حدث ابن مدهوش قال: خرجت يوما إلى السوق، فلما توسطت الطريق، صادفني الولهان بن سمين، وراعني من أمره أنه كان يسير على يديه ورجليه جميعا، ويتمايل، وينخر كالسباع، وبين فكيه تفاحة فلما رآني صعق، ووقف على قدميه، ثم أدبر هاربا حتى توارى، وقد جمدت مكاني فمالي حيلة إلا النظر وقد تملكني العجب حتى خالطني الشك أنه شبه لي أو أنني أهم ولا أحقق، فلما كنت في طريق الإياب صادفته ثانية على حاله الأولى، فعاد وهرب، فركضت خلفه، فما زال يدخل بي الحوائط، ويضللني في البيوت حتى ضيعته في بعض الطريق، فلما استيأست منه، دنوت إلى ظل شجرة في أعلاها خلية نحل له فيها طنين وعويل، فانتبهت على حركة خلفي، والتفت فإذا بالولهان يدنو من الشجرة ويمد يده جهة الخلية وقد صرف بصره عني تلقاء النحل، فغافلته ثم وثبت عليه، وأمسكت به، فلما أعيته الحيل قال: على رسلك أخبرك الخبر. فقلت: هات. قال: أحببت امرأة فأولعت بها، وزاد من تهيامي به تمنعها فما تلقي حتى السلام، ولا يبدر منها كلام، ثم كان من أمرها أن تلاقينا يوما قريبا من بيتهم، فألقيت عليها سلام اليائس من الاهتمام، فتبسمت حتى هممت أن أجثو على ركبتي، ثم قالت: عليكم السلام.. كيف أنت يا دب؟ فدارت بي الأرض، ووالله لو نوديت بنعوت الملوك، أو دعيت بأشرف لقب ما كان ليعدل عندي الدب، وأقسمت لا أعود بشرا لفرط الحب، وأن أقضي العمر دبا أو شبيها بالدب. قال ابن مدهوش: فغسلت منه يدي وتركته فانطلق يركض، فكان أشبه شيء بالدب لولا أن له قفا كالمسطرة لا يبرز منه شيء. ثم سرت حتى دنوت من نافورة في الطريق، فلما وقفت عليها ألفيت أعرابيا قد ألقى بنفسه في حوض النافورة فهو يسبح ما يرى منه إلا رأسه، فلما رآني برز نحوي فإذا عليه فروة بيضاء ثقيلة، وإذ على طرف الحوض سطل من ثلج مجروش يغرف منه على نفسه. فقلت: ما تفعل يا عبدالله؟ قال: أوما تعرفني؟! قلت: لا.. ولا أعرف صنيعك هذا. فنظر إلي وقد ازدراني، وقال: إليك عني يا جاهل.. أنا الدب القطبي!!.