لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    يونس محمود ينتقد ترشيح المنتخب السعودي للقب كأس الخليج    الشرقية تستضيف النسخة الثالثة من ملتقى هيئات تطوير المناطق    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    افتتاح إسعاف «مربة» في تهامة عسير    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجرات العرب القدامى وأثرها الحضاري . صلات العرب والعجم والأفارقة التاريخية
نشر في الحياة يوم 13 - 02 - 2000

على رغم إقامة العرب في جزيرة العرب كوطن ومهد لهم، إلا أن جزيرة العرب، لطائفة من الأسباب منها قلة الموارد وازدحام السكان على هذه الموارد النادرة وحقيقة الصحراء التي تشكل جزءاً كبيراً من مساحتها، كانت من العوامل التي حدت بهجرات عربية باكرة ضاربة في أعماق المعمورة قبل الإسلام وبعده على أيام الفتوح. ولكن يتضح من هذه الهجرات المتواترة ان العرب القدامى ساهموا برصيد مفتاحي في نشر ثقافتهم وحضارتهم بين الشعوب العجمية والافريقية وغيرها التي اختلطوا بها مبكراً. واثبت هذا الاعاجم انفسهم قبل غيرهم. وهذا يناقض العبارة التعييرية التي يستخدمها بعض الغربيين تارة وأخرى أي السارازان Saracene والمقصود بها في سياقها التعييري البدوي الهمجي كما يعج بذلك عدد من الروايات الغربية.
وعن أمر تلك الهجرات القديمة ذات الدور المفتاحي الحضاري أورد السمعيلي ان افريقيس بن ابرهة بن الحرث بن الرائش الذي عُرف بلقب "تُبع" ذهب بقبائل العرب إلى افرقيا وبه سُميت. وساق البربر إليها من أرض كنعان وفتح المغرب. وهاجر كذلك الحميريون من عرب جنوب الجزيرة - التي عرف جزؤها الجنوبي الغربي بArabia Felix أي الخصيبة أو "السعيدة" - إلى أقاليم شرق افريقيا. واستوطن الحميريون الحبشة وشرق افريقيا في القرن الرابع قبل الميلاد بناء على إحدى الروايات.
ويقول سترابو، الجغرافي والمؤرخ اليوناني الشهير، إن عرب جنوب الجزيرة تمكنوا من عبور مضيق باب المندب على قوارب جلدية حتى بلغوا الحبشة عبر موجات متتالية. وأكد هذا أيضاً بازل دافدسون في مؤلفاته بقوله إن أقدم من عرف من غير الافارقة في ساحل آزانيا القديم بر الزنج على عهد العالم الروماني - الاغريقي كانوا تجار وامراء جنوب جزيرة العرب، الذين تحدروا من أرومة ملوك سبأ الذين جاؤوا بقصد التجارة وليس للتهب والفتوح. وفي مطلع القرن الميلادي الأول أسفرت اقامتهم عن لقاح وتثاقف عميق الدلالة في تلك السواحل ولم يفقدوا هويتهم، بل كانت إحدى البواعث لنشأة الثقافة السواحيلية ولغة السواحيلي.
اتصل السبئيون والحميريون منذ القدم بالعالم القديم نسبة لاشتغالهم بالتجارة التي بلغوا بها الشرق الأقصى الهند والصين وسرنديب وموانئ الشام والروم ومصر والبحر الأحمر. وفي قراءة أخرى ان الحميريين والسبئيين استمرت هجراتهم رتيبة إلى شاطئ غرب البحر الأحمر التي بدأت منذ 700ق.م واستمرت لمدة ألف عام، حيث اختلطت دماؤهم بالحاميين من البجاة البجه في السودان والأحباش واريتريا، بل إن إحدى سلالات ملوك النوبة في شمال السودان كانت من حمير كما ذكر المقريزي. وكان لهؤلاء المهاجرين معرفة متقدمة بأساليب الزراعة لا سيما زراعة المدرجات على سفوح الجبال والتجارة وخبرة بالملاحة البحرية والهندسة المعمارية، مثل المسلات وانشاء السدود والمعابد ومعرفة تامة بالعالم القديم لا سيما الهند والصين والروم وفارس، مما انعكس أثره البالغ حيثما أقاموا. وان التأثير الحضاري لهذه الهجرات ما زال باقياً حيث اختلط العرب المهاجرين بالافارقة من شرق افريقيا وتحدثوا بلسان الافارقة حتى ان سوادهم نسي لغته العربية بمرور الزمن، بيد انهم احتفظوا بانسابهم العربية.
