الكتاب: القبائل العربية في بلاد الشام منذ ظهور الاسلام الى نهاية العصر الأموي المؤلف: محمد عزب دسوقي الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1999 يتناول الكتاب موضوعاً من أهم مواضيع التاريخ الاسلامي وهو القبائل العربية في بلاد الشام منذ ظهور الاسلام وحتى نهاية العصر الأموي. وما يميزه انه يقدم دراسة مدركة لطبيعة الارتباط الوثيق بين التاريخ والانساب، وهي العلاقة التي تشكل إلى حد كبير الهيكل العظمي للتاريخ الاسلامي، وبالتالي لا يتأتى فهم معظم وقائع هذا التاريخ إلا بمعرفة أنساب العرب لارتباطها الوثيق برجالاته وصانعي أحداثه. وعلى رغم ان دراسات أخرى سابقة عالجت تاريخ تلك البلاد في الفترة التاريخية نفسها، إلا انها ظلت دراسات قاصرة، لانها لم تهتم بالعناصر التي أوجدتها أو شاركت فيها. ولذلك فإن الدراسة التي يتضمنها هذا الكتاب تقدم إضافة جديدة من زاوية المزج بين التاريخ والانساب، في إعتبار أن الأنساب القبلية وعصبيات القبائل العربية واتجاهاتها في تلك الفترة المبكرة من عمر الدولة الاسلامية كان لها تأثير مباشر على سلوكها وسياستها تجاه نفسها وتجاه غيرها من القبائل ما يفسر كثيرا من أحداث تلك الفترة. لذلك استهل المؤلف كتابه بدراسة وافية عرض فيها لأهم مصادر دراسته، خصوصا المصادر التي يجري تصنيفها ضمن علم الانساب مثل "جمهرة انساب العرب" لابن حزم وكتاب الانساب للمؤرخ المحقق سلمة بن مسلم العوتبي الصحارتي وكتاب القلقشندي "نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب"، وغيرها من الكتب المهمة في سياق موضوع الدراسة. وبخلاف هذه الكتب عرض المؤلف باقي مصادره التاريخية، الى جانب اعتماده على المصادر الادبية غير التقليدية خصوصا الدواوين الشعرية التي تشكل مصدراً مهما من مصادر دراسة التاريخ الاسلامي. ويتناول الباب الاول من الكتاب فترة ما قبل الاسلام وحتى العهد النبوي، وصولا الى فتح الشام ويركز على تتبع مسار الهجرات القديمة من شبه الجزيرة العربية الى بلاد الشام وسيادة قبائل "قضاعة" فيها إلى جانب التوسع في عرض الدور الذي لعبته قبائل "الأزد" هناك، إذ كان منهم "الغساسنة" ملوك الشام قبل الاسلام، وذلك من وقت خروجهم من اليمن وحتى استقرارهم في المهجر وسلسلة ملوكهم عبر قوائم الانساب. وينتهي المؤلف الى التأكيد على أن الوجود العربي في بلاد الشام لم يكن دخيلا عليها، بل كان قديما يرجع الى ما قبل انهيار سد مأرب في القرن الرابع الميلادي، ومن بعده حيث كانت الشام منطقة جذب لسكان شبه الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ. وتناول الباب الثاني العلاقات بين قبائل الشام وعرب الحجاز في العهد النبوي. واشار الى أنه حتى ظهور الاسلام كانت معظم القبائل العربية في الشام تدين ب"النصرانية" لمجاورتهم للروم وكانت تعارض الدين الجديد، وهذا ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يغزوهم. ومن ثم كانت العلاقات بين قبائل الشام وعرب الحجاز علاقات عدائية صرفة طوال مدة العهد النبوي، باستثناء قلة قليلة من "لخم" و"جزام" و"طيِّئ" أعلنوا اسلامهم ووفدوا على المدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى رغم ذلك فإن الوجود القبلي القحطاني في صحراء الشام كان توطئة لقدوم العرب الى الشام تحت راية الاسلام مما مكن المسلمين من استكمال فتوحاتهم حتى أقصى شمال البلاد. ويرى المؤلف أن القبائل اليمنية في بلاد الشام في القرن الاول الهجري كانت هي حجر الزاوية في تاريخ تلك الفترة لذلك كانت اسرع القبائل التي أجابت طلب الخليفة ابي بكر الصديق رضي الله عنه في التجمع للغزو، وكانت تؤثر العمل في فتح الشام على التوجه الى فتح العراق بل إن المؤلف يقرر أن معركة اليرموك 15 هجرية كانت يمنية الطابع. ويتناول الباب الثالث الوجود العربي في بلاد الشام بعد الفتح، اذ سعى بعض القبائل اليمنية الى الاستقرار هناك، ويرصد المؤلف موقف قبائل "غسان" بزعامة جبلة بن الابهم من المسلمين ويرسم صورة نهائية لتوزيع القبائل العربية في الشام بعد انتهاء معارك الفتح، ويقرر ان السيادة اليمنية لم تدم طويلا بعد الفتح لكثرة من هاجر الى الشام من قبائل "قيس" التي نازعت القبائل اليمنية على السيادة والسيطرة. في الباب الرابع يقدم المؤلف قراءة جديدة ل"احداث الفتنة الكبرى" من زاوية قبلية، ويشدد على أن الصراع بين الامام علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان لم يكن صراعا بين شخصين او بين زعيمين بقدر ما كان في جوهره صراعا بين فئتين من القبائل العربية: فئة قبائل العراق ومعظمها من ذوي الاصول العدنانية التي كان يغلب عليها طابع الخشونة والعداوة والتمرد وفئة قبائل الشام ومعظمها من ذوي الاصول القحطانية التي كان يغلب عليها الالتزام والطاعة وحب النظام وهو الامر الذي مكن معاوية بن أبي سفيان من الانتصار في صراعه. هذا الانتصار الذي غير في موازين القوى لصالح القبائل الشامية على حساب القبائل العراقية. أما الباب الخامس والاخير فيتناول العصبية القبلية في أهل الشام باعتبارها السبب الاول في انهيار الدولة الاموية وزوالها، بسبب ما جرت اليه من حرب شرسة في مرج راهط وتوابعها مما يكشف ان القبائل التي اقامت الدولة بعد انتصارها في الصراع ضد الإمام علي وأهل العراق هي ذاتها القبائل التي اسقطت الدولة بعد هزيمتها في صراعها ضد العباسيين وأهل فارس. وبسبب طابع الحروب القبلية فإن الدولة الاموية لم تعمر اكثر من تسعين عاما.