بعد غياب، يطل فؤاد شرف الدين في الصالات اللبنانية بفيلم سينمائي جديد عنوانه "ايفانوفا" ابتداء من أول شباط 2000، وهو من كتابته واخراجه وبطولته، ومعه حشد من الممثلين الكبار الذين اختيروا ليناسب كل منهم الدور المطلوب والمناخ الذي تدور فيه القصة. شرف الدين تحدث عن القصة واعادة احيائها بعدما نامت طويلاً في الأدراج: "الفكرة للكاتب الراحل حاتم خوري، لكنني كتبت السيناريو والحوار بنفسي بعدما قررت منذ فترة اعادة بناء مناخها وشخصياتها". القصة تراود شرف الدين منذ عام 1959 حين وقعت جريمة هزت البلاد، وفيها قضى جورج ايفانوف "ملك الليل" الذي كان يسيطر على منطقة الزيتونة الشهيرة، على يد رشاد قليلات. صحيح أن القانون برأ قليلات بعد سبعة أشهر من الاستجوابات في المحكمة العسكرية التي كانت على مقربة من منزل شرف الدين، لكن أصابع الاتهام اتجهت نحوه دائماً. بعد أعوام، التقى شرف الدين الكاتب خوري الذي حوّل الجريمة، قصة روائية بعنوان "من قتل ملك الليل جورج ايفانوف؟"، واشترى منه حقوقها، لتحويلها فيلماً سينمائياً ضخماً. علماً أن القصة بحسب قول شرف الدين "كانت مشوّهة بعض الشيء وقد تمّ الغاء بعض الفصول منها"، لكن ذلك لم يمنعه من شراء الحقوق ويؤكد أنه كان في تلك المرحلة يزور "الزيتونة" وهو عرف ايفانوف وقليلات عن كثب، لذلك لم يجد أيّ صعوبة في تسليط الضوء على الحقائق وغض النظر عن التشويهات. في العام 1997، شاء القدر أن يكسر شرف الدين رجله وهو يصوّر أحد الأفلام، واضطر الى المكوث في المنزل أربعة أشهر. لم يكن أمامه إلاّ ورقة وقلم ليتسلى، فأخذ يكتب فصولاً كاملة عن القصة، وسرعان ما أعاد كتابتها مجدداً، آخذاً في الاعتبار الإطار العام للقصة، لكنه أضاف نكهته الخاصة عليها عبر رسم تفاصيل جديدة مليئة بالمعاني الإنسانية والوطنيّة والحركة المشوّقة. لكن مشكلات الإنتاج حالت دون أن يتحوّل السيناريو فيلماً بسرعة، لذا انتظر شرف الدين سنة كاملة، عندما التقى شركة لبنانية أميركية مختصة بالتجارة وأنشأوا بعد جلسة واحدة شركة كان التي سيكون فيلم "ايفانوفا" باكورة انتاجها. مع هذا أكد شرف الدين أن شركات عدة ساعدته، لأن "كلفة الفيلم كبيرة لا تقل عن مليون دولار، وكان مستحيلاً أن نؤمن هذا المبلغ لولا تعاون هذه الشركات وثقتها بنا". الفيلم من ساعتين و20 دقيقة، يُصنَّف في خانة الدراما الهادفة، لأنه يعرض مواقف وحالات انسانية مؤثرة. ويوضح شرف الدين: "يروي الفيلم قصة حقيقية هزت بيروت في الخمسينات. لكن الفيلم يبدأ عام 1969، حين تقصد الفتاة ايفانوفا مكتب المحامي ليخبرها من قتل والدها، فتعود بنا عبر "فلاش باك" الى عام 1929. حين تصل الى مرفأ بيروت عائلة روسيّة مهاجرة مؤلفة من أب وأم وطفل في العاشرة اسمه ايفانوف. وفي خضم العجقة وظلام الليل، يتيه الطفل فتقوده قدماه الى شارع الزيتونة، حيث تلمحه كارمن وهي فنانة تعمل في أحد الملاهي الليلية، تحنو عليه وتقرر تربيته. بعد 15 عاماً، يكبر ايفانوف ويصبح أحد مسؤولي الأمن في منطقة الزيتونة التي كانت تعج بمجموعات خارجة على القانون، تروّج المخدرات وتسيطر على الملاهي. يقف ايفانوف في وجهها، خصوصاً أنه يتمتع بالحيوية والدم الروسي العنيف. وتتفاقم المعارك بعد دخول الهيرويين الى بيروت عبر رجل تركي. الدولة عاجزة ولا أحد يملك شجاعة مكافحة هذا الوضع إلا ايفانوف الذي تُقتل زوجته ثم يغدر به أحد رجاله. تمضي الأعوام، فتكبر ابنته ايفانوفا وتتولى تصفية المجرمين الواحد تلو الآخر. يُشارك في الفيلم أكثر من 40 ممثلاً رئيسياً أبرزهم فؤاد شرف الدين وكريمته جمانة بدور زوجة ايفانوف وابنته "ايفانوفا"، ويؤدي شخصية ايفانوف الممثل الشاب سامر الغريب. كارلا بطرس بدور "كارمن" وبيار جماجيان هو عباس زوج "كارمن". أما كمال الحلو فيلعب شخصية رجل تركي قاسي يتعاطى المخدرات ويتاجر بها. اضافة الى شوقي متى بدور محام وايلي الحلو بدور ايفانوف وهو لا يزال طفلاً. مع اطلالة عام 1999، بدأ شرف الدين البحث عن أماكن التصوير، فوقع الاختيار على منزل فخم في عشقوت وتم اعادة بناء معالم الزيتونة في أسواق منطقة البترون القديمة. بعد أشهر من التصوير والعمل الدؤوب، أنجز شرف الدين مشاهد الفيلم، ثم طار الى بلغاريا حيث قام بتحميض النيغاتيف في استوديو "بويانو". واستخدم للفيلم صوت "دولبي". "ايفانوفا" فيلم لبناني مئة في المئة، يوقّعه فؤاد شرف الدين بجهده وتعبه حاملاً عبره هموم السينما اللبنانية ومشكلاتها. تُرى هل ينجح؟