سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يمينها المتطرف أقرب الى جيرينوفسكي الروسي منه الى هايدر النمسوي . رومانيا وبعض عِبر انتخاباتها الأخيرة : شبه بباقي أوروبا الشرقية من زاوية كونها ... موقعها الأضعف
انتهت انتخابات الدورة الثانية للرئاسة في رومانيا في 10 كانون الأول ديسمبرالفائت بارتياح لفوز ايون اليسكو، عن الحزب الديموقراطي الاشتراكي، ضد المرشح القومي. وبذلك انجلت الأزمة السياسية التي خلفها الصعود المفاجئ للحزب القومي في الانتخابات البرلمانية ودورة الانتخابات الرئاسية الأولى في 26 تشرين الثاني نوفمبر الماضي. لكن الخريطة السياسية لرومانيا لم تعد هي نفسها، وحصلت تحولات مهمة في التشكيلات الحزبية داخل البرلمان. فقد أدى انحسار نفوذ احزاب اليمين الى ظهور حزب رومانيا الكبرى القومي المتطرف كحزب رئيسي للمعارضة 20 في المئة بثقل يوازي أحزاب المعارضة البرلمانية الأخرى مجتمعة: الحزب الليبرالي الوطني 7.1 في المئة والحزب الديموقراطي 7.3 والاتحاد الديموقراطي ل]شعب[ المغيار 6.8. وسيقود المرحلة المقبلة الحزب الديموقراطي الاشتراكي ب36.8 في المئة من الاصوات التي تعطيه 44 في المئة من المقاعد البرلمانية، مترجّحاً بين الضغوطات البرلمانية الدافعة للتغيير والممانعة له. ورغم ان نتائج هذه الانتخابات لا تقدم نموذجاً عن باقي أوروبا الشرقية التي تتعرض لظروف اجتماعية مماثلة، فانها ايضاً لا تمثل وضعاً شديد الخصوصية. وهو ما حاولت استنتاجه بعض الصحف الأوروبية معتبرة الحالة الرومانية صعبة بسبب بطء عملية التغيير الاقتصادي والسياسي. فالمعاينة الأولية تظهر ان عقدة الانتخابات الرئاسية كانت تفاعل رومانيا مع محيطها الأوروبي في استعدادها للتحول والاندماج الرأسماليين. فباختلاف عن الانتخابات الماضية في 1996، التي طرحت وعوداً كبيرة حول المساعدات الغربية، جاءت الانتخابات الأخيرة بمثابة انقلاب الى واقعية تنطرح فيها تفاعلات متداخلة مع ضغوط فعلية قائمة. فقد اصبح الضغط الأوروبي اقوى بعد ترشيح رومانيا للانضمام الى الاتحاد الأوروبي وبداية المفاوضات على هذا الاساس في أواخر 1999. لكن رومانيا، كسائر بلدان البلقان، عرفت ثقل الضغوط الخارجية اكثر بكثير من منافع تلك الضغوط المالية، نظراً الى شحة الدعم ومحدودية الاستثمارات. وعنى ذلك ان الثمن الاساسي للتحول دفعته غالبية السكان الى ان بات مستوى الفقر مسألة ومشكلة انتخابيتين. في هذا الوضع ارتهنت اللعبة الانتخابية بحالة اشتداد في الضغوط الخارجية والداخلية. فبعد الانتخابات المحلية في أيار مايو الماضي، التي سجلت خيبة أمل شعبية تجاه ائتلاف يمين الوسط الحاكم، أصبح انتصار الحزب الديموقراطي الاشتراكي في الانتخابات الوطنية شبه مؤكد. وانطلاقاً من هذا المعطى حصلت المنافسة الأشد بين الاحزاب الاضعف، وكانت على الموقع الثاني وبطريقة لم تسمح بتأسيس أي توافق بينها. فقد أمل الوصول الى الموقع الثاني الحزب الليبرالي الوطني، وهو الأقوى والاكثر حداثة بين يمين الوسط. وكذلك الحزب الديموقراطي الذي يقارن عادة بأحزاب التحول الشيوعي في هنغاريا وبولندا. لكن المفاجأة كانت ان حزب رومانيا