} بدأ المجلس النيابي اللبناني أمس أولى جلساته التي تستمر ثلاثة أيام قبل الظهر وبعده لمناقشة مشروع قانون الموازنة العام 2000، بتلاوة تقريرين عن لجنة المال والموازنة ووزير المال. وتخللت الجلسة مداخلات نيابية تركزت على مناقشة سياسة الحكومة المالية والإقتصادية والإجتماعية. عقدت الجلسة برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتمثلت الحكومة برئيسها الدكتور سليم الحص، وحضرها نحو مئة نائب. ووقف النواب في بدايتها دقيقة صمت حداداً على الرئيس صائب سلام. وقال بري "ان العالم ودّع قبل أيام قرناً، اما لبنان فودّع قرنين: القرن العشرين وصائب سلام، وخسر رجلاً عربياً كبيراً ورئيساً مميزاً". ثم تلا رئيس لجنة المال والموازنة النائب خليل الهراوي تقرير اللجنة عن موازنة العام 2000 فقال "ان على الحكومة بلورة افكارها التفصيلية وإعداد مشاريع القوانين الخاصة بكل قطاع مرشح للخصخصة الى ان ينهي المجلس النيابي درس قانون الاطار العام للخصخصة فور الانتهاء من اقرار الموازنة". وأشار إلى "أن اللجنة النيابية رفضت إعطاء صلاحيات استدانة لصناديق ومؤسسات عامة ومستقلة وحصرتها بوزارة المال وحدها على ان تحوّل الى صندوق المهجّرين ومجلس الإنماء والإعمار". ولفت الى "ان الموازنة تطمح الى رفع ايرادات الخزينة بنسبة 20 في المئة عن تلك المحققة عام 1999 اي بنحو 900 بليون ليرة، علماً ان موازنة 1999 وإن كانت حققت زيادة في الإيرادات بنسبة 13 في المئة قياساً الى عام 1998، جاءت نتائجها اقل مما قدرته الحكومة بنسبة 10 في المئة، اي بفارق 500 بليون ليرة". وسأل الهراوي "هل هذا الفارق ناتج عن مبالغة في التقدير او عن تقصير في التحصيل؟ فإذا كان الأمر تقصيراً فكيف ستحقق الوزارة هذه السنة نسبة الزيادة وهي مستمرة في ادارتها المترهلة؟ وإذا كان مبالغة فما مدى واقعية ارقام ايرادات موازنة 2000؟". وسأل أيضاً عن "اسباب خفض الإنفاق بنسبة 14 في المئة السنة الماضية؟"، ونصح الحكومة بواقعية تقدير الإيرادات، متمنياً ان تفوق التوقعات "لنتفادى صدمة نتائج مخيبة". وأضاف "ان اكثر من 80 في المئة من الإنفاق العام يتوزع بين خدمة الدين والرواتب والأجور، والخفض فيه طاول غالباً، الإعتمادات المخصصة للمشاريع الإنشائية"، لافتاً الحكومة الى "ان خفض الإنفاق يجب ألا يأتي إلاّ في إطار الإنفاق الجاري من خلال اعادة النظر في هيكلية الادارة العامة وحجمها، وخفض خدمة الدين العام". وسجل للحكومة سعيها الى خفض العجز وموازنة مالية الدولة، لكنه اعتبر ان "هذه المالية هي حصيلة ما تجبيه من المواطنين في مقابل ما تقدمه اليهم من خدمات. فما ستكون حالها في ظل استقرار الركود؟". وأشاد بري بلجنة المال "التي استطاعت بجهد متواصل إنجاز الموازنة والموازنات الملحقة ضمن المهلة الدستورية". بعد ذلك، تلا وزير المال جورج قرم تقرير الوزارة عن الموازنة. فأشار الى "ان التعاون الذي أبدته لجنة المال وتفهمها لسياسة الاصلاح المالي التي تتبعها الحكومة ابرز الأثر الإيجابي وبدأ الإنفراج في السوق النقدية والمالية وانقلبت الإتجاهات السلبية التي كانت سائدة الى ايجابية". ورأى "ان اي مساس بسلامة النقد هو مساس بالقدرة الشرائية". وأشار الى "ان تحسن الميزان التجاري عام 1999 من خلال تدني الاستيراد كان من العوامل الايجابية التي سمحت بخفض الفوائد وتقليص كلفة الإستقرار المالي والنقدي. وخلافاً لما أشيع في بعض الاوساط، ليس صحيحاً