وضعت التطورات الأخيرة في سوق النفط منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية امام منطف جديد بعدما فقد سعر البرميل خلال اسبوع واحد حوالى ستة دولارات، الأمر الذي يضع الدول المنتجة بشكل عام ودول "أوبك" ومنها دول المجلس أمام تحد جديد يفرض وضع سياسات انتاجية جديدة. تتصل التطورات الأخيرة في سوق النفط بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي لدول مجلس التعاون حيث تنهي في حال استمرارها هبوط الأسعار الى نهاية احدى "السنوات السمان" للدول المنتجة وارتفاع العائدات المتوقعة لدول المجلس الى أعلى مستوى يمكن ان تبلغه منذ بداية التسعينات وهو 151 بليون دولار. وكشفت هذه التطورات ان ارتفاع اسعار النفط في السنة 2000 على رغم زيادة "أوبك" انتاجها أربع مرات بواقع 3.7 مليون برميل يومياً وزيادات الانتاج عن دول اخرى ان ذلك يعود كما رأت "أوبك" لعوامل خارجة عن العرض والطلب خصوصاً الى المضاربات في الأسواق. وزادت "أوبك" انتاجها تحت ضغط ارتفاع الاسعار ووضعت آلية سعرية لذلك تلزم "أوبك" بالتحرك في حال خروج الاسعار لمدة 20 يوم عمل متواصلة عن نطاق سعري يبلغ 22 - 28 دولاراً. وجاء تحرك "أوبك" نتيجة استمرار الاسعار فوق هذا النطاق معظم النصف الثاني من السنة 2000 وبما يزيد على 30 دولاراً للبرميل. ولم يكن بالامكان حدوث هذا التحرك من جانب "أوبك" لولا الجهود المكثفة لدول مجلس التعاون بالتعاون مع دول اخرى منتجة للنفط التي عملت جاهدة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب. وساهمت دول مجلس التعاون وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، اكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، في صياغة اتفاقات اولية مع فنزويلا شريكها في "أوبك" والمكسيك من خارج المنظمة وبتأييد دول "أوبك" ومنتجين آخرين في اتخاذ قرارات منذ نهاية 1998 قضت بخفض الانتاج ومن ثم زيادته ابتداء من تشرين الثاني نوفمبر 1999. الأمر الذي عزز ثقة الاسواق بدور دول الخليج ومنظمة "أوبك" عموماً في أسواق النفط الدولية، وانعكس ذلك بشكل واضح في منتدى الطاقة العالمي الذي عقد في تشرين الثاني الماضي في الرياض في المملكة العربية السعودية. وشكل المنتدى، الذي شاركت فيه اكثر من 50 دولة من الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، اعترافاً عالمياً بأهمية دول مجلس التعاون ومنظمة "أوبك" عموماً في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط، واهميتها في استمرار نمو الاقتصاد الدولي والعمل على تحقيق مصالح المنتجين والمستهلكين وتأسيس قاعدة للتفاهم والتعاون المشترك بين الطرفين. الاحتياط وتنبع أهمية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من كونها تملك نحو 40 في المئة من احتياط النفط العالمي، وهي جزء من منطقة الخليج التي تحتوي على 65 في المئة من الاحتياطات النفطية الدولية، اضافة الى كونها تملك طاقات اضافية انتاجية تزيد على مليوني برميل يومياً، لتكون بذلك مفتاح التحكم باستقرار الاسواق وضبط حركة الاسعار على رغم ايمانها وسياستها الثابتة التي تقوم على مبادئ السوق الحرة. لذلك برزت السنة الجارية أهمية تطوير الآبار النفطية في دول مجلس التعاون وغالبيتها من الحقول العملاقة، واكتشاف وتطوير حقوق جديدة لزيادة الطاقة الانتاجية في هذه الدول استعداداً لمواجهة الطلب المرتفع