عرض "المؤتمر الدولي الثاني للإعاقة والتأهيل" الذي عقد في المملكة العربية السعودية جوانب متعددة من مسألة الإعاقة التي تعد من الهموم الاجتماعية البارزة. وهنا تلخيص لبعض الوقائع والدراسات. نظمت "جمعية الأطفال المعوقين" في المملكة العربية السعودية و"مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة" المؤتمر الدولي الثاني للإعاقة والتأهيل في مشاركة نحو 300 باحث وأكاديمي متخصص من مختلف دول العالم، وهدف الى إبراز الابتكارات العلمية الحديثة واظهارها وتطبيقها. وتضمن 162 نشاطاً على مدى أربعة أيام، توزّعت ما بين ندوات ومحاضرات ومناقشات وحلقات عمل وبحوث علمية. ومما ورد خلاله، قول الدكتورة خيرية العبد جواد، في دراسة عنوانها "برنامج الكشف المبكر عن الإعاقة السمعية" ان منظمة الصحة العالمية "تسعى الى استئصال الصمم من العالم خلال الأعوام العشرة المقبلة وتحث الدول الأعضاء على البدء بتنفيذ برامج وقاية ومكافحة للاعتلال السمعي وعمل قاعدة بيانات بإجراء الأبحاث لمعرفة حجم المشكلة والأمراض التي تسببه". واشارت الى دراسة اجريت على أمراض السمع في السعودية عام 1990، شملت الأطفال بين سني الرضاعة والثانية عشرة، فكشفت أن 7،7 في المئة لديهم إعاقة سمعية وأن 5،19 في المئة من سكان الرياض معرضون لخطر الإصابة بالإعاقة السمعية. وفي دراسة أجراها المشروع الوطني لأبحاث الإعاقة والتأهيل وإعادة التأهيل داخل المجتمع السعودي عام 1997 كانت نسبة الإعاقة 6،6 في المئة من مجمل العينة وشملت مختلف الأعمار. والدراسة الحديثة في هذا المجال أجريت عام 1998 في "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية" مع فريق من الباحثين المهتمين بالإعاقة السمعية، فكانت نسبتها 13 في المئة، بينها 4،10 في المئة حالاتهم قابلة للعلاج الدوائي أو الجراحي، و6،2 في المئة اعاقتهم السمعية دائمة، أي انهم مصابون بضعف سمعي حسي عصبي يتدرج من الخفيف إلى المتوسط، فالشديد. والهدف من برنامج الكشف المبكر، الوقاية ومكافحة الإعاقة السمعية التي يمكن تجنبها مع تقديم خدمات الرعاية الأساسية الى الذين يحتاجون إليها، ومنع حدوث المرض، بخاصة عند الأشخاص الذين لديهم قابلية للإصابة به، والتقليل من معدل الإصابة أو تخفيفها، والبداية المبكرة لمساعدة الأطفال عند اكتشاف الصمم حتى يستطيعوا اكتساب اللغة بمساعدة المعينات السمعية، وعلاج الحالات التي تحتاج إلى علاج دوائي أو تدخل جراحي مبكر، وتوعية المواطنين على طريقة العناية بالأذن والمحافظة على السمع. وفي دراسة عن "الجديد في مجال نظريات التوحّد" Autism للدكتورة عبير محمود عوض ذكرت أن التوحد هو إحدى الإعاقات التطورية التي قد تصيب الأطفال، وهو من أكثر الإعاقات صعوبة للطفل وأسرته. فهو كثيراً ما يظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، ويتميز بقصور وتأخر في النمو الاجتماعي والإدراكي واللغوي لديه. ولحظت زيادة ملحوظة في عدد حالات الأطفال الذين يعانون التوحد، وقدرت نسبة حدوثه أخيراً بنحو طفل لكل 500 مولود. ولم يصل العلماء والباحثون إلى سبب أكيد للتوحّد، لأنه لا يزال في مجال البحث والدراسة، وهناك نظريات كثيرة ظهرت لتفسير سبب حدوثه، منها الحساسية من الكازيين Casein مادة بروتينية موجودة في حليب البقر والماعز، وكذلك الحساسية من الغلوتيين Glutein مادة بروتينية في القمح والشعير والشوفان، وزيادة نمو الفطريات وتكاثرها في امعاء الأطفال الذين يعانون التوحد. ومن النظريات الجديدة احتمال وجود علاقة بين اللقاح