ونلاحظ ان لغة الجفر نسبة إلى "الاجازع" إحدى قبائل سبأ باعتبارها إحدى أقدم اللغات السامية التي أقامت في هضبة اريتريا والتيجري، قد أصبحت لغة الشعب الهجين الجديد الذي اختلط بالوسط الحامي والكوشي واستمرت لغته إلى حين اضمحلالها بأفول مملكة اكسوم في القرن السابع الميلادي. ويقول عمر فروخ إن "عرب الجنوب كان اختلاطهم بالافريقيين خاصة والفرس والهنود بارزاً جداً".
ويصف ذلك الواقع الجديد كتاب الزنوج لمؤلف مجهول حيث قال إن المستوطنين من العرب في سواحل شرق افريقيا في عهد التبايعة قبل الإسلام انشأوا المدن التي عرفت ب"كلوه، سيوى، لامو، مقديشو، براوه وممبسا".
وذكر مؤلف كتاب الحبشة عربية الجذور والثقافة أخبار العرب الذين قدموا إلى بلاد الزنوج وعمروا المدن والقرى وسكنوا فيها منذ عهد الجاهلية. ويقول ان ممبسا كان اسمها بساسة لكون سكانها كانوا من الحجاز وسموها بكنية مكة المكرمة أي ابدال الباء ميماً مثلما عليه الحال في بكة/ مكة. وورد أن العرب انتقلوا إلى الحبشة إثر هزيمة ابرهة الاشرم الذي غزا اليمن بتحريض من الروم. وبعد انتقال الحبوش إلى بلادهم، لحقهم من العرب حمير وقيس عيلان مضرية وكانوا هناك ثمانين عاماً، ومات العرب الآباء بانقضاء آجالهم وبقي المولودون بدار الحبوش فتكلموا بلغة الحبشة ولم يتكلموا العربية لقلة العرب وكثرة الحبوش.
وأقام العرب في القرن التاسع الميلادي بعد الإسلام ممالك إسلامية في الحبشة في اقليم شوا جنوب الهضبة الحبشية التي نسبت إلى ود بن هشام المخزومي الذي هاجر إلى هناك في عصر خلافة عمر بن الخطاب، واستمر ملك إمارة بن مخزوم في اقليم الشوا قرابة اربعمئة عام 896-1285م بل اننا نجد اثر العرب باقياً إلى اليوم في تسمية اقليم "الشوا". فالشوا هم عرب مثلوا آخر طبقات الهجرات العربية من صعيد مصر إلى السودان وكانوا آخر رعاة بقر ولم يبق منهم من العروبة إلا اللغة. ونلاحظ توغل عرب الشوا من هنالك إلى الغرب حيث تشاد الحالية، ويقيم أحفادهم هنالك إلى اليوم مختلطين مع الغولان منذ القرن الخامس عشر الميلادي. وكذلك نجد اسم اقليم "بالي" في الحبشة نسبة لتوطن قبيلة بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة هنالك، وهي القبيلة العربية التي اسقطت ملك النوبة بتحالفها مع جهينة. وهاجرت بَلي/ بُلي الذين عرفوا في اريتريا بالبلو وظهر اسمها في خرائط الروم القديمة Bello انسياباً من موجات عبرت البحر الأحمر من مقر إقامتها في الحجاز أصلاً جوار جهينة، وانتشروا من القديم قبل الإسلام على عهد الوثنية في شرق السودان وبلاد البجه والصحراء الشرقية وبلاد النوبة مع قبلية بهراء القضاعية. وكان البلويون جسر الصلة بين العرب والأفارقة في شرق القارة والحبشة واريتريا وفي منطقة البحيرات العظمى إلى غرب الاطلنطي.