على النفط في السنوات المقبلة. الطلب وتقدر الدوائر النفطية الدولية ان يرتفع الطلب على النفط من نحو 76.2 مليون برميل يومياً السنة 2000 الى 94.2 مليون برميل يومياً سنة 2010 و111 مليون برميل يومياً سنة 2020. وساعد ارتفاع اسعار النفط في السنة 2000 حيث زاد متوسط سعر البرميل من 17.9 دولار عام 1999 الى 27.2 دولار السنة الجارية في تحسين الموازنات الخليجية نتيجة ارتفاع عائداتها النفطية وتحقيقها فائضاً مالياً يُقدر في المملكة العربية السعودية بنحو 13 بليون دولار وفي دول مجلس التعاون يتجاوز 25 بليون دولار. الاستثمارات وسينعكس ارتفاع اسعار النفط في جانب منه على تخصيص دول مجلس التعاون استثمارات اضافية لتطوير الآبار النفطية وزيادة طاقتها الانتاجية في اطار التزام دول المجلس بالحفاظ على ضمان الامدادات وأمنها، والحفاظ على هامش في فائض الطاقة الانتاجية يمكن من سرعة التجاوب زمن الأزمات. وتلجأ دول المجلس لتأمين استثماراتها الضخمة في بناء الطاقة الانتاجية لتلبية حاجة الاقتصاد الدولي من النفط عن طريق الحد من مخاطر السوق. وشددت دول الخليج ومنظمة "أوبك" عموماً على مسألة أمن الطلب العالمي على النفط مقابل أمن الامدادات، وهذا ما انعكس بشكل واضح في اعلان كاراكاس الذي صدر نهاية ايلول سبتمبر الماضي عن قمة دول "أوبك" في فنزويلا. لذلك تعمل دول الخليج على ان تكون الاستثمارات النفطية الجديدة مقرونة بالتزام الدول المستهلكة بعدم التمييز غير العادل ضد المشتقات النفطية والتأكيد على أمن الطلب على النفط لكي تتحمل دول مجلس التعاون أعباءها المالية. وفي هذا الاطار عملت دول مجلس التعاون على فتح أبوابها امام الاستثمارات الاجنبية لتوظيفها في مجالات صناعة النفط. واستقدمت المملكة العربية السعودية عروضاً في هذا المجال من كبريات شركات النفط الدولية لتوظيف ما يزيد على 100 بليون دولار في تطوير آبار النفط والصناعات النفطية الاخرى. كما تدرس الكويت الاستفادة من التكنولوجيا الاجنبية في تطوير الحقول الكويتية. وبحثت أبوظبي في توسيع دائرة المشاركة الاجنبية في حقل زاكوم العلوي الذي يعتبر احد أكبر الحقول البحرية في العالم. وبقدر ما قادت دول الخليج المنتجين الى ابداء مرونة كبيرة في توفير امدادات كافية من النفط الخام للحد من الارتفاع الكبير في اسعار النفط، اكدت على ضرورة استمرار الحوار بين المنتجين والمستهلكين، حيث ان تذبذب الاسعار لا يخدم الطرفين. ويرى الخبراء ان التحديات المقبلة امام صناعة النفط في العقد المقبل، لها انعكاسات مختلفة على دول مجلس التعاون، تتركز في تغير المناخ، واعادة الحياة الى صناعة التكرير والطاقات المتجددة، ومنظمة التجارة الدولية والعولمة والضرائب على النفط. ويؤكد الخبراء ان التحدي المباشر امام صناعة النفط في السنوات المقبلة يكمن في ادارة وجهتها عن فترة تمتعت بها بفائض من الطاقة الانتاجية الى حال ضيق متزايد في الامدادات، حيث يتوقع ان يزداد الطلب الدولي على النفط بمعدل مليون برميل يومياً، وقد يصل الى 1.5 مليون برميل يومياً سنة 2001، فهذه الزيادة التي تصل نسبتها الى 1.5 في المئة سنوياً يمكن ان تقضي سريعاً على فائض الطاقة الانتاجية في العالم. لذلك تتميز سياسات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العمل من اجل استقرار اسواق الطاقة واخذ زمام المبادرة لاستقرار اسواق النفط في اطار منظمة "أوبك".