على الرغم مما حققه الإنسان من تقدم على جميع المستويات المادية والفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والسياسية إلا أن ظاهرة الطغيان والاستبداد وصناعهما من الطغاة والمستبدين لا تزال تعكر صفو الحياة في كثير من بقاع الأرض. وفي كل الأحوال ظل منهج الطغيان متشابهاً، وظلت نهايات الطغاة المأسوية متماثلة وإن اختلفت في الوسيلة والتفاصيل. ولعل القاسم المشترك للطغاة الأمراض النفسية التي تجعل الواحد منهم غير سوي في عقله وفي تصرفاته.. لقد حفل التاريخ على مر العصور بنماذج من الطغاة ممن سيروا الحياة عكس النواميس والأعراف فأرهقوا الناس وأذلوهم بالتهميش والسجن والقتل والاستعباد. ويظل الناس صابرين إلى مدى ثم ينفجرون كما تنفجر البراكين وذلك عندما يتساوى لديهم الموت والحياة. ولعل من أبرز عتاة الطغيان في الماضي والحاضر كلاً من نعم الطغاة يجمعهم أسلوب واحد وهو اعتقاد كل واحد منهم أن كل ما يفعله وما يصدره من قرارات وأوامر يمثل الحق وما يخالفه يمثل الباطل والسبب في الغالب أن الناصح مبعد والنفعي مقرب، والنفعيون عندهم الاستعداد التام لقطع الرقاب والأرزاق في سبيل تحقيق منفعتهم الشخصية. لقد حفل التاريخ على مر العصور بنماذج من الطغاة ممن سيروا الحياة عكس النواميس والأعراف فأرهقوا الناس وأذلوهم بالتهميش والسجن والقتل والاستعباد. ويظل الناس صابرين إلى مدى ثم ينفجرون كما تنفجر البراكين وذلك عندما يتساوى لديهم الموت والحياة. ولعل من أبرز عتاة الطغيان في الماضي والحاضر كلاً من: * فرعون الذي ادعى الألوهية، واستكبر وطغى في البلاد حيث اتبع نظاماً ثيوقراطياً يستمد من خلاله نظامه السياسي على أساس قدرات لاهوتية باعتباره إلهاً قال تعالى: (وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد) وبالطبع لو لم تكن خلف وحول فرعون حاشية فاسدة أمثال هامان زينت له أفعاله الباطلة وحرضته عليها لما وصل فرعون إلى ذلك الاستفراد بالسلطة ومن ثم الطغيان حيث قال لقومه (أنا ربكم الأعلى). * في الغرب مارست الكنيسة الكاثوليكية أشد أنواع الطغيان والاستعباد مستغلين جهل الناس وسذاجتهم فتحكموا في أحوالهم حتى وصل الأمر إلى إصدار ما سمي «بصكوك الغفران» وقد وقفت الكنيسة حجر عثرة أمام التقدم العلمي والانفتاح الاجتماعي والتطور الحياتي لعدة قرون من الزمن حتى جاء عصر الصحوة وقد ذهب في سبيل ذلك أعداد هائلة من العلماء والمثقفين التنويريين.. * أدولف هتلر الذي تزعم الحزب النازي (حزب العمال الألماني الاشتراكي القومي) المتطرف، وكان هتلر يؤمن ويعتقد بالتفوق العرقي للعنصر الآري على بقية الأعراق والأجناس البشرية، وقد صوت الشعب الألماني لصالح الحزب النازي بعد الأزمة الاقتصادية عام 1929م والتي انطلقت شرارتها الأولى من نيويورك في أمريكا حين انهارت بورصة الأسهم الأمريكية في وول ستريت وبعد وصول هتلر إلى الحكم قضى على معظم معارضيه وقاد ألمانيا إلى الدمار نتيجة غروره حيث هُزمت واحتلت في الحرب العالمية الثانية. * جوزيف ستالين الطاغية الفولاذي الذي حكم الاتحاد السوفياتي من الفترة من 1930م حتى 1953م والذي قضى على كل من عارضه أو شكّ في معارضته لأفكاره وذلك من خلال محاكمات هزلية أو اغتيالات سياسية. * بنيتو موسوليني رمز الفاشية الذي حكم ايطاليا لمدة 23 سنة كان خلالها يعمل كرئيس للدولة ورئيس للوزراء بالاضافة إلى وزارة الداخلية والخارجية أحياناً، وهو مؤسس الحركة الفاشية الايطالية التي تعتمد على البلطجة في تصفية الحسابات حيث كان العنف والقوة أسلوب حكمه وتعامله مع خصومه، وقد كان يتطلع إلى صنع امبراطورية عظمى تشمل دول حوض البحر الأبيض المتوسط. هذا وقد حاول ترسيخ الاستيطان الايطالي في ليبيا حيث قاومه الليبيون الذين وصل عدد قتلاهم خلال مقاومة الاحتلال الايطالي لأكثر من (200) ألف ليبي وفي مقدمتهم شيخ المجاهدين المناضل عمر المختار. * فرانسيسكو فرانكو في أسبانيا ونيكولاي شاوشيسكو في رومانيا وسلوبودان ميلوسيفتش في صربيا، وصدام حسين في العراق وغيرهم ممن زال حكمهم أو في سبيله إلى الزوال. الغريب في الأمر ان الطغاة يقرأون تاريخ ومذكرات وأساليب بعضهم البعض، ويعيدون ويكررون الأخطاء عينها ويستعملون الأساليب نفسها رغم نتانتها وعدم عقلانيتها وأكثر من ذلك يزيدون عليها وسائل طغيان مبتكرة. * في الربيع