوا "ان المخرج الذي ينص على الغاء الاعدام ينطلق من أن الرئيس الحص لا يوقع أحكاماً تنص على اعدام مجرمين وأنه مبدئي في موقفه ولن يتراجع عنه، وإلا يتم تجميد تنفيذ أحكام الاعدام ريثما تُجرى الانتخابات النيابية التي ستتشكل بموجبها حكومة جديدة، وعندها يعاد التعامل مع هذه القضية في ضوء التغيير الوزاري الحاصل". ورأوا "أن المشكلة تنتهي إذا عاد الحص عن قراره وهذا أمر مستبعد، مما يفسح في المجال أمام فتح الباب للبحث في مخرج يقوم على تعديل الدستور". وعلى رغم أن الظروف السياسية الراهنة قد لا تسمح بالخوض في عملية التعديل الدستوري التي يمكن أن تضع البلاد أمام تجاذب سياسي هي في غنى عنه الآن، خصوصاً ان مجرد البحث فيها ستؤدي الى تجاوز تعديل دستوري معيَّن ليشمل تعديلات أخرى، فإن التعديل يركز على المادة ال53 من الدستور ليأتي مطابقاً للمادة ال44 التي تنص على انتخاب نائب لرئيس المجلس النيابي. أي لا بد من تعديل المادة ال53 على نحو يسمح بإيجاد نص يتم من خلاله استحداث منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، وتحدد فيه الصلاحيات التي ستناط به، وعندها يعطيه الدستور الحق في التوقيع بالإنابة عن رئيس الحكومة. ويقترح بعض رجال القانون، لتجاوز مشكلة لاحقة مماثلة للمشكلة القائمة، تحديد مهلة لرئيس الحكومة والوزراء لتوقيع المراسيم، أسوة بالمهلة التي يحددها الدستور لرئيس الجمهورية. وكان الرئيس السابق الياس الهراوي أول من أثار هذه المسألة عندما تحدث عن امكان التعديل الدستوري في اطار اعادة النظر في صلاحيات رئيس الجمهورية. وعليه يبدو أن الحديث عن مخارج لتجاوز المشكلة القائمة من خلال تعديل الدستور يبقى من باب ابداء الرأي في معرض الاجتهاد، نظراً الى عدم توافر المناخ السياسي الذي يحتاج اليه لبنان راهناً، ليأتي التعديل المقترح من زاوية تطوير النظام السياسي المعمول به استناداً الى تقويم التجربة التي مر فيها البلد منذ توافق الغالبية على وثيقة الوفاق الوطني التي أنتجت دستوراً جديداً للبنان. وما دام تعديل الدستور من الباب الواسع غير مقترح، تفادياً لادخال لبنان في مهب التفسيرات الطائفية والمذهبية في حال التعامل معه من زاوية تعزيز صلاحيات شخص وبالتالي تصوير العملية برمتها كأنها تقليص لصلاحيات آخر بدلاً من أن تصب في خانة تطوير النظام السياسي، فإن تجميد تنفيذ حكم الإعدام يبقى قائماً الى حين التوصل الى مخرج، لا يظهر أنه في متناول اليد في الوقت الحاضر.