تنشّق الهرّ الرماديّ رائحة سمكٍ تأتي من مطبخ البيت. فركض إلى هناك، فوجد طاولة يتراكم عليها حسك السّمك. إلتقطَ الهرّ الرماديّ كمية كبيرة من الحَسَك، ومضى راكضاً الى الحديقة. وصادف أنه التقط مع الحسك سكيناً حادة. عندما انتهى الهرّ الرمادي من التهام الحسك، رفع السكين بيده وقال: - بماذا يمكن أن تفيدني هذه السكين؟ وجاءه الجواب فوراً ... فقد لمحَه في تلك اللحظة الخروف، فهربَ مذعوراً. نظر الهرّ الرمادي الى الخروف الهارب وقال له: - تعال .. لماذا هربتَ مني؟ قال الخروف: - وكيف أجرؤ على الإقتراب منك وهذه السكين في يدك؟ قال الهرّ متعجّباً: - وهل هي سكين مخيفة إلى هذا الحدّ؟ قال الخروف: - نعم .. إنها مخيفة جداً. فلو طاب لك الآن أن تذبحني بها لاستطعت ذلك بسهولة. فرحَ الهرّ الرماديّ بما سمعه من الخروف، وانتبه الى انه يملك سلاحاً قوياً لا يملكه أحد غيره. شهر الهرّ الرماديّ السكين في يده، ومشى مختالاً .. ثم راح يهاجم كل مَنْ يراه في طريقه. شاهدَ عدداً من القطط في ساحة القرية، فهجم عليها، ففرّت مذعورة، وتوارتْ في زوايا البيوت. وعندما رأى الديك السكين في يد الهرّ، كاد يغمى عليه من شدة الخوف وولّى هارباً. أما الكلب، فقد اكتفى بالنباح من بعيد. ومرّ الثور ... شاهدَ الثور الهرّ الرمادي وهو يمشي شاهراً سكينه، فتذكّر سكين الجزّار، فغضبَ، وقرّر أن يبطش بالهرّ. لكنه انتبه فجأة الى ان السكين، حتى وإن كانت في يد الهرّ، فهي سلاحٌ مؤذٍ، فآثر السلامة، وتابع طريقه الى حظيرته. نظر الهرّ الى الثور الهارب، وأطلق قهقهة عالية، ومضى يطارده! وهكذا .. راح الهرّ الرمادي ينشر الخوف والذعر حيثما ذهب. وبدأت العصافير على الأشجار تزقزق خائفة كلما شاهدت السكين تلتمع في يد الهرّ. شاعَ خبرُ امتلاك الهرّ الرمادي للسكين بين جميع حيوانات القرية، فبدأتْ تتجنّبه حتى لم يعد يرى أحداً منها .. فمضى عند ذلك يضربُ بسكينه غصون الأشجار، ويقطع سيقان الأزهار! وانتبهت، اثناء ذلك، صاحبة المنزل الى السكين المفقودة. وعندما علمَتْ أنها مع الهرّ، حملت المكنسة ذات العصا الطويلة، وطاردت الهرّ حتى أمسكت به. انتزعَتْ صاحبة المنزل السكين من يد الهرّ الرمادي، ثم لوّحَتْ بمكنستها في الهواء، وضربَتْه ضربة قوية أصابَتْ ذَنَبه. صاح الهرّ الرماديّ من شدّة الألم، وقفزَ الى الوراء، ثم توارى خلف أحد الحيطان. لم تقطَع عصا المكنسة ذنب الهرّ الرمادي كما روى بعض الذين شاهدوه، بل جعلَتْ ذنبه أعوج، ومائلاً الى جهة اليمين. وبعد أن كان الهرّ الرمادي يثير الخوف في قلوب حيوانات القرية، أصبح الآن يثير الضحك. النجَّار حيثُ ترى المِسمارا تذكَّرِ النَّجارا وإن فتحْتَ البابا تحسَّسِ الأخشابا تجدْ هناك قصدي من تَعَبي وجهدي باللَّوحِ والمِنشارِ والخَيْطِ والمسمارِ ملأتُ دُنيا الناسِ أسرَّةً .. كراسي فليَهْنَأ الأنامُ عليهم السلامُ ما قعدوا وقاموا واستيقظوا وناموا