ان سياسة التقشف المتبعة كانت العامل المؤثر في معاناة القطاع التجاري، إذ ان سياسة التقشف هدفت الى القضاء على الإهدار". وأوضح "ان الإنفاق عام 1999 زاد بمقدار 547 بليون ليرة عما كان عام 1998 وهذا يدحض الأقوال التي تدعي ان وزارة المال لم تصرف كل الموازنة والإلتزامات الأخرى، وأن مستوى صرف الإعتمادات لعام 1999 من مجمل الاعتمادات بما فيها المدوّرة بلغ 4،86 في المئة اضافة الى ما دفع من مستحقات على الدولة موروثة عن الحكومة السابقة في شكل سندات خزينة خاصة بالمقاولين والمستشفيات والإستملاكات". ودان "محاولات المعارضة وادعاءاتها المزعومة والمدعومة بمدافعها الإعلامية الضخمة المدّعية ان ارقام وزارة المال غير صحيحة وغير أمينة ومضلّلة، وسيل الأسئلة النيابية المتكررة والرتيبة التي تتناول ارقام الوزير وتصريحاته. فاستغلال المعارضة الشفافية الجديدة في الارقام الصادرة شهرياً بالتفصيل من الوزارة، محاولة يائسة لتضليل الرأي العام عبر إلهائه بمعارك مفتعلة على هذا الرقم او ذاك ومحتواه او مدلوله. بينما كانت ارقام الوزارة في الماضي مختزلة في بيانات شهرية مقتضبة لا تتعدى رقمين إجماليين للنفقات والواردات وبضعة اسطر من الكلام السطحي المبهم". وتابع "المضحك المبكي ان المعارضة لم تتورّع، في لعبتها العقيمة، عن النيل من جهود الحكومة، باتهامها ان ارقام الواردات مضللة". وأشار الى "ان السيطرة على العجز عام 1999 لا تعود الى تأخر الإنفاق في شكل اصطناعي، بل هي نتيجة لثلاثة عوامل اساسية، هي: تجاوب المواطنين مع السياسة الضريبية الجديدة، وتقديرات مستوى العجز، وزيادة التعرفات الجمركية". وشرح الأهداف الأساسية للموازنة وهي: "متابعة الجهد لخفض مستوى عجز الموازنة وعمليات الخزينة، وإعطاء الحوافز الضريبية للقطاع الخاص، وزيادة بعض الإعتمادات الخاصة بالشؤون التربوية والإجتماعية والصحية، وزيادة النفقات الإستثمارية الطابع في القطاع العام". وقال "على رغم ان نسبة العجز المقدرة ليست كما نصبو إليه، فإننا نأمل بتحسينها". وأشار الى "ان عمليات الخصخصة ستسمح بتوفير اعباء خدمة الدين العام، وأن التأخر في الحصول على الإيرادات يعرّض سياسة الإصلاح المالي لنكسة". وأكد السعي في الموازنة المقبلة الى "ادخال ما قد يتبقى من النفقات المنتظمة والتي تصرف من خارج الموازنة عبر بعض المجالس والصناديق". ورأى "ان الحكومة ترى في تطوير اساليب ادارة الدين العام هدفاً استراتيجياً للخروج من الحلقة المفرغة ومحورها الرئيسي المتجسد في هذا المستوى المرتفع من الفائدة الحقيقية على العملة الوطنية اضافة الى صعوبة الإقراض بالعملة اللبنانية للقطاع الخاص". وقال "ان الحكومة بادرت بزيادة النفقات الاستثمارية عبر الاستدانة بفضل الاصلاح المالي". ورأى "ان ضخامة المسؤولية لا تسمح بإهدار الوقت والإمكانات والإنزلاق في متاهات الجدل البيزنطي العقيم والمعارك الجانبية والمصالح الفردية الضيقة"، آملاً "ان نرتقي خلال المناقشات الى الشعور بالمسؤولية". وأظهر بالأرقام "تحسناً في مستويات عدة: إنتاج الكهرباء زاد نسبته 6،2 في المئة، واستيراد المشتقات النفطية 2،8، وحركة المسافرين في مطار بيروت 10 في المئة، وعدد الشركات الصناعية التي تأسست 4،16، وعدد الوظائف الجديدة المتعلقة بها 4،6، والأصول المصرفية 66،11، وحجم الودائع بالليرة 18، وحجم التسليفات للقطاع الخاص 9،13، واحتياطات مصرف لبنان 6،14، وتراجع عجز الميزان التجاري 2،14". واعتبر ان "كل هذه المؤشرات الإيجابية تدل ان النشاط الاقتصادي والمالي ليس متوقفاً بالشكل الذي يدّعيه البعض"، متوقعاً "تحسناً اكثر اذا أقرّت الموازنة". ثم بدأ النواب بمناقشة المشروع، فدعا النائب علي الخليل الى "ترشيد الإنفاق وضبط الإهدار وتقوية الناتج المحلي". وأكد ان حدود لبنان المثبتة "لا عودة عنها البتة وليست موضوع نقاش". ولفت النائب طلال المرعبي الى "مؤشرات ايجابية وسلبية في الوضع الاقتصادي". وعندما سأل "لماذا بدأ التعثر في المجلس الاقتصادي قبل إنشائه؟". علّق بري بالقول "لمَ الاستغراب فلنعترف ان كل البلد طائفي وهذا هو الواقع". وسأل النائب ابراهيم بيان "لمَ يسمح بالتوظيف في كل مؤسسات الدولة باستثناء التعليم؟". ورأى النائب عبدالله قصير حزب الله ان "شعارات الإصلاح والإنقاذ والتغيير لا تزال تنتظر التطبيق والمحافظة على الصدقية من التصدع الذي تعرضت له الحكومة". ودعا إلى "عدم تكرار تجربة التعيينات في الإدارة ضمن محاصصة مقنعة هذه المرة وغياب الكفايات". وأكد النائب جبران طوق "وجود خلل من خلال تردي الواردات ومعالجة الوضع الإقتصادي". وسأل "هل هذه الموازنة هي ما نحتاج إليه؟". وعندما بدأ النائب إيلي حبيقة مداخلته بالقول "انها المرة الثانية الأخيرة تقف هذه الحكومة امام المجلس لتقدم موازنتها"، قاطعه بري "لماذا الأخيرة؟"، أجاب "بسبب الإنتخابات". فردّ بري "وإذا رجعت؟"، أجاب حبيقة "بتصير حكومة ثالثة". وتابع ان الحكومة اليوم غيرها السنة الماضية، إذ شكلت في غالبيتها من وزراء جدد غير معروفين في الأوساط السياسية وغير ملوثين بالأوبئة السياسية والأخلاقية للطبقة السياسية الحاكمة، لكنهم أصبحوا اليوم معروفين بفضل الشفافية". وقال "ان حكومة الوزراء المجهولين سابقاً والشفافين دائماً جاءت لترفع سيف النظافة على المفسدين، تحت شعار التركة الثقيلة". ولفت الى "ان رفع الشعارات شيء وتطبيقها شيء آخر"، معتبراً "ان الحكومة ازاحت تحت شعار التطهير الاداري من تشك في ولائه لها وأبدلته بآخر مأمون الولاء". وتحدث عن "وزير لا يهتم بغير شفافيته ومدير غير كفي وموظف متهم ابداً بسرقة المال العام". وأشار إلى قضية تعطل معمل الإنتاج الكهربائي في بعلبك، محمّلاً الحكومة ووزير الموارد سليمان طرابلسي المسؤولية عنه. وحذّر من "ان مؤسسة كهرباء لبنان على شفير الإنهيار". وختم "مبروك عليكم شفافيتكم اما موازنتكم فسنصوّت ضدها". وفي الجلسة المسائية تحدث عدد من النواب ابرزهم مروان حمادة من كتلة النائب وليد جنبلاط الذي أسف على "الاهدار الهائل للآمال"، معتبراً ان بيان قرم "الهجائي والكاريكاتوري زادنا اقتناعاً بأن في هذه الحكومة من يكتب بالوكالة لمن يقرأ بالنيابة، فضلاً عن انه انقلاب على خطاب القسم". وطمأن الحكومة الى انها "باقية نظرياً في كراسي الحكم لكنها سقطت برلمانياً وشعبياً منذ بدأت". وأشار الى تعثر الحكومة وتخبطها في ممارساتها، واصفاً سياستها بالسلبية. واعتبر ان "تصريحات الوزراء في شأن الحلول الاقتصادية متناقضة، وأن الحكومة نجحت في احباط المستثمرين محلياً وخارجياً وأحدثت ارباكاً في الداخل. ولم يعد مقبولاً ان يستمر المسؤولون في التحدث عن التركة الثقيلة وفي اتهام المعارضة والقاء اللوم على الاعلام الفضائي". وختم مترحماً على الحكومة وموازنتها. وتحدث ايضاً النواب حسن علوية وبشارة مرهج وحسين الحاج حسن واسماعيل سكرية. وانتقد معظمهم الحكومة.