وفي القرن الخامس عشر الميلادي تواصلت هجراتهم حين قال ابن خلدون عنهم "كانت مواطنهم شمالي جهينة إلى عقبة أيلة على العدوة الشرقية من بحر القُلزم البحر الأحمر وأجاز منهم أمم بلي وجهينة إلى العدوة الغربية وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هنالك سائر الأمم، وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم، وازالوا ملكهم، وحاربوا الحبشة فأرهقوهم إلى هذا العهد". وقال جرجي زيدان إن بلياً كانت تنقل التجارة الهندية قبل ظهور الإسلام، وانهم كانوا في مصر إبان ظهور النصرانية. وفي اريتريا ما زال أحفاد البلوميين الذين كان جدودهم ملوكاً لمصوع إبان القرون الوسطى، يقولون بانتسابهم إلى أصول عربية ولبلي فروع واسعة في اريتريا. وهم رعاة رُحل بلي. ويقول أحفادهم الذين يتحدثون بلغة التجري والعربية إن أجدادهم "كانوا بيضاً". وينتسب لذلك الساحو إلى عرب الحجاز وبعضهم قرشي.
وفي اثيوبيا نجد أشهر القبائل الاثيوبية والتي حكمت اثيوبيا إلى الانقلاب الذي طال حكم منغستو هايلي مريام، وهم الأمهرا نسبة إلى قبيلة مهرة القضاعية التي ما تزال يقيم بقاياها في بلاد الشحر قبالة المحيط الهندي في اليمن. واقليم مهرة معروف بسواحل اليمن. والراجح انهم وفدوا في القديم إلى الحبشة وهم يتحدثون بلغة سامية قديمة من اليمن. ويقول النسابة اليماني بامطرف في كتابه "الجامع" إن علماء اللغات يعزون التشابه الماثل في اللغة المهرية القضاعية وبين اللغة الأمهرية في اثيوبيا إلى ان أصل الأخيرة هي اللغة المهرية القضاعية وان الاجازع - نسبت إليهم لغة الجفر التي ما تزال سارية في الكنائس الاثيوبية - ما هم إلا فخذ من مهرة القضاعية، لأنه ما زال إلى اليوم في اليمن في اقليم مهرة يوجد وادي جزعة ويحتفظ اقليم مهرة بلغة خاصة، وتنسب مهرة إلى مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحافي بن قضاعة كما ذكر النسّابة، ومنهم ابن حزم والقلقشندي والسويدي. ويتحدث حوالي 8 ملايين لغة الأمهرا في اثيوبيا.
وذكر السويدي في "سبائك الذهب" ان بهراء عبرت البحر الأحمر بأعداد كبيرة وأقاموا شرقي النيل وأقامت منهم بطون في شرق السودان والحبشة والصومال. وفي الوسط الكوشي الصومالي صار اسمها "براوة" تصحيفاً على الأرجح.
