كان هتلر، طفلا صغيرا... ذات يوم. والذين شاهدوا الصور القديمة لهتلر، شاهدوا كائناً وديعاً، أسود الشَّعر، ذا عينين بريئتين، وشفتين رقيقتين، وأنف صغير، عفَوي الإشارة، والإيماءة. لا بد أنه كان يضحك ضحكة صادقة عذبة، ويبكي بكاء حارقاً عميقاً، ويُثغثغ ثغثغة العصافير، ويلعب بسلاسل المفاتيح، ويشد شعر والدته، ويصرخ بدهشة، واستثارة في وجه الكلاب، والقطط، ويتسلق قطع الأثاث، ويكسر أواني الزَّهر، والمرايا. كلُّ الطُّغاة الكبار، كانوا يوماً أطفالاً، صغاراً، كهتْلَر، الصغير. كاليغولا، موسيليني، ستالين، نيرون، الحجَّاج، هولاكو، ايفان الرهيب، بيتر العظيم وصدَّام حسين. كانوا يرضعون بِلَهف، من حلَمات أمهاتهم، وينامون بسلام، واطمئنان على اكتافهن، وفي حجورهن، ويتبولون، ويتبرزون من دون أدنى مبالاة، في الأماكن، ويُقهقهون من دون تحفظ في الأزمنة. كيف أصبح الطفل البريء طاغية؟ وكيف غدا الحمل الوديع، وحشاً كاسراً؟ وكيف، ولماذا، تحولت النسمة الرقيقة، إعصاراً مدمِّراً؟ هل هذا هو سؤال، المليون دولار، أو البليون استرليني؟ ما أبخسه ثمناً، للإجابة، عن أقسى الأسئلة، عن الحال الإنسانية، عَبرَ التاريخ. عِلْم الجينات، يَعِدُنا بالعثور على إجابات، شبه مؤكدة، عن احتمالات الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض. يقولون لنا، انهم عثروا على الجين، المسؤول عن أمراض القلب، والسكري، وتصلب الشرايين، وأنواع السرطان المختلفة، وأنهم في طريقهم إلى التعرف على طائفة كبيرة من الجينات، المتَّهمة، بأنواع مختلفة من الأمراض. ويذهب بعضهم، أبعد من ذلك، عندما يشيرون إلى احتمال العثور على جينات، مسؤولة عن الانحرافات السلوكية، والأخلاقية، كالعدوانية، والشذوذ الجنسي. وبعض هذه البشائر، علم حقيقي، وبعضها انحرافات علمية، تستجيب لجماعات الضغط السياسي القوية، مثل الحركات النسائية، ومنظمات الشذوذ. سينادي، بعضهم بنبش قبور، بعض الطغاة التاريخيين، أو سرقة خصلات شعر، الأحياء منهم، للتعرف على الأسباب الجينية للطغيان، والاستبداد. وإذا، نجحوا، في ذلك، فإنهم سيثبتون لنا ما نعرفه، وبأثر رجعي عن طغاة تاريخيين، ومعاصرين، فهل سيساعدنا ذلك على معرفة الطغاة المحتملين، المستقبليين؟ وإذا عرفنا، ذلك، فماذا سنفعل بهم؟ هل سنأخذهم من أحضان أمهاتهم لنتخلص منهم، جسديا، أو نودعهم دُوراً للأشخاص المختلِّين جينياً؟ في الأزمنة القديمة، كانوا يقولون بأن المأساة الإنسانية بما فيها الطغيان والاستبداد، تكمن في حظوظنا، وأبراجنا. واليوم يُوشكون أن يقولوا بأن المأساة مخبأة في جيناتنا. إن شيئاً أكثر تعقيداً، في حياة ومجتمعات الطفل الوديع، هتلر، والطفل الرضيع ستالين، حوَّلهما من براءة الطفولة، إلى دموية الطغيان والاستبداد.