تعني الأيقونة "المثال" والارتقاء الى الكمال، الى الحقيقة في السماء. معناها صورة أو رسم أو مشابهة أو محاكاة، أي تصوير يحاول ان يمثل الأصل. وعالم الايقونات هو عالم الذهول الصوفي وعالم نوافذ على العالم الآخر، على غير المرئي بواسطة المرئيات. نشأ هذا الفن في سورية وفلسطين وترعرع في العالم البيزنطي آنذاك في القرن السادس، ثم انتقل الى روسيا. كما ان هنالك الأيقونة الكريتية والصربية والقبرصية. من هنا يأتي معرض الأيقونة السورية الذي يُقام في المتحف الوطني في دمشق كمحاولة لإظهار ملامحها ومراحلها التاريخية ومدارسها، بالإضافة الى التعريف بأسماء فنانين زاولوا هذا الفن. ويقول الفنان التشكيلي والباحث الياس زيات: - الأيقونة لفظة اساسها يوناني آيكون وتعني الصورة، وأصبحت تعني في ما بعد: الصورة الدينية بمفهومها الشرقي الذي يختلف عن اللوحة الدينية وهو مفهوم غربي. فالأيقونة تعربت وأصبحت مصطلحاً نستخدمه للدلالة على الصورة الدينية المستعملة في البيوت والكنائس عند المسيحيين الشرقيين من عرب ويونان وسلاف. ولتاريخ الأيقونة منحيان: تاريخ المنحى اللاهوتي والمنحى الفني. لن أخوض كثيراً في المنحى اللاهوتي لأنني أعرف منه ما أحتاجه في تصوير الأيقونة، فمصور الأيقونة يجب ان يكون ملماً بلاهوتها، وإلا يبقى ناقلاً فاشلاً ونساخاً سطحياً. تاريخ هذا الفن يرتبط بتاريخ الفنون القديمة في سورية وفلسطين ومصر والرافدين وحتى أرمينيا والحبشة، وحتى فنون الجزيرة العربية قبل الاسلام ومثال ذلك فنون اليمن القديمة. ونعرف ما جاء من سورية ومصر ويعود أقدمه الى القرن الثالث الميلادي كجداريات بيت العماد المسيحي في صالحية الفرات دورا أوزيس القريبة من دير الزور على الفرات. وهناك مجموعة من الأيقونات تعود الى الفترة بين القرن الخامس والسابع الميلادي موجودة في دير القديسة كاترين في سيناء. هذه النماذج استخدمت في الفترة المسيحية الأسلوب الفني الذي كان موجوداً في المنطقة التي نشأت فيها أي سورية ومصر، وبانتقال هذا الفن الى بيزنطة وتبنيه من الامبراطورية البيزنطية بقي محافظاً في خطوطه العامة على الملامح الشرقية، وكانت هذه الملامح تتناسب مع الفكر اللاهوتي الشرقي من حيث انها مبسطة، رامزة، تساعد على التأمل. ونجد انقطاعاً لمدة مئة عام بين القرن الثامن والتاسع وهي الفترة التي سميت بحرب الايقونات، لأن الحملة التي قام بها الأباطرة البيزنطيون ضد الصورة في أماكن العبادة دمرت كثيراً من الأيقونات الخشبية والجدارية والمخطوطات المصورة. وبعد حرب الأيقونات في القرن العاشر الى سقوط بيزنطة في أيدي العثمانيين بقيت آثار كثيرة ومدارس مختلفة لفن الأيقونة: فمن منطقتنا العربية بقيت مخطوطات من القرن الثاني عشر والثالث عشر تعود في اسلوبها الى مدرسة بغداد والموصل، وهذه المخطوطات هي أناشيد مصورة كانت تستخدم في الطقوس الدينية وهي باللغتين السريانية والعربية، ومن هذه الفترة بقيت مخطوطات كثيرة يونانية ورومية، وكل هذه المخطوطات التي ذكرناها وان اختلفت أساليبها ومنشأها فإنها تتشابه في الخطوط العامة الشرقية التي نوهنا عنها في بداية الحديث. هذا يصل الى بدايات عصر النهضة الأوروبي وهو نهاية العصر الوسيط، ومن هذه اللحظة يتشعب الى اسلوبين: الفن الشرقي الذي حافظ على المعالم الشرقية في الأيقونة أصبح يدعى بعد عصر النهصة الأوروبي "فن الأيقونة ما بعد البيزنطية" وهذا يستمر حتى القرن الماضي. اما الفن الغربي فلم يحافظ على معالم الايقونة الشرقية وأسلوبها، بل أصبح فناً أوروبياً انطلق من ايطاليا الى البلاد الشمالية الأوروبية، فناً يستخدم الموضوع الديني لعمل فن واقعي استخدمت لوحاته في بيوت العبادة وخارجها، وأصبح يسمى تصويراً دينياً. وخرج بذلك عن المعنى الاساسي للايقونة، علماً بأننا نجد في أوروبا الآن لدى المهتمين بالأيقونة عودة الى التفتيش عن الأيقونات القديمة أو الى تصوير أيقونات معاصرة حائزة على شروط الأيقونة الشرقية. وعن الدوافع التي أدت الى حرب الأيقونات يقول الياس زيات: - حرب الأيقونات