وفي النصف الأول من القرن الثالث الهجري انشأت ربيعة وجهينة تحت قيادة أبو عبدالرحمن العمري تحالفاً في أرض البجة في السودان، حين اقتموا في مواقع معدن الذهب في وادي العلاقي، وذكر ابن سليم الاسواني ان النوبة اعتنقوا الإسلام رغم قلة معرفتهم باللغة العربية نسبة لتمكن ربيعة الحديث بلغة النوبة، وعرفوا في ما بعد ببني الكنز أو الكنوز نسبة للقب سيادي منحه اياهم المماليك. وفي خاتمة المطاف فقدت ربيعة لسانها العربي للاختلاط الدائم مع النوبة في شمال السودان، وهي القبيلة من الأصل العربي الصريح نزار بن عدنان. ولذلك اطلق ابن خلدون في كتابه العبر أو تاريخ ابن خلدون اسم الطبقة الرابعة من العرب المستعجمة رصداً لتلك المآلات التي أفرزها الاختلاط بين العرب والعجم. وقال ابن خلدون "ثم ان اللسان المضري الذي وقع به الإعجاز ونزل به القرآن فثوي فيهم وتبدل اعرابه فمالوا إلى العجمة... واستحقوا ان يوصفوا بالعجمة من أجل الاعراب فلذلك قلنا فيهم العرب المستعجمة".
ومنذ قديم الأزمنة هاجر العرب شرقاً نحو الشرق الأقصى وفارس وغيرها. لقد ذكر الطبري ان تُبعاً ابا جرب لما غزا العراق أيام اردشير كانت طريقه على جبل طيئ ومنه إلى الانبار وانتهى إلى موضع الحيرة ليلاً... فتحير وأقام بها تم سار لوجهه وخلف هناك قوماً من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة توطنوا بها ولحق بهم آخرون من طيئ وكلب والسكون واياد والحارث بن كعب فكانوا معهم.
هجرة العرب إلى بلاد فارس قديمة قبل الإسلام وبعده. يقول الأصمعي إن الأزد هاجروا إلى بلاد فارس إثر خراب سد مأرب، وصارت أولاد الأزد في أرض فارس من عشيرة الجلندا بن كركر. وذكر الهمداني في صفة جزيرة العرب قوله: "ولحق كثير من ولد نصر بن الأزد بنواحي الشحر وأطراف فارس". وذكر الطبري انه في القرن الرابع الميلادي قام عدد من القبائل العربية من عرب البحرين وبلاد عبدالقيس وهجر بالهجرة إلى السواحل الشرقية في الخليج العربي وغلبوا أهلها على مواشيهم وحروثهم ومعاشهم. وأفاد ابن الاثير والطبري أيضاً بأن سابور نقل بكر بن وائل كرمان ومن كان منهم من بني حنظلة بالرميلة من الاهواز وأسكن بعض قبائل تغلب وعبدالقيس كرمان والأهواز وتوج. ونسبة لتوطن العرب منذ القدم في بلاد فارس نجد ان الاصطخري وصف أولاد الجلندي الذين كانوا في عمان، وهم ازديون بأنهم "أقدم ملوك الإسلام بفارس وأمنعهم جانباً"، وقال الاصطخري ان أولاد الجلندي ومملكتهم المتاخمة لكرمان يزعمون بأنهم جاءوا إلى تلك الأصقاع قبل موسى ع.
وهاجر أيضاً أهل صحار من القضاعيين إلى سيراف وهرمز. وفي منطقة جبال القفص في بلاد فارس استقر بعض العرب من بني سلمة بن مالك بن فهم من الأزد.
وعرفت مدينة ماهان بكرمان في بلاد فارس بمدينة العرب لا سيما على العهد الأموي. وانتقل إلى فارس فرقة من بني سامة بن لؤي من قريش كانوا بالحجاز وكانوا ملوكاً لفارس، خصوصاً مملكة السيف من حد جنابا إلى نجيرم على حد قول الاصطخري. واستوطن العرب الهضبة الإيرانية كما ذكر البلاذري في فتوح البلدان. وذكر اليعقوبي ان أهل الري بإيران اخلاط من العجم والعرب. وأشار البلاذري ان العرب أقاموا أيضاً في قزوين الواقعة في جنوب غربي بحر قزوين وهي منطقة شديدة الوعورة وهي موقع توطن الديلم. وبعد الفتح في خلافة عمر بن الخطاب ارسل البراء بن عازب، طليحة بن خويلد الأسدي مع خمسمئة فارس فتناسلوا هناك وبقي أولادهم وأولاد أولادهم هناك.
وذكر اليعقوبي ان عدداً من المدن في الهضبة الإيرانية كان يقطنها أخلاط من العرب والعجم مثل السيروان وحلوان نسبة لحلوان بن عمرو بن الحاف القضاعي والدينور ونهاوند. وأقام بنو العنبر على حد قول ابن الكلبي في أصفهان. وانتقل إليها قوم من ثقيف وتميم وخزاعة وبني حنيفة من عبدالقيس. وغلب العرب من قبيلة مذحج والاشاعرة على سكنى مدينة قم. وأقام العرب أيضاً في جرجان على عهد سليمان بن عبدالملك كما اتضح من اسماء المساجد التي حملت اسماء قبائل بجيلة وبني اسد وقضاعة وقريش ومحارب وخشعم وهمدان والحضرميين ومراد وبني تميم وبني ذهل وبني سنان وبني قيس بن ثعلبة وبني عجل والأزد. وسكن العرب في الكرج لا سيما العجليون من آل عيسى بن ادريس بن معقل العجلي، كما ذكر البلاذري. وذكر الطبري ان عبدالقيس أناخوا على ايرانشهر وسواحل اردشير خره واسياف فارس وغلبوا أهلها على مواشيها وسكن فارس من العرب آل الصفاد الذين أقاموا على ساحل البحر العربي وسيطروا على رم الكاريان.
وذكر الطبري والمقدسي ان أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة والبصرة أقامت بكرمان التي يزعم أهلها انهم عرب. وأقام العرب أيضاً في مرو باقليم خراسان حيث اقاموا مع ولدانهم ولحق بهم خمسون ألفاً بأولادهم عام 51ه، كما ذكر الطبري. وكان عدد الجنود المقيمين بخراسان تسعة آلاف من أهل العالية من الحجاز، وسبعة آلاف من بكر، وعشرة آلاف من تميم وأربعة آلاف من عبدالقيس وعشرة آلاف من الأزد وسبعة آلاف من أهل الكوفة، فضلاً عن سبعة آلاف من الموالي. وأقام العرب كذلك في بلخ ولطي وبونيه واليروقان. وكلها مراكز من خراسان. وقال ابن خلدون ان ربيعة أجازت بلاد فارس وكرمان فهم ينتجعون هناك. وذكر ياقوت الحموي ان العرب نزولوا خلم قرب بلخ وهم الأسد وبنو تميم وقيس وان طائفة من عرب تميم أقامت في بسمنجان وأقام في صحاري الجوزجان عشرين ألف عربي اغنياء ملكوا كثيراً من الابل والغنم. وأقام العرب أيضاً في نيسابور مع العجم وكان فيها كثير من حمير. وسكنوا كذلك سمرقند وبخارى.
وانتشر العرب كذلك في الصين. إذ وصف السيرفي مدينة خانغو كمركز مفتاحي للتجارة بين العرب والصين. وقال عنها إنها "مرفأ السفن ومجتمع تجازت العرب وأهل الصين، وقصدها التجار العرب والفرس وتولى نفر من العرب والمسلمين الفصل في القضايا بين الصينيين. واستوطنت جالية عربية الصين وذكر المروزي ان بعضاً من العلويين الذين هاجروا شرقاً نحو الشرق الأقصى أقاموا في كانتون وتعلموا اللغة الصينية وصاروا وسطاء بين الحكومة الصينية والتجار الأجانب.
