كيف يمكن لرجل يعتبر من أغنى أغنياء العالم أن يقتل في شقته في إمارة موناكو في ظروف غامضة ومن دون شهود، كان لديه 11 حارساً شخصياً مجندين لحمايته ليلاً ونهاراً ويعمل معظمهم مع الموساد الإسرائيلي! إنها علامة استفهام لا تزال تكبر منذ عام وتثير التساؤلات حول مقتل البليونير إدمون صفرا. هنا تحقيق حول القضية. في 3 كانون الأول ديسمبر 1999، وجد البليونير إدمون صفرا ميتاً اختناقاً بسبب حريق شب في شقته الفخمة في إمارة مونتي كارلو. أفادت التحقيقات الأولى أن شخصين متنكرين دخلا الشقة المحصنة مثل القلعة وطعنا الممرّض المناوب قبل أن يضرما النار في الشقة فيموت صفرا وإحدى ممرضاته. هذه الميتة الغريبة احتلت فصولها عناوين الصحف العالمية وأحدثت صدمة عنيفة في إمارة موناكو التي تعتبر الأكثر أماناً في العالم، حيث يوجد شرطيّ واحد لكل مواطن من سكانها الذين يعدون 30 ألفاً. بعد مرور 3 أيام على وفاته، أعلن المدعي العام في الإمارة دانييل سيرديه أن الممرض المناوب تيد ماهر من ستورمفيل - نيويورك اعترف بإشعاله النار في سلة للمهملات بهدف إطفائها سريعاً كي يبدو بطلاً أنقذ حياة مستخدمه وينال عطفه، لكنه عجز عن ضبط ألسنة النيران وتسبب بموته. أما الحديث عن أشخاص متنكرين فغير صحيح، والطعنات تسبب فيها ماهر لنفسه. وسرب سيرديه تقريراً الى الصحافة يفيد أن ماهر كان يعيش أثناء وقوع الحادثة حالاً نفسية مضطربة نتيجة الأدوية التي يتناولها. قليلون صدقوا هذه الرواية، ويشير مراقبون الى أن إمارة موناكو تروم الصمت المطبق حول القضية، ويهمس بعضهم أن "المافيا الروسية على علاقة بالحادثة". يعتبر صفرا بحسب آراء عارفيه من ألمع المصرفيين في عصره. وهو كان قادراً على إنقاذ نفسه من الاختناق لو لم ينبه الى وجود غرباء متنكرين دخلوا الى شقته خلسة. عندها أصابه الخوف وأقفل على نفسه بالمفتاح ووضع مناشف رطبة على أطراف باب الحمام لكن من دون جدوى فمات اختناقاً. عند دخول رجال الإسعاف الى غرفة الحمام بعد ساعتين وجدوا البليونير ميتاً مع إحدى ممرضاته وتدعى فيفيان تورينت وهي أميركية من أصل فيليبيني. على رغم صورته المحترمة في مجتمع الأغنياء وأصحاب السلطة، إلا أن وصمة الفضيحة والشك تعقبت صفرا دائماً. اتهم بتبييض الأموال للديكتاتور البانامي مانويل نورييغا ولكارتيلات المخدرات الكولومبية. كما اتهم أن يخته استخدم لنقل الأموال والعتاد لمقاومين ايرانيين. هذه الاتهامات ساقتها ضده ال American Express، لكنه ما لبث أن نال اعتذاراً علنياً ومبلغ 8 ملايين دولار وهبه للأعمال الخيرية. على رغم ذلك يقول أحد أقرب أصدقائه في نيويورك إن صفرا لم يكن "مرتلاً في جوقة كنسية"! المؤكد أن صفرا كان مهووساً بأمنه، ويعتبر نفسه رجلا مهدداً باستمرار، ويصرف الملايين سنوياً على أمنه الشخصي وأمن زوجته وأبنائها وأحفادها. كان يعيش محاطاً بجيش من المرافقين الشخصيين، وكانت الشقة التي قتل فيها مجهزة بأحدث الكاميرات والأجهزة الأمنية. لديه 11 حارساً شخصياً مسلحين، عمل معظمهم مع الموساد الإسرائيلي، يرافقونه بالتناوب ويلتصقون به الى درجة أزعجت أصدقاءه الذين كانوا يجدون أنفسهم محاطين برجال مسلحين كلما قصدوه للزيارة. لذا فإن الأمر الأشدّ غموضاً في هذه القضية هو عدم وجود حارس شخصي واحد معه ليلة مقتله، إذ تم إرسال حراسه الى مقره السكني الآخر الذي يبعد 20 دقيقة من مونتي كارلو. والسؤال المحيّر هو: لمَ لمْ يكن يوجد أي حراس في الشقة لحماية صفرا وهي المهمة الأساسية التي جندوا من أجلها؟ قصص متضاربة تداولتها الصحافة الأوروبية في هذا الشأن أبرزها أن صفرا شوهد في أماكن عدة ساعة الهجوم وبالتالي لم يقتل في الشقة، لكنّ المقربين منه نفوا هذه الأخبار مؤكدين أنه كان مريضاً جداً ويخضع للعلاج وغير قادر على مغادرة مقره. بلغ صفرا 67 عاماً وكان يعاني من مرض "الباركنسون" في مراحله المتقدمة ويصيبه أحياناً الهذيان بسبب الأدوية التي يتناولها، وقد جند لعلاجه 4 أطباء يسهرون عليه ويحضرون في أي وقت ووهب 50 مليون دولار لبناء مؤسسة تعنى بالأبحاث لإيجاد أدوية تعالج هذا المرض. هايدي، زوجة الممرض تيد ماهر التي تعيش في ستورمفيل - نيويورك تقول إن زوجها لم يكن في الخدمة تلك الليلة، وأن أحدهم بدل في مواعيد العمل. وتضيف أن زوجها كان ينوي الاستقالة من عند صفرا على رغم أنه يقبض 600 دولار في الليلة الواحدة ليبقى قريبا من عائلته. وتكشف أن الاعترافات التي أدلى بها زوجها في التحقيق انتزعت منه بالقوة، وأنه أرغم على التوقيع على اعتراف مكتوب بالفرنسية من دون ترجمة إنكليزية. كما هدد بخطف زوجته ومنعها من العودة الى أولادها الثلاثة إذا لم يوقع اعترافاً بجريمته. وتخبر هايدي أن زوجها كان على علاقة وطيدة بصفرا الذي طالما عطف عليه، لكنه أي ماهر كان يكره رئيسة الممرضين سونيا كازيانو. بعد يوم واحد على دفن صفرا، سرت أخبار كثيرة عن الحقد العميق الذي كان بين زوجة صفرا ليلي وسلفيها جوزف وموسى صفرا اللذين يعيشان في البرازيل. وإدمون صفرا سوري من أصل يهودي ولد في لبنان من والد يدعى يعقوب. لم يكن صفرا في أعوامه الأخيرة على علاقة وطيدة مع شقيقيه وهما يلومان زوجته ليلي على تردي العلاقة. وتفيد مصادر مقربة من العائلة أن ليلي عزلت زوجها عن شقيقيه ومنعت تحويل اتصالاتهما اليه، وحين أتى الشقيقان من البرازيل الى مونتي كارلو كان التابوت ختم ولم يتسنّ لهما رؤية جثمان شقيقهما. والإهانة الأخرى للعائلة كانت حين استبدلت ليلي صفرا مكان الدفن من جبل هرزل في إسرائيل الى مقبرة Veyrier اليهودية خارج جنيف حيث تملك منزلا مع زوجها. الحقد بين الزوجة والشقيقين كاد يدفعها الى منعهما من حضور الجنازة، وقد أحيط مكانها بإجراءات أمنية مشددة، ولم يحضر إلا من حددت ليلي صفرا أسماءهم في قائمة وضعتها مؤلفة من 1000 شخص بينهم أسماء معروفة مثل إيلي ويزل الحائز جائزة نوبل والأمير صدر الدين آغا خان، والأمين العام السابق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كوييار، و هوبير دي جيفنشي المصمم الفرنسي ، ولم يحضر أحد من أفراد العائلة المالكة في موناكو مع أن صفرا كان يعتبر الشخصية الأهم في مونتي كارلو بعد الأمير رينييه. جو من الجليد خيّم على الجنازة وكان شقيقا صفرا محاطين بالحراسة المشددة وبعد المراسم حملا التابوت الى المقبرة ولم يذهبا الى المنزل حيث تقبلت ليلي