يفتح الممثل المسرحي الشاب وديع عمسيح صندوق سيارته ويخرج منه أدوات مسرحية تستخدمها فرقة "اداد" الفنية في عملها المسرحي "المهرج والمرأة" الذي بدأ عرضه في الثاني من آذار مارس الجاري في ضاحية رينكبي في استوكهولم. وليست المرة الأولى التي يستخدم فيها وديع صندوق سيارته كمخزن لحفظ الأدوات المسرحية، فهو اعتاد ذلك منذ تأسيس الفرقة سنة 1998. وطبعاً استخدام صندوق السيارة ليس ناتجاً عن رغبة، بل بسبب المصاعب المالية التي يواجهها هؤلاء الشباب العرب الذين يعملون على تمثيل روايات لكتّاب من الوطن، على خشبة "مسرح الغربة"، لجمهور عربي مغترب اجتمع في هذه الضاحية المميزة بألوانها وحركة الحياة المستمرة فيها. وديع عمسيح ممثل مسرحي محترف، عمل قبل انتقاله إلى السويد في المسرح القومي في حلب. كذلك مخرج المسرحية العراقي اياد حامد والممثلون افتخار فاخر وماجد حبو، جميعهم لهم روح وضعوها في العمل المسرحي، ولكن يواجهون صعوبات في تمويل أعمالهم الفنية. جمعتهم الغربة، والتقوا على خشبة المسرح، وهم لهم وظائفهم التي يعتاشون منها ويخدمون المسرح الذي يقول عنه وديع: "نحن نعمل بميزانية متواضعة، ومعظم الأحيان ندفع من مدخولنا الشخصي كي ننجح العمل الذي نقوم به، وذلك من أجل الفن ومن أجل المغتربين في هذا البلد، فالإنسان العربي يشتاق لمشاهدة مسرح عربي يساهم في إبعاد شبح الغربة عنه ولو لقليل من الوقت. ونحن في فرقة "اداد" المسرحية نحاول كل جهدنا من أجل الاستمرار في العمل المسرحي على رغم الصعوبات". ويرجع وديع ثمار عملهم المسرحي هذا إلى جهد فردي من أعضاء الفرقة الذين يسعون لجعلها من الفرق الفنية الراقية المستوى والتي قد تصبح وجه الوطن العربي الفني في السويد، ويشير إلى أن الفرقة تعاني من مشاكل اقتصادية، لكنهم مستمرون في اداء رسالتهم الفنية التي تكلفهم وقتاً ومالاً وعرقاً. ويشير مخرج المسرحية اياد حامد إلى أن "معظم الجاليات الأجنبية لها فرق مسرحية وفنية تحظى بدعم مادي ومعنوي من السلطات السويدية إلا الجالية العربية. هناك محاولات مشتة، منها مستمر ومنها فشل، لكن هدفنا الاستمرار والوصول بفرقتنا إلى الرقي المطلوب من أجل أن نكّون مسرح العرب في السويد، وهذه المسرحية هي محاولتنا الثانية منذ التأسيس، ونتمنى أن تكون في المستوى المطلوب حتى نثبت قواعدنا أكثر من أجل الاستمرار وايصال رسالتنا الفنية". ومسرحية "المهرج والمرأة" من تأليف الكاتب والشاعر التونسي محمد الغزي، وادخل المخرج اياد حامد تعديلاً على النص ليصبح ملائماً أكثر للمسرح، فبدل أن تكون هناك شخصية واحدة ادخل عليها شخصيات عدة. والمسرحية اجتماعية تروي عن الشاب جابر الذي يمضي عشرين عاماً يشرب الخمرة، لكنه يستيقظ ذات صباح ويتساءل ما الذي لم يفعله مساء أمس، ليتذكر أنه نسي ان يحتسي الخمرة ويجد نفسه صاحياً على كل شيء. وبدأ يرى الطرقات والأبنية والمدينة والحياة من منظور آخر، ومن ثم يقرر أن يحل مشاكله ومشاكل أصدقاء الخمرة الذين كان يجالسهم كل مساء. ويمثل دور جابر، الشاب وديع عمسيح الذي يقوم في الوقت نفسه بتمثيل أدوار أصدقاء الخمرة الثلاثة الذين يجالسهم جابر كل مساء. وتظهر براعة وديع في أداء تلك الأدوار الصعبة، فهو يتمتع بكاريزما تجذب المشاهد إليه حيث يتمتع بقدرة تمثيل قد تبكي المشاهد عندما يبكي وتضحكه عندما يضحك. أما دور حبيبة جابر فتؤديه الشابة العراقية افتخار فاخر التي تأخذعدة أدوار في المسرحية نفسها، وتعطي افتخار انوثة جميلة للمسرحية وذلك من خلال صوتها العذب عندما تغني بعض المقاطع من الأغاني العربية. مضمون المسرحية له هدف أبعد، فالمخرج اياد حامد يريد من المشاهد أن يجلس ساعة ونصف الساعة ليطرح بعد ذلك أسئلة واقعية قد تكون أجوبتها موجودة أمامنا، ولكن مغطاة بضبابة خشنة تحجبها عناد. عن تلك الأسئلة يقول حامد: "معاناتنا نحن العرب كبيرة وكثيرة ومر عليها زمن طويل، واعتقد أنه آن الاوان لأن نستيقظ من سكرتنا، فجابر الذي بقي سكران عشرين عاماً، نسي في ليلة واحدة ان يشرب الخمرة واستطاع في تلك الليلة أن يحل كل مشاكله ومشاكل أصدقائه، ونحن نريد ان تكون ترجمة المسرحية مفتوحة للجميع، وقد يكون هناك من يترجمها أن العرب نائمون وحان الوقت لأن يستيقظوا ويروا ما الذي يحصل لهم من كوارث بسبب الاحتلالات والحروب". ويرى حامد في المسرحية سبيلاً لدخول منزل المواطن العربي في الغربة وتشجيعه على النهوض والالتفات لمشاكله اليومية وحلها بالطرق السلمية، خصوصاً بعد حالات ما يسمى ب"القتل من أجل الشرف" التي أصابت بعض العائلات العربية في السويد. أما أعضاء الفرقة فهم جميعهم مؤمنون ان المسرح طريق مهم في توعية الإنسان والعائلة، وقد يكون عاملاً ايجابياً مساهماً في توعية العائلات العربية في الغربة. وعلى رغم أنه لم يمض على تأسيس فرقة "اداد" المسرحية سوى سنتين، فهي حصلت على دعوات لعرض أعمالها في سورية والعراق والدانمرك ولندن، ومن المتوقع ان تلبي الفرقة معظم الطلبات من أجل رسالة الفن التي يؤمن بها شباب فرقة "اداد".