وهاجر العرب لا سيما الحضارمة وانتشروا جنوب شرقي آسيا فمنهم من عمل في التجارة والدعوة الإسلامية، ولقد سبق ان امتهنت قبيلة حضرموت نقل التجارة بين جنوب جزيرة العرب والحجاز ونجد والعراق والشام وسيناء ومصر إلى جانب بعض فروع قضاعة مثل بلي وبعض من فروع حمير. وكان عدد من الذين عملوا في التجارة والدعوة الإسلامية من الأشراف العلويين من عشيرة أحمد بن عيسى المهاجر. ومنها أيضاً عشيرة العيدروس من العلويين في منطقة تريم في اليمن وبافقيه ممن اشتهروا في سواحل ومدن المحيط الهندي لا سيما كلكتا في مالابر بجنوبي الهند حيث عرف الاشراف في الاقليم باسم "تنغالا".
وعرف الأشراف لذلك في اقليم أتيجة بشمال سومطرة بال"تنخو" وهي عبارات قصد بها سمة الشرف والعطاء الديني، ونجد هذه العبارات أيضاً في أحد فروع الغولان بغرب الاطلنطي، لا سيما في غينيا - بيساو يعرف فخذ من الغولان ب"فولا - تنغا" ونجد نمط الدعاة العاملين في التجارة من أشراف الحضارمة أيضاً في مدينة تمبكتو. ويحتفظ العلويون الأشراف بشجرة أنسابهم العربية في جنوب شرقي آسيا في ماليزيا وسومطرة ويافا وكولمبو وفي ملابر كيرالا. ومن العيدروس من العلويين الحضارمة أحمد بن عبدالله العيدروس صاحب أحمد اباد مدينة أحمد وسورت بالهند واستوطن جده الشيخ ابن عبدالله العيدروس مدينة سورت وكان داعية اسلامياً عرف عند أمراء الهند. ومن الحضارمة أيضاً أحمد السقاف العلوي الحضرمي الذي أقام في جاكرتا باندونيسيا واشتهر بمؤلف "شمس الظهيرة" في انساب العلويين الحضارمة.
وأقام العرب بكثافة في اقليم قوجارات بجنوب الهند واطلق عليهم البرتغاليون اسم "العرب المور" وأطلق على البحارة الشهير ابن ماجد "مور قوجارات" على حد رواية ريتشارد هيل مؤلف "امبراطوريات المونسون". وتحمل العرب المسلمون الذين أقاموا في الهند شرور الامبراطورية البرتغالية التي سوغ لها ملك البرتغال بفتوى بابوية نقل الحرب "المقدسة" ضد "المور" على أيام مانويل ملك البرتغال، ولذلك كرس البرتغاليون جهدهم لتنصير الهنود ودفعهم لاعتناق الكاثوليكية توطئة "لتحطيم المور العرب في تلك الأماكن". وان البرتغاليين لم يأتوا إلى الهند لنقل التوابل إلى البندقية ولكن لاقتلاع الاسلام الذي عمل على ترسيخه "العرب المور" هنالك. ومن ثم عملوا على تحريض أمراء وملوك الهند لطرد العرب من ملابر، وعملوا على اغراق سفن العرب في أعالي البحار ومن هناك عزموا على نسج التحالف مع ملك اثيوبيا برستر جون لاحياء عدوان أبرهة الأشرم الذي غزا الحجاز لتحطيم مكة عام الفيل 571م. ولذلك كان البرتغاليون يخططون في جنوب الهند لاجتياح مكة وطرد المسلمين العرب منها، كما أكد مؤلف امبراطوريات المونسون، ونسبة لتوطّن العرب المسلمين في الهند، وخصوصاً في مالابر، فإن النظرة كانت دائماً قراءة من منافسيهم الجدد في التجارة في القرن الخاس عشر وما قبله لا سيما الأوروبيون والبرتغال بأنهم يوطنون لفتوح إسلامي من كالكتا. وكان الباعث لهذه المخاوف هو تحكم العرب "المور" التام في التجارة الخارجية، وبالتالي سيطرتهم الاقتصادية ونفوذهم السياسي على امراء الهند. بل كان العرب يشكلون وحدات سيادية مستقلة ويحكمها مسلمون ويطبقون أحكام الشريعة الإسلامية. ولازدهار عائدات التوابل ارتفعت مقادير رفاه العرب، وكانت مالابر تستقبل المزيد منهم كقادمين جدد فينة وأخرى، نسبة لحفظهم لسر الرياح الموسمية أو رياح الموسم التي صحفت باسم "مونسون" وظلوا على ذلك الرفاه والاستقلال إلى أن دهمتهم طامة مجيء البرتغال عام 1496م. وبالتالي تبدُّل موازين الأمور ودعم البرتغال لتحالف هندوس الدكان الذي بدأ في التمظهر عام 1346م بهدف انشاء كونفيديرالية سياسية وعسكرية هدفها الأساسي وقف هجومات المسلمين من الشمال. وأشار باروس البرتغالي في كتاب له ان المسلمين المور في مالابر تزوجوا من المواطنين الهنود في الطبقات الدنيا وتحدثوا بلغة "مالايالم" Malayalam وتميزوا بلباسهم عن المواطنين بوضع قبعات مستديرة على رؤوسهم ربما أشبه بالقبعات العريضة المصنوعة من السعف التي يلبسها التهاميون على رؤوسهم. وشكل العرب المور حوالي 20 في المئة من سكان مالابر وأنشأوا عدداً كبيراً من المساجد وكانوا في الغالب سنيين على حد قول باربوسا، وقال أيضاً "كانوا أكثر عدداً وواسعو النفوذ وان السبب الوحيد الذي حال دون صيرورة مالابر إلى دولة عربية "موريه" Moorish State هو وصول البرتغاليين". وكانت Dacca إحدى المراكز التي ازدهرت فيها صناعة النسيج التي انشأها المسلمون "المور" وانتهى توسع المسلمون في دكا إلى فصل Goa "جاوة" من سيطرة Bijayanagar، واستدعى ذلك تحالف سياسي بين المسيحيين الغربيين والهندوس بدافع العداوة المشتركة للعرب.
وأقام العرب أيضاً في جزيرة سيلان التي اطلق عليها العرب "والمور الفارسيين" اسم سيلاو. واشتهرت بخام الذهب والفضة والاحجار الكريمة. وكان العرب حكاماً على جزر المالديف، وكان تأثير العرب على تلك الاصقاع بارزاً عبر احتكارهم تجارة التوابل والعطور والبخور منذ القرن الثامن الميلادي إلى نهايات القرن الخامس عشر الميلادي. وقبل ستمئة عام من مجيء البرتغاليين اثر ازدياد النفوذ التجاري في كافة أرجاء الهند، أثر العرب على سلطان مالابر فاعتنق الإسلام وذهب إلى الحج في مكة. وكان اسمه بيرذمال واعتزل ملكه بعد إسلامه. وامتد نفوذ العرب إلى جزر المحيط الهندي لا سيما جزر أرخبيل سندا Sunda وهي "بلي". ولا ندري ان كان اسمها مأخوذاً من قبيلة "بالي" القضاعية وان وصفت "حضارة بالي" الوثنية بقدمها. ولكننا نلاحظ ان "العرب المور" على حد قول المؤرخين الأوروبيين قد حكموا جيزرة "هال - مهرا" Hal-Mahera بعد أن احكموا سيطرتهم على الساحل في جزر الهند الغربية، وهذا الأسم يكاد ينطبق على اسم قبيلة "مهرة" التي ورد ذكرها سابقاً هنا باعتبار ان بلي ومهيرة من قبائل قضاعة ويشتركان في جد واحد، وتحالف قضاعة كان طوافاً يمكن رصد تحركاته بمستوى عالمي. وبلغ العرب أيضاً جزر "مولوكا/ مالاكا" قبل نصف قرن من وصول الاسبان، وقال المؤرخون الغربيون إن الحكام العرب كانوا مزواجين وكثيري العيال. وكان السكان قد اطلقوا على العرب "المور" عبارة Mofeliman وربما هذه دلالة مقتبسة من عبارة Felix التي أطلقها الرومان على اقليم تهامة الذي عرف باليمن وعلى جنوب غربي جزيرة العرب. وكان حاكم هال - مهرة يسمى السلطان عبدالرحمن، وكان حليفاً لرجاء أمير وحاكم جزيرة يتيدوري Tidore واطلقوا على حاكم ماكيان Makian عمر الصغير. ووجد أيضاً بعض العرب في جزيرة Celabes وعرف الصغير هذا بعبارة "كيشيل" الملّية.
وبلغ الإسلام عبر العرب جزيرة تيدوري في القرن الخامس عشر، وكان المسلمون ناشطون دعوياً في Ternate قبيل وصول البرتغاليين بثمانين عاماً. وقال باروس إن العرب المسلمين ادخلوا لغة "الملي" Malay التي فشت في جزر ملاكا إلى باقي الجزر التي أشرنا إليها. وكان شعوب الجزر لا يشكلون أمة واحدة ولا يتحدثون لساناً واحداً مما جعل من لغة "الملي" لغة عامة في ارخبيل جزر المحيط الهندي. وقال إن سكان الجزر يتحدثون عن أصل لهم خارج دائرة البحار التي انداحوا إليها وقال إن جميع حكام جزر ملاكا Molaccas من العرب "المور".
وأقام العرب في جزر مورو - طي Morotai في الجزء الشمالي من جزيرة هال - مهرة. ولعل نسبة المور إلى طيئ القبيلة العربية المشهورة التي أقامت في جبلي أجا وسلمى بالحجاز أفرزت اسم الجزيرة.
وقال دونالد لاخ في مؤلفه الضخم عن دور آسيا في نشأة أوروبا، إن العرب "المور" كانوا ليني العريكة ومتشددين في التمسك بقيم الإسلام، بل كانت لغة "الملي" Malay تكتب بالأبجدية العربية وان اسم جزر "ملاكا" Malacca يعني بلغة الملي "المنفى".
وأقام العرب في بلاد الروم كذلك للدفاع عن أطراف الشام الشمالية والجزيرة لجوارها لحدود الروم، بل واختلطت نخبة من قبائل قضاعة مع الروم قبل الإسلام وبعده.
وأقام العرب في ملطية لا سيما أهل الشام والجزيرة، والمصيصة وكذلك في أرمينية لا سيما باب الأبواب وكسال ودبيل وباب اللان. وأقام في باب الأبواب أربعة وعشرون ألفاً من أهل الشام. كما ذكر المسعودي والبلاذري. وكان غالب أهل ارمينية اليمانية ولحقت بهم ربيعة وجماعة من النزارية على عهد هارون الرشيد.
وذكر المسعودي في مروج الذهب ان مسلمين أقاموا بين مملكة حيدان وبين باب الأبواب وهم عرب في آجام وغياضي وأودية.
وبلغت القبائل العربية المتنصرة والتي حالفت الروم الاناضول. فهاجرت إياد إليها وأقامت في أنقرة قبل فتوح الإسلام للشام وأقامت باقي القبائل الحليفة للروم وهي بلي وبهراء وبنوالقيني ولخم وجذام وكلب من عريسوس في مقاطعة كابودوشيا الرومية الواقعة على جبال طوروس. وكانت تقع داخل حدود الامبراطورية البيزنطية الشرقية. ذكر وجود هذه القبائل كل من الطبري والواقدي وابن عساكر وسيرة ابن هشام. وورد في رواية أخرى ان الذين تفرقوا في بلاد الروم هم بلي وبهراء وجهينة فضلاً عن لخم وجذام وبليقي وعاملة وكلها محسوبة في قضاعة حيث اقاموا في انطاكية. ولكن بعد الإسلام لم تطب الاقامة للعرب الذين أقاموا هناك نسبة لهجومات الروم العديدة ولعامل المناخ في آسيا الوسطى.
* كاتب سوداني وديبلوماسي سابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.