ساعة واحدة فقط هي الزمن المتاح أمام اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الدهيشة ليختزلوا فيها قضية عمرها 51 سنة ويعرضوها أمام البابا يوحنا بولس الثاني والعالم، في فرصة نادرة لشعب أوشك المجتمع الدولي على نسيان مأساته. وينوي سكان المخيم استثمار كل دقيقة في هذه الساعة لتأكيد قضية واحدة: حقهم في العودة الى وطنهم، ويرون في زيارة البابا المخيم سبباً آخر للايمان بهذا الأمل. الزيارة التاريخية موعدها 22 آذار مارس المقبل، أي في اليوم الثاني لرحلة البابا في الساعة الخامسة بعد الظهر تماماً. وفي اللحظة التي ستظهر فيها السيارة الشهيرة على مشارف المخيم - الذي لا يقل شهرة، في نظر كثيرين - ستلف بوشاح من أطفال المخيم وهم يرفعون اعلام فلسطين ودولة الفاتيكان، وبالطبع علم الأممالمتحدة الذي التصق بهم كما التصقوا به رمزاً لتشردهم وضامناً لحقهم. وعلى جانب الطريق الذي يصل بين بيت لحم ومدينة الخليل، تعكف اللجنة المشرفة على زيارة البابا، بمبادرة من أبناء المخيم أنفسهم، على بناء "عشرة مسارح"، كل منها يرمز الى احدى مراحل التاريخ الفلسطيني. تبدأ القصة بصورة حية لفلاحين فلسطينيين يزرعون أرضهم وهم يغنون فرحين، تليها صورة لحرب 1948 وما خلفته من دمار، واخرى للتشتت والخيم، وبعدها للحرب والدمار الذي خلفته حرب 1967، ثم للسجون واصناف التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون، وصورة أخرى تجسد غرف "وكالة غوث اللاجئين" الفلسطينيين و"حمّاماتها" المزروعة صورها في ذاكرة الجيل القديم من اللاجئين حتى أواسط السبعينات كانت كل 25 عائلة فلسطينية تشترك في استعمال حمامين... وصورة سابعة للانتفاضة مرحلة رفع العلم الفلسطيني، وثامنة للاجئين الأحفاد وهم يحملون مفاتيح بيوتهم المدمرة منذ أكثر من نصف قرن، وتاسعة لاعلام وفرق دبكة وأمل فلسطيني لا يموت... كل هذه الصور سيراها البابا في دقائق وهو يشق طريقه نحو مدخل المخيم الذي سيتجمع أمامه ممثلون عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة والقطاع. وفي اللحظة التي تسبق بدء الجولة في أزقة المخيم، سيطلق منطاد كبير يحمل "مفاجأة" لا يريد منظمو الاستقبال كشفها. وينتظر سكان المخيم بشوق سماع الكلمة "القصيرة جداً" التي سيخاطبهم البابا من خلالها، كذلك سماعه الكلمة الصغيرة التي ستلقيها طفلة بعمر الزهور وتركز فيها على مسألة ووحيدة: "حقها في العودة الى قريتها". اللاجئون في مخيم الدهيشة يعتبرون زيارة البابا لمخيم يقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، موقفاً مؤازراً لشعار سيرفعونه في كل زقاق وشارع في بيت لحم والدهيشة حي "لا تتجاهله أية وسيلة اعلامية". هذا الشعار هو: "السلطة الفلسطينية دولة مضيفة كما الدول المضيفة الأخرى" الى جانب الشعار الأساسي "حق العودة حق مقدس لا يمكن التنازل عنه". رفض سكان المخيم أن ترمم الطرق التي ستسير عليها سيارة البابا، أو توسع - اذا كان هناك مجال للتوسيع بسبب تلاصق البيوت - لأنهم يريدون اظهار معاناتهم كلاجئين والحفاظ على رمز قضيتهم، لكنهم يريدون أيضا ابراز الجانب الآخر من هذا الشعب. ستزدان جدران البيوت التي ستمر سيارة البابا امامها برسوم لأطفال المخيم وصور فوتوغرافية معظمها من محيط المخيم أو من قراهم المهدّمة التي رُحِّل عنها أجدادهم قبل جيلين. هناك من يقول أن اختيار الدهيشة من المخيمات الفلسطينية ليحظى بزيارة البابا، كان بسبب تعاطف البطريرك ميشيل صباح مع سكان المخيم. وربما لقربه من مدينة مهد المسيح لئلا يجتاز موكب البابا مسافات طويلة. لكن ما يجمع عليه الجميع ان لمخيم الدهيشة دلالة وتميزاً. فهو ثار وانتفض قبل أن ينتفض أشقاؤه، وكان مسرحاً لمواجهات بلا نهاية مع الجنود الاسرائيليين في السبعينات. للمخيم قصة يصعب الحديث عنها في هذا السياق، والأكيد أن زيارة البابا له جاءت من باب "التوازن". إذ ان زيارة مخيم لاجئين توازي بالنسبة الى الفلسطينيين زيارة متحف "ياد فاشيم" الكارثة والبطولة وربما أكثر من ذلك... فمأساة هؤلاء لا تزال حاضراً.