منذ حوالى سبع سنوات، حمل تجار الورد الى سوق الحب في سورية بعض ملامح عيد الحب الرابع عشر من شباط/ فبراير. قبلها، لم يكن لعيد الحب هذا موعد في الشارع، وهذا الموعد نفسه لم يصبح بعد سبع سنوات طقساً تقليدياً شبابياً أو اجتماعياً، بل لوناً تجارياً أحمر بسيطاً يبحث عن تكريس فرصته للبيع، التي هي في نهاية المطاف بهدف الفرح. ولم لا!! بعض الواجهات في شوارع دمشق التجارية أحمرت بالهدايا، أجواء تصلح لمصارعة صغار الثيران التي لا تزال تحبو في المصارعة، كما هذه الشوارع في الحب. الفضائيات الغربية خصوصاً، والعربية التي تنقل طقوس العيد عن الفضائيات الغربية، ساهمت في تكريس هذا اليوم أو التذكير به. كما الصحافة الحرة الوافدة! حتى لو أنك رأيت صفحة ممزقة من جريدة عربية ما، بسبب رأي مخالف سيئ بالتأكيد، ويستحق جزاءه، فلسوف تجد مكان الصفحة الغائبة فسحة لتأمل وردة جورية حمراء. وبصراحة، يجب على هذه الصحف التي تنزع الى أشواك الحرية ان تضع مكان صفحاتها الصعبة هذه، اعلانات عن مواد استهلاكية وجمالية قد تساعد على تحسين شكل الحياة بمقدار وردة، طالما المضمون مضمون، وبسبع أرواح. بقيت لنا الأعياد توحدنا، وردة حمراء تجعلنا "في لحظات" كما يقول نزار قباني، أسياداً على أجسادنا وأحلامنا وعواطفنا وأفكارنا. باختصار، تجعلنا ملوك الحب، القادرين على الدفاع عن سعادة الوردة. وتنبهنا الى الثقافة الجمالية الغريزية في نفوسنا، هناك حيث غريزة البقاء تقبع كوحش مفترس للحياة، حياتنا. واذ يدافع المرء عن بقائه، فهو يدافع عن طعم السعادة، وبالتالي عن الوردة. وصلنا أخيراً الى الحضارة فأي حضور لهذه الوردة في ظلال النوافذ السرية!! في أبواب البيوت حين فتحها على الومضة الحمراء، في مزهرية صغيرة على طاولة، تفضح سرّ حب كتم ماءه. وإذ يعلن المحبون حبهم، تتمنع هي وتذبل. ثنائية الحب هذه: الحرية والخفر، تعطي الحب مرتبة الرمز. لا يزال هذا العيد وافداً علينا، ولم يؤسس بعد إلا تقليد الوردة في الدكاكين. إلا أن انتشاره الشبابي الذي ينعكس على الأسروي يُصيِبُ بالفرح، كأي عيد تقليدي. فقد يعيد أفراد الأسرة بعضهم بعضاً بعيد الحب. ويعيد الأصدقاء الاصدقاء. كما الأحباب الأحباب. فيحب الانسان نفسه أكثر بقليل من البارحة، ويشعر في هذا اليوم العالمي للحب، بانتمائه الى الكرة الأرضية مترامية الأطراف. هو أخ للين الياباني، وللفرنك الفرنسي وللير الايطالي، وللاسترليني وللدولار... نعم الدولار الاميركي. فيزداد تعلقه بقطعة الكرة الأرضية الصغيرة حيث يحيا، ويعرف انها جغرافياً سعادته. تذكرت للتو كلمة "جغرافيا" التي لم أسمع بها منذ أيام المدرسة. الجغرافيا في الكتب فقط. وعلى خرائط السياح يوجد تاريخ الشعوب والحضارات. والوردة، هي مجرد ذاكرة الجغرافيا. لذا، كانت حضارية. وكان تناقلها حضارة وحضورها رمز. والعاشق لحظة الوردة هو أمير تنكر في صورة مواطن. مواطن، يفسح لأنفاسه مساحات حرية، معترفاً بشمولية الرمز وخصوصيته في آن. الرمز الحب. وليست واقعية الحب في الشعر الا بحثاً عن تطويعه والتماهي في رمزيته معاً. أما كلمات الحب الصريحة، فهي محاولة بناء صرح جغرافي لهذا الحب، بهدف الخلود. ليت تجار الورد يتبنون - في عيد الحب - سعر الحب الذابل على الرفوف، أيضاً. الذابل، لأن الشاعر المسكين، كتبه لنفسه في أغلب الظن والأحيان. والظن والأحيان هنا، هما مكان وزمان الفكرة. فيعيش هذا الشاعر حلم من سيقرأه بقصد الشعر، فيحبه، فيحيا. وسأورد فيما يلي مقاطع لشعراء كتبوا - كما أعتقد - بدافع هذه الحاجة للحب، أي حب!! منذر مصري: "ان نسيتُ، أنتَ ذكرياتي إن اخطأتُ أنت صوابي إن أثمت أنت توبتي وإن سرقتُ مالاً أو قتلتُ رجلاً، فعلى وجهك علامات براءتي". عناية جابر: "يدكَ على خصري. ليست يدك على خصري إنها السوسن ملتفاً تسعفه الشمس". دعد حداد: "لا شيء أقوى من رائحة الموت في الربيع". لقمان ديركي: "الذين وقفوا على أبواب القرى وهم يودّعوننا بحرارة تجاهلناهم في المدن الكبرى واختبئنا منهم في زحام البشر". محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة، نهاية أيلول، سيدة تدخل الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس في السجن". كسيدة تدخل الأربعين، أتوقف عند درويش. ربما وجد الشعر كي يحفظ الحبّ. لأن الحب وحده لا يستطيع ان يطعم نفسه خبزاً. * شاعرة سورية