غابريال غارسيا ماركيز، أديب كولومبيا وأميركا اللاتينية وأحد أبرز أدباء العالم الأحياء، انسحب من الحياة العامة قبل فترة. السبب: سرطان الدم والرئتين. ولأن وضعه يتدهور بإيقاع متسارع، وجّه "رسالة وداعية" الى أصدقائه الكثيرين في العالم، حملها الانترنت بلغاتهم الكثيرة. وبالنص القصير هذا ينتهي غابريال غارسيا ماركيز 72 عاماً شاعراً يتأمّل في الوجود ومعنى الحياة، هو الذي بدأ روائياً وصحافياً، والى حد ما سياسياً. هذا ما جاء في "الوصية": "لو نسي الله للحظةٍ انني مجرد دمية تافهة، وحباني قطعة من حياة، لما كان ممكناً أن أقول كل ما أفكّره، بل كنت لأفكّر كل ما أقوله. كنت لأقدّر الأشياء، لا بسبب قيمتها بل بسبب ما تعنيه. كنت لأنام قليلاً وأحلم أكثر، مدركاً أننا نخسر في مقابل كل دقيقة نغلق فيها عيوننا، ستين ثانية من ضوء. كنت لأسير حينما يقعد الآخرون. كنت لأستيقظ حين ينام الآخرون. كنت لأنصت حين يتحدث الآخرون. ويا لي كيف كنت لأستمتع ببوظة شوكولا طيّبة في ما لو حباني الله قطعة من حياة! كنت لألبس لباساً بسيطاً، وكنت لألقي بنفسي، أولاً، الى الشمس فلا أعرّي جسدي فحسب بل أعرّي روحي أيضاً. يا الهي. لو كان لدي قلب لكتبت حقدي على ثلج ولانتظرت الشمس ان تظهر. ولكنت فوق النجوم رسمت، بحلم فان غوغيٍّ، قصيدة لبينيديتّي. ولقدّمت للقمر سريناداً هو أغنية لسيرّات. بدموعي كنت لأغسل الزهور كي أشعر بالألم في أشواكها وبالقبلة الحمراء في عنقها. يا الهي. لو قُيّضتْ لي قطعة من حياة لما تركت يوماً واحداً يمرّ من دون إخبار الناس أنني أحب ]فكرة[ أن أحبّهم. كنت لأقنع كل امرأة وكل رجل أنهما المفضّلان عندي. وكنت لأعيش في حب للحب. كنت لأُظهر للرجال كم يخطئون اذ يظنّون انهم يكفّون عن الحب حين يطعنون في السن، غير مدركين انهم لا يطعنون الا حين يكفّون عن الحب. للطفل كنت لأعطي الأجنحة، لكنني كنت لأعلّمه أن يطير بنفسه. كنت لأعلّم المُسنّ أن الموت لا يأتي مع التقدم في السن، بل مع النسيان. آه كم تعلّمت منكم أيها الناس. لقد تعلمت ان كل واحد يرغب في العيش على قمة الجبل، من دون ان يعرف ان السعادة الحقيقية هي في كيفية قياس القمة. لقد تعلمت ان الطفل الوليد حين يقبض بكفّه الصغيرة على اصبع أبيه ويشدّ للمرة الأولى، يكون قد أوقعه في فخّه الى الأبد. لقد تعلمت ان الرجل لا يملك الحق في ان يحتقر رجلاً آخر الا حين يساعده في الوقوف على قدميه. منكم تعلمت أشياء كثيرة جداً بيد أنها، في الحقيقة، بلا فائدة. ذاك انني حين أُبقيها داخل هذه المحفظة أكون أموت بطريقة غير سارّة غابريال غارسيا ماركيز".