سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاتفاق على تشكيل هيئة للاستماع الى ذوي المفقودين دونه العودة إلى الوراء بفتح دفاتر الحرب . المداولات بين رئىسي الجمهورية والحكومة والوزراء لم تظهر خلافاً ... فلماذا الحديث عنه ؟
اذا كانت العلاقة بين رئىسي الجمهورية اللبنانية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري موضع عناية واهتمام من القيادة السورية، على ما قال الرئىس السوري الدكتور بشار الاسد امام شخصيات لبنانية استقبلها اخيراً، فإن المعنيين بها، اي لحود والحريري، يؤكدان في كل مناسبة متانتها ورغبتهما في التعاون، وينفيان ما يحاول البعض اشاعته عن تباين بينهما حيال القضايا المطروحة سياسياً واقتصادياً وأمنياً. وثمة اوساط حاولت بالأمس تضخيم الاجواء التي سادت اجتماع المجلس الاعلى للدفاع برئاسة لحود، او تلك التي خيمت على الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء، في محاولة لتبرير ما تناقلته وسائل اعلام معينة عن خلاف في شأن قضية لم تكن طرحت بعد، مستبقة بذلك ما سيقرره مجلس الوزراء. وذهبت هذه الاوساط في التعاطي مع المواضيع التي عرضت في مجلسي الدفاع والوزراء، من زاوية وجود تباين في الرأي، خلافاً للموقف الذي اعلنه لحود في مستهل الجلسة، ومفاده "ان اي رهان على وجود خلاف بيني وبين الحريري سيسقط، وان محاولة الاصطياد في الماء العكر مرفوضة، ولن تعمر طويلاً وسيكتشف من وراءها ان لا صحة لما يدعيه". اما لماذا نفخ البعض في نقطة تتعلق بمصير المفقودين والمخطوفين اثناء اندلاع الحرب في لبنان كأنها مادة خلافية بين لحود والحريري على رغم توافقهما على ان لا مصلحة في فتح دفاتر الحرب والعودة بالبلد الى الوراء؟ ففي الاجابة عن السؤال، لا بد من العودة الى بعض النشاطات والاجتماعات ذات الطابع الرسمي، وقد بدأت بالاجتماع الامني - السياسي الموسع الذي ترأسه الحريري في 4 كانون الاول ديسمبر الجاري وخصص لعرض الوضع العام في البلاد، وتردد في حينه ان ترؤس مثل هذا الاجتماع هو من صلاحية مجلس الأمن المركزي الذي يدعو اليه عادة وزير الداخلية. وانتقلت التساؤلات عن الاجتماع الى داخل مجلس الوزراء، عندما اثار الموضوع نائب رئىس الحكومة عصام فارس، فأجابه الحريري ان من صلاحيته الدعوة الى اجتماع امني وسياسي، وان ذلك لا يتعارض مع حق وزير الداخلية في ترؤس مجلس الامن المركزي. وانتهت هذه القضية هنا، ليعود مجلس الامن المركزي في 12 الجاري الى النظر في اقتراح لأمين سره العقيد خليل ابي راشد، عنوانه الحاجة الى عقد اجتماع عاجل للمجلس الاعلى للدفاع لرسم خطة امنية - سياسية قضائية، لمواجهة كل ما هو مطروح على الساحة، من اثارة الوجود السوري في لبنان وقضية المفقودين خلال الحرب والموقف من المطالبة بنشر الجيش اللبناني في الجنوب ومسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين، الى قضية الحريات وقانون المطبوعات وحرية الصحافة والاعلام وعمل المؤسسات الامنية الاستدعاءات، التوقيفات مروراً بتحرك بعض الفئات من خارج النظام. واستحوذت القضايا التي اثارها ابو راشد بمناقشة مستفيضة في مجلس الامن المركزي، خصوصاً ان اهميتها تكمن في مبادرة البعض بضرورة عقد اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع، ظلت بمثابة فكرة مطروحة، الى حين ابلاغ لحود مجلس الوزراء في جلسته في 13 الجاري انه يرغب في دعوته الى الاجتماع. وكان جواب رئىس الحكومة والوزراء ان من حقه الدعوة اليه، ما دام من ضمن صلاحياته. ولكن بعيداً من هذه التفاصيل والمداولات المترتبة على طرحها، ثمة وجود خلل ما، وان كان لم يخترق جدران قاعة مجلس الوزراء ويتعلق بقول البعض ان اهتمامات رئىس الحكومة تبقى في اطار الشق الاقتصادي اي التعاطي معه كأن دوره محصور في هذا المجال، وربما كان هذا الكلام هو الدافع الى ترؤس الحريري الاجتماع