يعود الى ان الناس انصرفت الى عبادة الأيقونة، فيما الأصل ان تكرم الأيقونة ولا تعبد - يُكرّم الشخص الذي تمثله. وتُطلب شفاعته بإضاءة الشموع وحرق البخور. عندما لاحظوا ان هذا التكريم تحول الى عبادة أخذ الأباطرة البيزنطيون ذريعة لتحطيم التصوير الديني: هذا هو السبب الظاهري المباشر، لكن البحوث أظهرت ان هناك أسباباً أعمق بكثير وهي أسباب اقتصادية. لأن الأباطرة البيزنطيين شعروا بتسلط الكنيسة كمؤسسة على قطاعات كثيرة في البلاد واستطاعت استمالة الناس، واعتبروا ان وسيلة الاستمالة التي استخدمتها الكنيسة أو المؤسسة الكنسية هي الصور. لذلك قاموا بحملة واسعة ضد رجال الكنيسة تضمنت إزالة الصور بدليل ان الكنائس في المنطقة التي دخلها الحكم العربي في تلك الفترة كانت الى حد ما محمية من التسلط البيزنطي. فالقديس يوحنا الدمشقي المنصور ابن سرجون استطاع ان يكتب دفاعاً طويلاً عن وجوب استعمال الصورة في الكنيسة ووجوب تكريمها. ولا أظنه كان يقصد الدفاع النظري، بل كان يدافع عن ايقونات موجودة في سورية وفلسطين في تلك الفترة. ويتابع زيات ان مصطلح "الأيقونة السورية" يعني ان هذا الفن ترعرع في مجال حضاري كانت سورية فيه مركزاً. والملامح الحضارية التشكيلية الأساسية للايقونة السورية هي التبسيط في الخط واللون. التبسيط المؤدي الى الرمز واختزال الشكل حتى لا يشغل المتأمل بمادية الصورة، بل يساعده على الانتقال والدخول في جو تصوفي. ثم هناك موضوع التجرد من الزمن الحاضر، فيمكن ان نرسم في ايقونة واحدة موضوعين حصلا في زمنين مختلفين، وهذا ما نسميه زمن الايقونة المختلف عن الزمن التاريخي وحتى الجغرافي. الناحية الأخرى هي ان ما يرسم في الايقونة يجب ان يتماشى مع النص الديني، فالأيقونة بهذا المعنى هي صورة توضيحية للنص الديني ولا يجب ان تخرج عنه، لأن هذه الصور استخدمت في الأزمان السابقة لتعليم الأميين، الذين لا يقرأون في الكتاب، بطريقة بصرية. والأسلوب يختلف في اليد. كل يد تُعطي نكهة. التصوير الأيقوني يعتمد على النقل عن نماذج محددة، وانما الناقل لا بد ان يضيف شيئاً من ذاته، هذا من حيث الأسلوب، أما من حيث الموضوع فالمواضيع محددة: مشاهد من حياة وأعمال السيد المسيح والسيدة العذراء والقديسين. ويوضح زيات ان هناك حرباً أو صراعاً حول فكرة استخدام التصوير في العبادة خلال الفترة المسيحية الأولى بين المسيحيين الذين أتوا من أصل يهودي، والمسيحيين الذين أتوا من أصل وثني. فالفئة الأولى ناهضت التصوير لأنه محرم في التراث اليهودي، بينما الفئة الثانية لم تجد مانعاً من استخدام الصور في العبادة، لأن تراثها الوثني كان يستخدم الصورة بمعنى مختلف عن المعنى المسيحي. ولكن اللافت في المعرض وجود ايقونات مرسومة فقط خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وبدايات القرن العشرين. يقول زيات عن ذلك: واقع الأمر ان أقدم الايقونات في سورية ولبنان تعود في غالبتيها الى المدرسة الحلبية، أي النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحتى نهايته، ما عدا ايقونة واحدة في دير سيدة كفتون في المتن في لبنان، تبين للخبراء منذ سنوات انها تعود الى القرن الثالث عشر في وجه من وجوهها. وفي وجه آخر تعود الى القرن الحادي عشر. في هذا المعرض تجد مجموعة قليلة لا تتعدى العشر أيقونات: اثنتان منها فقط في القرن السابع عشر والباقي من القرن الثامن عشر والتاسع عشر وبدايات القرن العشرين. لأن المعرض الحالي في متحف دمشق احتوى على ايقونات من دمشق وضواحيها حتى منطقة القلمون، وفي الوقت نفسه يقام معرض آخر للايقونات في متحف حلب فيه ايقونات من المنطقة الوسطى والشمالية، وفي مجموعة حلب كثير من أيقونات القرن السابع عشر والثامن عشر، هذا من حيث الايقونات الخشبية. اما الايقونات الجدارية أي المصورة على جدران الكنائس كما في دير مار موسى الحبشي وكنيسة حمص في سورية ومجموعة من الأديار اللبنانية في البترون ووادي قاديشا فهي تعود كلها الى الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر.