فور بدء الاستعدادات العسكرية لقوات حلف شمال الأطلسي، لشن هجمات على جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، انقسمت الطبقة السياسية الفرنسية بين مؤيد ومعارض لهذه العمليات، تماماً على غرار ما حصل لدى بدء العمليات العسكرية في العراق عام 1991. لكن الانقسام الحالي يبدو أكثر حدة مما كان عليه قبل ثماني سنوات لأن مسرح العمليات يقع هذه المرة على أبواب فرنسا وفي قلب القارة الأوروبية. هذا الموقع الأوروبي ليوغوسلافيا الاتحادية، شكل ذريعة لتدعيم موقف كل من المؤيدين والمعارضين، الذين اخترقوا بآرائهم الفرز التقليدي القائم في فرنسا بين اليمين واليسار. وما أن أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك ان مشاركة فرنسا في العمليات العسكرية ضرورية للدفاع "عن السلام وحقوق الانسان في القارة الأوروبية"، عبّر رئيس حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الذي ينتمي اليه شيراك فيليب سيغان عن "صدمته العميقة إزاء عمليات القصف التي تستهدف بلداً أوروبياً"، لديه فيه "صداقات عديدة". وتبع سيغان تصريح النائبين جاك بوميل وباتريك ديفيدجيان، من حزب التجمع. فرأى الأول أن العمليات العسكرية ضد يوغوسلافيا تشكل "رهاناً شديد الخطورة ومثير للقلق البالغ" في حين اعتبر الثاني انها "تدخّل غير شرعي". وفيما عبّرت هذه التصريحات عن الشرخ القائم بين الموقف الرسمي كما عبّر عنه شيراك، وموقف الأعضاء البارزين في حزبه، لا تبدو الصورة أفضل حالاً على صعيد الحكومة الفرنسية اليسارية. فرئيس الحكومة ليونيل جوسبان ووزير الخارجية هوبير فيدرين الاشتراكيان أكدا أن الضربات فرضت نفسها كضرورة حتمية نتيجة عرقلة يوغوسلافيا لمجمل المساعي الديبلوماسية التي بذلت لديها لحملها على توقيع خطة السلام حول كوسوفو، لكن أعضاء حزبهما لم يتبعانهما في هذا الموقف. فوزير الدفاع السابق بول كيلبس اشتراكي صرّح بأن الضربات العسكرية لن تحل مشكلة كوسوفو بل "تهدد بكارثة انسانية في وسط أوروبا". وعبر النائب الاشتراكي جوليان دراي عن تكتيك مماثل فقال "اننا اليوم أمام عملية مضاربة جديدة يقدم عليها حلف الأطلسي بوصاية الولاياتالمتحدة الأميركية". وعلى جبهة اليسار أيضاً، انتقد الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي روبير هو، الممثل في حكومة ليونيل جوسبان الاشتراكية، الضربات وقال ان "اضافة الحرب الى الحرب لا تولد السلام". أما وزير الداخلية جان بيار شوفنمان الذي يترأس "حركة المواطنين" منذ انشقاقه عن الحزب الاشتراكي، فاختار على غير عادته التعبير عن عدم تأييده للضربات بأسلوب ديبلوماسي، فقال انه "أكثر ميلاً الى التسوية السياسية". وكان شوفنمان استقال من وزارة الدفاع التي كان يتولاها خلال حرب الخليج، اعترضا على مشاركة القوات الفرنسية فيها. على صعيد آخر، اعتقلت الشرطة الفرنسية أمس 120 صربياً حاولوا التظاهر على مقربة من مقر وزارة الخارجية احتجاجاً على العمليات العسكرية في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، رغم رفض دائرة شرطة باريس للطلب الذي تقدموا به للتظاهر. وذكرت مصادر مطلعة انه تم اطلاق سراح المعتقلين بعد أن تم التدقيق في هوياتهم.