الثلاثي والإصابة به. وهناك الكثير من الوسائل والطرق التي أظهرت فاعليتها في التخفيف من إعاقة التوحد، ومنها المعالجة البيولوجية باستخدام الفيتامينات التي تحتوي نسبة عالية من الفيتامين B6 والماغنيسيوم وكذلك DMG Dimethyl glycein، واستخدام نظام غذائي يخلو من الكازيين والغلوتيين. واستعملت اساليب التعديل السلوكي وعلاج التخاطب والتدريب السمعي. ومن مستجدات العلاج، استخدام هورمون السكرتين الموجود في الجهاز الهضمي والذي ينظم وظائف المعدة، وقد ساعد في تخفيف كثير من أمراض التوحد عند كثيرين من الأطفال الذين عولجوا به. وهذه النتائج هي عن مراحل تجريبية. وفي دراسة عنوانها "الدراسة الوطنية للإعاقة بين الأطفال في السعودية - نتائج ومضامين" أجراها الدكتور محسن الحازمي، تبين "اكتشاف أنواع مختلفة من الإعاقات البشرية الجسدية والعصبية في أجزاء مختلفة من السعودية من خلال خدمات المستشفيات أو برامج الإحالة، ولكن لم تجرَ دراسة ميدانية إحصائية لتحديد حجم الإعاقات وطبيعتها في المملكة". وتهدف هذه الدراسة الى توثيق الأوجه المختلفة للإعاقة في السعودية، والتحقق من انواعها وتوزعها بين الأطفال السعوديين وإثبات عواملها المسببة، الوراثية والبيئية، وكذلك وصف الخدمات الفردية والجماعية المتوافرة في المملكة. واجرى مسحاً ميدانياً للسكان، على مرحلتين رئيسية وتأكيدية، لكل أنحاء السعودية، فريق مكون من أطباء ومعلمين واختصاصيين اجتماعيين وممرضين. وبعد تقويم اولي للحالات، سجلت المعلومات ذات الصلة، ثم أحيل المعاقون والأفراد المشتبه في إعاقتهم على التشخيص النهائي وتدابير الرعاية. وفُحص أكثر من 60 ألفاً من الأطفال السعوديين للكشف على أنواع اعاقتهم المختلفة، وحُدّدت إصابة ما يقارب 4 آلاف منهم بإعاقة رئيسية أو ثانوية، أي نسبة انتشار قدرها 33،6 في المئة. وشملت الإعاقات التي تم توثيقها، الإعاقات الجسدية المختلفة والتخلف العقلي وعيوب النظر وإعاقة الكلام والتعلم وعيوب السمع. وحُدّد توزيع انتشار هذه المجموعات وكذلك التعرف الى الخدمات والدعم الحكومي وغير الحكومي في المناطق، وعُرّفَت المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الوراثية والبيئية. وبالنسبة الى "العوامل المسببة للإعاقة ووسائل السيطرة عليها" بينت الدكتورة صديقة علي العوضي ان مشكلة الإعاقة وما يترتب عليها من تأثير صحي واجتماعي واقتصادي ونفسي تنعكس سلباً على الفرد والأسرة والمجتمع. وتشمل الإعاقات الحركية والذهنية والسمعية والبصرية والكلامية والسلوكية. ومن الأسباب البيئية للإعاقة، التعرض لما يسبب طفرات جينية أثناء الحمل والولادة أو ما بعد الولادة. ومن سبل الوقاية، اللجوء الى الاسترشاد الوراثي والفحص الطبي قبل الزواج، وخصوصاً زواج الأقارب، والتشخيص أثناء الحمل والاهتمام بالصحة الإنجابية للأم والمسح الوراثي لحديثي الولادة. وفي دراسة مشابهة تناولت "العوامل المسببة للإعاقة وسبل الحد منها"، قسمها الدكتور موسى شرف الدين: عوامل عامة يمكن أن تؤدي إلى إعاقة أكثر لدى الأفراد، وعوامل خاصة قد تنتج عنها إعاقة معينة حركية أو عقلية أو بصرية أو سمعية أو مشتركة متعددة. وتصنف هذه العوامل من حيث آلية الإصابة بها بين موروثة تكوينية... ومكتسبة. أما سبل الحد من حصول الإعاقة أو التخفيف من مفاعيلها فهي متعددة تعدُّدَ العوامل المسببة، وإذا أخذنا منظور "منظمة الصحة العالمية" WHO، يمكننا الحد من العوامل المؤدية إلى الإعاقة عبر الاكتشاف والتدخل والعلاج المبكر وكذلك يمكن فرض إلزامية الفحوص