الامني - السياسي الموسع، للرد اولاً على مقولة التعامل معه كخبير اقتصادي، اضافة الى ان لا شيء في الدستور يمنعه من الدعوة الى مثل هذا الاجتماع، اذ لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة والأمن، مع الاشارة الى ان من حقه وايضاً من حق رئىس الجمهورية طرح اي فكرة تصبح نافذة، فور موافقة مجلس الوزراء عليها. وهكذا انعقد المجلس الأعلى للدفاع الذي يقرر الاجراءات اللازمة لتنفيذ السياسة الدفاعية كما حددها مجلس الوزراء وتبقى مقرراته سرية، ويولي اهمية خاصة للتعبئة الدفاعية التي تتناول القضايا الاساسية المنصوص عنها في قانون الدفاع الوطني. ولم يكن ثمة تباين يذكر حيال القضايا التي اثيرت، الا اذا اعتبر البعض ان الصراحة التي سادته، وهي لم تكن مألوفة سابقاً، عكست تبايناً في وجهات النظر في شأن ما طرحه، علماً ان لا خلاف على رفض التوطين وتحصين الساحة السياسية وتثبيت الاستقرار العام وقطع الطريق على كل من يحاول اثارة الفتن المذهبية والنعرات الطائفية. ففي اجتماع المجلس الأعلى للدفاع تقدم لحود بعرض مفصل للأوضاع العامة، مؤكداً عدم وجود خلاف مع الحريري الذي جاراه في شرح الموقف. الا ان طول الاجتماع أثار فضيلة بعض الوزراء لأنه أخّر موعد الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء، على رغم ان حصيلة المناقشات عرضت داخل المجلس، وسجل وزير المهجرين مروان حمادة اعتراضه لعدم تمثل الدروز في مجلس الدفاع. واللافت ايضاً ان البعض تعامل مع اجتماع مجلس الدفاع، خلافاً لما هو متعارف عليه، كأنه يوصي مجلس الوزراء بالموافقة على ما يتخذه من قرارات، على نحو يدفع الى الاعتقاد بوجود سلطة للمجلس الأعلى اعلى من سلطة مجلس الوزراء مجتمعاً. وهذا ما تم توضيحه لقطع الطريق على الانجرار وراء تفسيرات سياسية ليست في محلها. اما اذا اعتبر البعض ان المطالبة بتشكيل لجنة قضائية - امنية تهتم بالكشف عن مصير المفقودين والمخطوفين شكلت خلافاً بين لحود والحريري، فإن معظم الوزراء اجمعوا على عدم وجود اي خلاف خصوصاً انهما متفقان على الاطار العام لجهة حصر دور اللجنة او الهيئة، في تلقي الاسئلة من ذوي المفقودين وتوفير الايضاحات لهم، بعد التوفيق في المعلومات او الوثائق التي سيزودونها اياها، انطلاقاً من ضرورة تقدير مشاعرهم ومساعدتهم على استيعاب احزانهم. وقد انطلق الوزراء، على ما قال معظمهم ل"الحياة" من حسمهم قضية تأليف هيئة، من عدم السماح بفتح دفاتر الحرب ومآسيها في البلاد، من جراء اشعار ذوي المفقودين او بعضهم كأن في الامر معلومات تتضارب مع ما اوصت به لجنة التقصي عن المخطوفين التي شكلت اثناء تولي الدكتور سليم الحص رئاسة الحكومة، واعتبرت ان كل مخطوف او مفقود مضى على غيابه اربع سنوات وما فوق، هو بمثابة المتوفي، وصولاً الى اللعب بعواطف الذين فقدوا اولادهم من خلال ايهامهم بأنهم لا يزالون على قيد الحياة، وفي المقابل لعدم تصوير السلطة السياسية كأنها لا تتحسس معهم. وفي هذا السياق، تم التشديد على منع اية جهة من استغلال احزان ذوي المفقودين، لما يتركه من آثار سلبية على الاستقرار العام، اضافة الى احتمال تأثير مثل هذه الاجواء في مضي وزارة المهجرين في رعاية المصالحات في جبل لبنان. وعليه فإن الهيئة التي ينوي مجلس الوزراء تشكيلها هي ذات طابع انساني - استماعي، مكلفة تلقي المراجعات والشكاوى والتدقيق فيها، متبنية تقرير اللجنة التي كلفتها حكومة الحص في تموز يوليو الماضي وتقرير اللجنة القضائية - الامنية التي شكلها اخيراً مجلس الوزراء وتولت تسلم المساجين اللبنانيين من السلطات السورية واعتبارها ان لا موقوفين في السجون السورية. وأوحى تشكيل الهيئة، انطلاقاً من حسم مجلس الوزراء مسألة الموقوفين في سورية والمفقودين ابان الحرب في لبنان، كأن الملف فتح مجدداً، خلافاً للاطار العام الذي حدده المجلس وستتحرك الهيئة بموجبه.