التعازي. تعتبر ليلي صفرا المرأة الأكثر غموضاً في هذه القصة، وهي في أواسط الستينات من عمرها ومن النساء الأكثر غنى في العالم. ورثت 3 بلايين دولار بعد موت زوجها، وعانت الكثير من الالام في حياتها الشخصية وفقدت ابنها كلاوديو وحفيدها البالغ من العمر 3 أعوام في حادث سير مروع. هي ابنة عامل سكة حديد بريطاني هاجر الى البرازيل حيث ولدت . تزوجت في ال19 من عمرها الميليونير الأرجنتيني ماريو كوهين وأنجبت منه 3 أولاد: أدريانا وإدواردو وكلاوديو. عاشت وماريو في الأوروغواي ثم طلقته لترتبط بالبرازيلي ألفريدو مونتيفردي وهو غني يملك سلسلة متاجر إلكترونية. بعد انتحاره ورثت ليلي زهاء 230 مليون دولار وضعتها كلها بين يدي إدمون صفرا. كان إدمون صفرا عازباً في ال40 من عمره، وكان شقيقاه يحضّانه على الزواج فيما هو متردد وخائف من أن ترتبط به امرأة من أجل ماله. لذا وجدت الأرملة ليلي مونتيفردي حظوة لديه. لكن شقيقيه جوزف وموسى كانا يرجوانه عدم الارتباط بها لا سيما أن الشرطة حققت بموت زوجها السابق مرتين، كما أنها امرأة تخطت عمر الشباب ولم يعد باستطاعتها إنجاب الأولاد ولديها أولادها من رجل آخر. هكذا نجحا في إبعاد إدمون عنها، مما شكل بداية العداوة بينها وبين الشقيقين. عاد إدمون صفرا الى نيويورك وهو يفكر بليلي حزيناً على فقدها. في هذا الوقت تزوجت ليلي من رجل أعمال مغربي مولود في انكلترا يبلغ من العمر 35 عاماً. وأرادت أن يدرك صفرا قيمة خسارتها ونجحت فراح يرجوها لتتزوجه فطلقت المغربي وتزوجا عام 1976. لا يوجد بالتأكيد أكثر من 200 شخص حول العالم عاشوا بالرخاء الذي نعم به آل صفرا في الأعوام ال20 الماضية: كانا يملكان منازل في نيويورك ولندن وباريس وجنيف ومونتي كارلو كلها مؤثثة بأفخم الأثاث مع لوحات رائعة، وكلف ديكور غرفة ليلي صفرا في منزلها "لا ليوبولدا" مليوني دولار! وهي عرفت بكرمها والهدايا الثمينة والغريبة التي تقدمها. ملابسات مقتل صفرا لا تزال تتفاعل همساً في مونتي كارلو، وقد تلقى الصحافي دومينيك دون الذي كان ينوي إجراء مقابلة صحافية مع ليلي بناء على طلبها تجلي الأمور كلها ألغتها في ما بعد، مكالمة هاتفية من شخص يسكن في مونتي كارلو طلب منه أن يسألها عن طلقتي الرصاص اللتين وجدتا في جسم صفرا. هذه القصة تداولتها الصالونات في مونتي كارلو همساً، لكن التأكد منها عسير خصوصاً أن جميع ممرضي صفرا والموظفين لديه تلقوا أوامر صارمة تحظر عليهم إعطاء أية معلومات للصحافيين، ودفع لبعضهم مبلغ 100 ألف دولار ثمناً لسكوتهم. كذلك سرت أقاويل تفيد أن شقيقي صفرا كانا على وشك معارضة وصيته التي تم تبديلها قبل أشهر من وفاته لصالح ليلي. من المؤكد أن الذي حصل في 3 كانون الأول 1999 هو أشد تعقيداً من القصة الرسمية التي نشرت، خصوصاً أن الأرملة ليلي ترفض قطعاً إعطاء أية مقابلات صحافية لإيضاح الأمور مدعية الحفاظ على أسرار العائلة، لكنها لا تزال تشتري العقارات والقصور والشقق. في غضون ذلك، لا يزال الممرض تيد ماهر مسجوناً، وله الحق بمكالمة زوجته هايدي 20 دقيقة أسبوعياً مسجلة ومراقبة. مرة ذكر تيد لزوجته اسم ليلي صفرا فتم قطع الاتصال فورياً بين موناكو وستورمفيل!