لم تصل الأجوبة الاسرائيلية والفلسطينية على مشروع التسوية الأميركي امس. غير ان ايهود باراك وياسر عرفات لم يضيعا الوقت. امضيا ساعات من المشاورات المكثفة مع المسؤولين الاسرائىليين والفلسطينيين قبل ان يلتقيا اليوم بحضور الرئيس المصري حسني مبارك. وتشير المعلومات المتسربة من الطرفين الى ان الرئىس بيل كلينتون سيحصل على جوابين متشابهين "نعم ولكن" علماً ان "ولكن" الفلسطينية قد تكون أكبر. فالأفكار التي اقترحها تكاد تكون معروفة وفحواها دعوة الاسرائىليين الى "تنازلات مؤلمة" في موضوع القدس في مقابل دعوة الفلسطينيين الى الأمر نفسه في موضوع "حق العودة". واذا صدقت التوقعات الخاصة بالجوابين فإن اقصى ما يمكن التوصل اليه، في هذه المرحلة، هو استئناف المفاوضات من اجل البحث في عشرات التعديلات التي يقترحها كل من الاسرائيليين والفلسطينيين على المسودة الاميركية المقدمة اليهم. ويمكن لهذا الاستئناف ان يتخذ شكل قمة جديدة على شكل كامب ديفيد تتم الدعوة اليها مع دخول الانتفاضة شهرها الرابع. وقد تستمر هذه القمة الى ما بعد انتهاء ولاية كلينتون حيث في الامكان، كما اشار صحف اسرائيلية امس، ان يقدم الرئىس المنتخب جورج بوش على تعيينه مندوباً عنه بحيث يوقع اعلان المبادئ في الولاية الجديدة فيكون بوش نال حصته، وكلينتون كذلك، ويتم اختصار المدة الفاصلة بين الاتفاق اوائل شباط/ فبراير والانتخابات الاسرائىلية في السادس من الشهر الثاني. ان اختصار هذه المدة ضروري من وجهة نظر باراك وفي مصلحته لأنه يجعله يستفيد من الوقع الانتخابي للحدث مانعاً المعارضة من ان تحشد قوى تدفع به الى السقوط. ويلخص اعلان نشرته الصحف الاسرائىلية قبل يومين جو المعارضة. اذ جاء فيه على امتداد صفحة كاملة ان باراك يبيع اسرائىل في مزاد. ولم يتوان الناطقون باسم المستوطنين عن وصف ما قد يقدم عليه ب"الخيانة" في حين ان منافسه الليكودي ارييل شارون اعلن انه في "حل من تنفيذ اي اتفاق يهدد اسرائيل" اذا ما اختاره الناخبون رئىساً للحكومة. ولخصت "جيروزاليم بوست" في افتتاحية لها الموقف الاعتراضي فكتبت "ان دولة ذات سيادة لا تتنازل عن نصف عاصمتها، لا بل عن نصف المدينة التي تمثل وجودها المستقل، الا اذا كانت مهزومة". ويواجه عرفات، بدرجة اقل، الصعوبات نفسها. فثمة قوى اسلامية ووطنية تدعوه الى الرفض. وهناك في "فتح" نفسها من يبدي تبرماً بالمشروع الاميركي. والواضح ان "الشارع الفلسطيني"، في الشتات خصوصاً، يخشى التوصل الى حل على حسابه. اذا تصاعد الدخان من قمة شرم الشيخ فسيكون دخاناً رمادياً. وهو سيعني العودة الى مفاوضات شاقة دونها عقبات كثيرة ذات صلة بالتفاصيل التي يختبئ فيها الشيطان عادة. العقبة الاولى تتعلق بامكان "تطوير" الورقة الاميركية نفسها من اجل ايصالها الى اتفاق شبيه بذلك الذي جرى توقيعه في واشنطن في ايلول سبتمبر 1993. اي اتفاق تلزمه اتفاقات لاحقة. والعقبة الثانية هي مصير الانتخابات الاسرائىلية نفسها. فاستقصاءات الرأي لا تزال تدل الى ارتباك الجمهور الاسرائيلي. ويعني ذلك ان باراك قد يفشل على رغم عملية الانقاذ التي "يتعرض" لها. والعقبة الثالثة هي توازن القوى في الكنيست نفسها حتى في حال نجاح باراك. صحيح ان الفوز يجدد التفويض الشعبي للرجل ولكن الصحيح ايضاً انه لا يملك اكثرية تتيح له انتزاع الموافقة من كنيست باقية على حالها. والعقبة الرابعة، اذا سار كل شيء في اتجاه الحل، هي ترجمة اعلان المبادئ الى تفاصيل تتعلق بأسئلة من نوع: تقسيم السيادة في القدس وعليها، تعريف النازح او اللاجئ وتقدير حقوق التعويض وامكنة ممارسة حق العودة، الترتيبات الأمنية وشكل الوجود الاسرائيلي العسكري في ظل "السيادة الفلسطينية"، صلاحيات الدولة الوليدة، مصير مستوطنين يسكنون خارج الكتل المنوي ضمها، كيفية اتمام تبادل الاراضي، الوجود عند المعابر، الخ... اذا ظهر الدخان الرمادي في شرم الشيخ فإنه يكون ايذاناً ببدء سباق الحواجز. اما هل يستطيع باراك وعرفات اجتياز هذا السباق؟ فهذا سؤال تصعب الاجابة عنه.