العربي ملّ الشعب المصري من التهميش، وملّ الشعب التونسي من الاستغلال والإذلال فهبا إلى الشارع يطالبان بالحرية وحيث ان تلك الأنظمة تغتصب الحكم تهاوت مثل ورق الخريف. وقد كان القذافي يعتقد بأنه في منأى عن الثورة لأنه يعتقد بأنه دجّن الشعب الليبي وحكمه حكماً فردياً، ولم يترك له مؤسسات يوصل صوته من خلالها إليه، كما انه استفرد بالحكم فلا يوجد حوله من المستشارين ذي العقل أو الشجاعة ممن يستطيع ان ينصحه فاغتر كما اغتر الطغاة والعتاة من قبله، أمثال فرعون وموسوليني وصدام أو حتى زين العابدين ومبارك. * لقد تشابه أسلوب القذافي مع أساليب من سبقوه فهتلر لقب بالفوهرر وموسوليني بالدوتشي، وفرانكو بالكوديللو وصدام بالمهيب والقذافي بملك الملوك، هذا وقد كانت وسائل النهايات مختلفة لكن الخاتمة واحدة وهي الموت والذل والهوان. قال تعالى: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا). * نعم هناك تشابه كبير بين الطغاة في الصفات والتصرفات، ونوع الحاشية وفي الوسائل والغايات، فكل الطغاة كانوا مستبدين متفردين في السلطة لا يقبلون الرأي الآخر، فيهم كثير من التكبر والغطرسة التي كان من أوضح الأمثلة عليها ما كان يقوم به القذافي في السر والعلن من تصرفات صبيانية لا يستسيغها حتى الأطفال ما جعله موضع استهجان الصغير والكبير، أما دور الحاشية والمناصرين فيعتبر محوراً اساسياً فالطاغية لا يستطيع وحده أن يزاول الطغيان بل هو يعتمد على عتاولة من فاقدي الضمير والمصداقية والأمانة، وهم يزينون له ذلك من خلال ايصال مستشارين ومؤيدين من النفعيين والانتهازيين الذين ينفخون في أذنيه بما يرضي غروره حتى يفقد صوابه، ويسدون أمامه طريق الرجعة فيتمادى في الظلم والعدوان. ولعل من الأمثلة على ذلك قول أحد الشعراء في مدح أحد الحكام فيقول: لو كان يُعبد من بين الأنام فتى كنا لشخصك دون الناس عبّادا وقول آخر يمدح المعز لدين الله الفاطمي: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار أنت الذي كانت تبشرنا به في كتْبها الأحبارُ والاخبار هذا وقد سمعتُ مجموعة من الشعراء تمدح القذافي عبر الفضائية الليبية بما هو أدهى وأمرّ مما ذكر آنفاً، ولم يجرؤ أحد على الانكار والنصح والسبب ان الطغاة يقف خلفهم وحولهم حاشية فاسدة تزين لهم الباطل حتى يزدادوا عزلة وبالتالي يصبحوا هم أكثر إيثاراً، وفي سبيل تحقيق ذلك تجدهم يحاربون الناصحين والمخلصين، ويقدمون الأقل كفاءة ويبعدون الكفء أي ان الأمر يوكل إلى غير أهله فيعم الفساد وتكثر المظالم وتمتلئ السجون وتعلق المشانق وتنتهك الحقوق ويعم الجور. نعم القذافي رجل موتور ومأزوم لديه نرجسية أفقدته بوصلة الزمان والمكان فمنذ توليه الحكم في ليبيا كان شؤما على الأمة العربية والإسلامية وذلك من خلال الأقوال والأفعال. فجميع أفعاله تناقض أقواله كما انه متلون كالحرباء يدعو إلى الوحدة بشرط ضمني أن يكون هو الرئيس وإذا لم يتحقق ذلك يناصب الآخرين العداء، وقد حصل ذلك مع أكثر من دولة فلما عجز دفع رشوة لزعماء بعض القبائل الافريقية من أجل ان يتوجوه نظرياً ملكاً لملوك أفريقيا. لقد حكم ذلك المعتوه ليبيا لأكثر من (42 عاماً) قضى خلالها على جميع مظاهر التحضر من مؤسسات مدنية وعسكرية بما في ذلك منظمات المجتمع المدني واستعاض عنها بما سمي اللجان الثورية ناهيك عن انعدام التنمية والمنهجية ما سوف يحمل حكومة الثوار في المستقبل عبء بناء مؤسسات الدولة، وإعادة النظام المدني الذي يكفل الحقوق ويحدد الواجبات. لقد أوسع القذافي الشعب الليبي إذلالاً وإهانة وتهميشاً ولم يكتف بذلك فمد لسانه وتطاول على الزعماء الآخرين ودولهم بأساليب فيها كثير من الغطرسة واللامبالاة ولم يستطع واحد منهم أن يرد ببنت شفة إلا خادم الحرمين الشريفين الذي ألقمه حجرا حين رد على مهاتراته وسخافاته بقوله للقذافي مشيراً إليه بإصبع يده الكريمة: «الكذب إمامك والقبر قدامك» وقد كسب - حفظه الله - بذلك الموقف شعبية عارمة في كل مكان. خصوصاً لدى الشعب الليبي الذي عقد العزم على التضحية والنضال من أجل الخلاص وتنفس طعم الحرية ومن أجل صنع مستقبل أفضل. نعم لكل ظالم نهاية فالله يمهل ولا يهمل، ولا يسعنا إلا أن نذكر قول الشاعر: يرى القذى في عيون الناس ولا يرى القذى في في عينه ألا يعلم الطغاة ان العدل أساس الحكم.. والله المستعان.