الكبرى سبقهما الى ذلك بفارق كبير في الاصوات. وقد جاء صعود الحزب القومي ايضاً على حساب الحزب الديموقراطي الاشتراكي وربما بسبب سياسته التي سعت - باعتبار ان فوزه مؤكد - الى شحذ ثقة الحكومة الغربية بعد ارضاء النقابات بتمثيلها في لائحته الانتخابية من خلال البحث عن شريك مستقبلي في الحكم يتمثل اما بالحزب الليبرالي أو الاتحاد الديموقراطي للمغيار. وهي سياسة سرعان ما جرى التراجع عنها على أثر النتائج الانتخابية في تشرين الثاني. لم يكن اذن نجاح الحزب الديموقراطي الاشتراكي على المستوى المتوقع له، مع خسارته جزءاً من الاصوات للحزب القومي. لكنه اكتسب من ذلك شرعية سياسية أقوى، فبدا الحزب الوحيد القادر على الوقوف في وجه التيار القومي مشكلاً الضمان الرئيسي لاستقرار النظام السياسي والانتقال برومانيا في مرحلة انتقال صعبة. وبين ليلة وضحاها تحول مرشحه للرئاسة ايون اليسكو، مرة اخرى، منقذاً وكان قد ترأس جبهة الانقاذ في تشرين الثاني 1989 وانتخب رئيساً في 1990 ولغاية 1996. وقد تم هذا، هذه المرة، بموافقة احزاب اليمين التي - بعد عقد على التعبئة ضده بوصفه "شيوعياً متخفياً" - دعت ناخبيها الى التصويت ضد التطرف. هكذا خلقت الانتخابات واقعاً سياسياً غير سوي. فالحكومة التي سيشكلها الديموقراطي الاشتراكي ستكون في موقع اقلية برلمانية مضطرة للاستعانة بتأييد أحد القطبين داخل البرلمان: القومي أو الديمواقراطي. وستجد الاحزاب البرلمانية كالليبرالي والديموقراطي بالإضافة الى الحزب المغياري نفسها مرتبكة ما بين موقع المعارضة وضرورات احتواء التيار القومي وعزله. اما الحزبان الآخران اللذان فشلا في دخول البرلمان فيتهيئان لاعادة تأهيل بقيادة جديدة. قد يستنتج البعض ان الوضع السياسي في رومانيا هو في تراجع مع استقواء حزب مركزي بتطلعات "دولتية" ودخول اليمين المتطرف في محور المنافسة السياسية الرئيسي. ربما كان ذلك صحيحاً. لكن جرى، في الواقع، تضخيم لحجم التحدي الذي يطرحه الحزب القومي: الصحف الأوروبية قارنته بصعود يورغ هايدر في النمسا، الا انه في الواقع اقرب الى حالة جيرينوفسكي في روسيا باستعراضيته وخطابه السياسي غير المحدد الذي يتلاعب على عدد من المخاوف القومية والاجتماعية ويشحذ الدين كعامل مساعد، واعداً بالقضاء على المافيا وانقاذ رومانيا. ثم ان الوضع السياسي المتقلب يشير الى ظرفية شعبية خاصة، معطوفةً على ان صعوده حصل في فترة قصيرة جداً. ان التخوف من عدم الاستقرار الذي طرق باب الانتخابات في رومانيا مؤخراً اثار حالاً من التنبه الى جملة امور: كضعف التعددية السياسية، ومعضلات الاندماج الرأسمالية التي ترشح دول أوروبا الشرقية الى دور العمالة الصناعية الرخيصة، ومخاطر التحلل المجتمعي مع تهميش وافقار عدد مهم من السكان، والنهب والفساد داخل القطاع العام. هذه المشاكل ستبقى في الواجهة رغم توقعات التحسن في المؤشرات الاقتصادية لرومانيا، مع تسجيل بدايات فعلية للنمو. وفي هذا المجال تبقى الفوارق اقل بكثير من الجوامع بين بلدان أوروبا الشرقية، مما يدعو الى اعتبار ان الخصوصية الرومانية هي خصوصية موقعها الاضعف ليس الا. وهي لذلك تقدم بعض العبر!