} أقرت المملكة العربية السعودية اخيراً تطبيق التأمين الصحي الالزامي على المواطنين، وهناك اتجاه لتطبيقه على المقيمين أيضاً. ويتوقع اقتصاديون في السعودية ان يصل حجم سوق التأمين الطبي مع تطبيق نظام التأمين الصحي الالزامي الى ما يزيد على عشرة بلايين ريال. وفي ما يأتي وجهة نظر فقهية في موضوع التأمين. } في التأمين التجاري، يقوم المستأمن المؤمَّن له بدفع الأقساط الى شركة التأمين. وفي المقابل فان الشركة تدفع مبالغ التأمين الى المستأمنين، اذا وقع الخطر أو الحادث المؤمن منه. ويرى الفقهاء المعاصرون ان المستأمن، إذْ يدفع الأقساط، لا يدري: هل سيستفيد، ومتى. ومن هنا قالوا: ان في عقد التأمين أنواعاً من الغرر بفتح الغين والراء: غرراً في الحصول، وغرراً في المقدار، وغرراً في الأجل. وحكموا على عقد التأمين التجاري بالغرر الفاحش، ومن ثم بعدم الجواز. ويرى بعض الفقهاء ان الغرر في التأمين التجاري ينخفض مقداره على مستوى العلاقة بين الشركة ومجموع المستأمنين، وفق قانون الأعداد الكبيرة قانون الكثرة المعروف في علم الإحصاء، اذ ان كثرة عدد المشتركين في التأمين تحول الاحتمال من احتمال غير محسوب الى احتمال محسوب. ويردُّ المعارضون بأن الشريعة لا تنظر الى التأمين من حيث انه نظام، بل تنظر اليه الى انه عقد، أي لا تنظر الى العلاقة بين الشركة ومجموعة المستأمنين، بل تنظر الى العلاقة بين الشركة وكل مستأمن على حِدة. ويقولون: حتى لو سلمنا جدلاً بأن الغرر يقل على مستوى العلاقة الجماعية، الا أن هذا ينطبق على الشركة، وعلى مجموع المستأمنين، ولا ينطبق على الفرد المتعاقد معها. فان الغرر، حتى لو صار يسيراً بالنسبة للشركة ومجموع المستأمنين، إلا انه لا يزال كثيراً بالنسبة للفرد المستأمن، فهو يسير على المجموع، كثير على الفرد. ويمكن ان يرد على هذا بأن التأمين، لجهة المبدأ، جائز عند جمهور الفقهاء المعاصرين. وهذا يعني ان المصلحة التأمينية معتبرة شرعاً في حياتنا المعاصرة. فاذا ثبت ان مصلحة التأمين معتبرة على المستوى الكلي مستوى الجماعة، وان الغرر فيها مغتفر، ألا يمكن القول من ثم باغتفار الغرر في التأمين على المستوى الجزئي مستوى الفرد، لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة الفردية؟ هذا بالإضافة الى ان انخفاض الغرر على المستوى الكلي لا بد وان يؤدي الى انخفاضه أيضاً على المستوى الفردي. ربما قيل هنا: ان جمهور الفقهاء المعاصرين أجازوا التأمين التعاوني، وفيه غُنْية، والجواب من وجوه: 1- هناك هيئات تأمين تدعي أنها جمعيات تعاونية أو تبادلية، وحقيقتها انها شركات تجارية. 2- التجاري أكفأ اقتصادياً من التعاوني. 3- التخصيص هو الاتجاه السائد في عصرنا. 4- التجاري والتعاوني كلاهما فيه غرر، واستند المجيزون للتعاوني على قاعدة فقهية، مفادها ان الغرر في التبرعات مغتفر دون المعاوضات من العِوَض. وهذه القاعدة صحيحة، لكن ليس من المسلم ان التعاوني تبرع، لأن "أتبرع لك بشرط ان تتبرع لي" هذه معاوضة، وليست تبرعاً. فالتبرع بذل مال لا يقابله عِوَض، والمعاوضة عِوَض في مقابل عِوَض. وعلى هذا فقد لا يكون هناك فرق في الحكم الشرعي بين التجاري والتعاوني. هذه هي النقطة الجديدة التي نطرحها للنقاش، على رجال الفقه. وكنا توصلنا اليها إثر حوار الأربعاء، الذي عقده مركز أبحاث الاقتصاد الاسلامي، في جامعة الملك عبدالعزيز، باشتراك مجموعة من الفقهاء والاقتصاديين، من داخل الجامعة.