قبل الزواج. وثمة اجراءات يُعمل على تطويرها في مجال الهندسة الجينية من شأنها منع حصول عدد من الإعاقات. واقترحت الدكتورة هيفاء المبيريك نموذجاً، عنوانه "تأهيل المعوقين مهنياً من طريق التعليم في الجامعة المفتوحة"، فقالت إن تجربة الدول الأخرى في الجامعة المفتوحة دلت الى نجاحها في تطوير أفراد المجتمع وتعليمهم لأنها تمكنهم من ذلك بحسب ظروفهم. وفي وقت ليس ببعيد ترأس الأمير طلال بن عبدالعزيز مشروع الجامعة المفتوحة التي تكمن اهميتها في تمكين ابناء المملكة المعاقين من الحصول على المؤهلات العلمية، لأن الحاجة تدعو الى تعليم أبناء الوطن جميعاً، لتأسيس قاعدة من المؤهلين في كل مجال من المجالات كمطلب للتنمية الشاملة. وعرضت دراسة "السمات الشخصية للأطفال المعوقين جسمياً ومدى امكان دمجهم بالمجتمع" التي قدمها الدكتور فايز الحاج، المقاربة النفسية - الجسدية ودورها في كشف أثر الإعاقة الجسمية في بعض السمات الشخصية لدى الأطفال المعوقين جسمياً، ما يساعد على وضع برامج تُعنى بالرعاية والتوجيه والتأهيل التربوي والنفسي والطبي والفني الخاص بهم، وتصميمها وتعديلها. وهدفت الدراسة الى التعرف الى بعض السمات الشخصية العقلية والتكيفية للأطفال المعوقين جسمياً وناقشت مسألة دمجهم بالمجتمع، وتوصلت الى ان 89 في المئة منهم قابلون للتعليم العام أو الخاص، ما يؤكد امكان دمج الطفل المعوق بالمجتمع، بحسب حاصل الذكاء لديه، في مقابل 10 في المئة غير قابلين للتعليم لانخفاض هذه النسبة لديهم. وتوصلت الدراسة إلى أن 80 في المئة من عينة الأطفال المصابين بإعاقات جسمية، لديهم القدرة على التكيف والسلوك التكيفي، بدرجات متباينة مع المجتمع الذي يعيشون فيه، بل وان 22 في المئة كانوا من فئة المتفوقين والعاديين في السلوك التكيفي. وذكر الدكتور علي الغامدي "أن حوادث الطرق أحد مسببات الإعاقة في الحياة المعاصرة. وتكشف احصاءات منظمة الصحة العالمية أن هناك ما لا يقل عن 15 مليون شخص يصابون في حوادث مرور، والأكيد أن من أولئك المصابين من ينتهي بهم الأمر الى اعاقات متباينة". ولا يخفى على أحد أن حوادث المرور أصبحت المغذي الرئيسي لعالم الإعاقة في المدة الاخيرة بحسب احصاءات وارقام اعدتها الجهات المهتمة. وعلى امتداد السنوات الثلاثين الماضية، سجلت الاحصاءات الرسمية في السعودية، نتيجة حوادث مرورية الأرقام الآتية: المتوفون اكثر من 78 الفاً، والمصابون نحو 60 الفاً، وعدد الحوادث يزيد على المليون ونصف المليون مع ما يقارب اربعة آلاف حال وفاة سنوياً. وتتركز الخسائر البشرية في فئة الشباب وبمعدل 40 في المئة، ما يعني خسارة فادحة في الفئة المنتجة في المجتمع. وتقدر الدراسات أن نحو الف شخص من المصابين سنوياً في حوادث المرور في السعودية ينتهون إلى إعاقة مستديمة. ويشير آخر احصاءات حوادث المرور لهذا العام إلى أن حوادث التصادم بلغت 72 الفاً وحوادث الارتطام ما يزيد عن خمسة آلاف وحوادث الرَّهس نحو 4 آلاف. وبلغ عدد المصابين اكثر من 6 آلاف، في حين فاقت الوفيات الستمئة. وصاحب "المؤتمر الثاني للإعاقة والتأهيل" معرض شارك فيه عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية ومجموعة من المؤسسات والجمعيات والشركات العاملة في مجال الإعاقة وخدمة المعاقين. وخصص للمعرض مكان مميز ناقش فيه المشاركون الخدمات المقدمة الى المعوقين، والقوا الضوء على الجوانب التطبيقية والخدمية التي تقدمها هذه الجهات. وعرضت الشركات والمؤسسات المشاركة في المعرض المستجدات الحديثة في مجال التجهيزات.