اسم المخرج السوري غسان جبري يرتبط الى حدٍ بعيد بمسيرة الدراما التلفزيونية السورية منذ بداياتها الأولى، ويستمر حضوراً فاعلاً من خلال نتاجات جديدة لا يزال يحققها في هذه الأيام. غسان جبري واحد من مخرجين قلائل عايشوا صعوبات الولادة العسيرة، فهو الى جانب علاء الدين كوكش أبرز من لا يزالون في ساحة الإخراج التلفزيوني من جيل أسّس في ظروف انتاجية شبه استثنائية، وقدم أعمالاً تلفزيونية تتذكرها أجيال متلاحقة من المشاهدين في سورية والوطن العربي، خصوصاً وأن جبري حقق مسلسلات تلفزيونية في أكثر من بلد عربي، وقبل نشأة الفضائيات بزمن طويل. انه واحد من جيل أطلق عليه النقاد - ولا يزالون - اسم جيل الأبيض والأسود حين كان المسلسل التلفزيوني يعرض مرة كل أسبوع، ويكاد انتشاره ينحصر في بلد الإنتاج، ما فتح باستمرار أبواباً فكرية واسعة أمام الكتّاب والمخرجين لتحقيق أعمالهم بشروط رقابية مرنة، ما لبثت أن تعقدت بعد رواج الدراما السورية ودخولها أسواق المحطات العربية التي تمتلك كل واحدة منها قائمة خاصة بالممنوعات والموضوعات المحظورة. أبرز ما يميز أعمال غسان جبري الحرفية الفنية، والتي تبدو واضحة للمشاهد من خلال اهتمامه بتعبيرية المشاهد، وأهم من ذلك من خلال عمله الكبير على الممثلين، سواء منذ الاختيار، أو بعد ذلك من مقدرة على دفعهم لتقديم قدراتهم الابداعية. يمكن ملاحظة ذلك في معظم الأعمال التي حققها غسان جبري - خصوصاً في العقد الأخير - ولكن بوضوح أشد في "القيد"، حيث نجح في ابراز القدرات الفنية لمعظم أبطال العمل وتحديداً لينا حوارنة وفراس ابراهيم الذي كان وقتها يخطو خطواته الأولى في العمل التلفزيوني، مع أن "القيد" في صورة عامة قدم حكاية ميلودرامية تقترب كثيراً من حكايات السينما الهندية بعواطفها ومصادفاتها، واعتمادها شبه الكلي على مقولات أخلاقية لا ترتبط بوضوح كاف مع وشائجها الاجتماعية. نقطة رئيسة في دراما غسان جبري عموماً، إذ يتكئ المخرج دوماً على الجوانب الأخلاقية للعمل ويبدو - على حدٍ كبير - أكثر مخرجي الدراما السورية حرصاً على هذا الجانب، التزاماً بمقولة ان التلفزيون عرض مفتوح أمام أفراد الأسرة كلهم، ولهذا ينبغي أن ينأى عن كل ما من شأنه تشويه المفاهيم، أو إدخال المشاهدين في موضوعات لا تليق بالتربية الأخلاقية. حقق غسان جبري في السنوات الأخيرة عمله الأهم "النصيّة"، عن نص كتبه فؤاد شربجي، وعالج من خلاله أزمة الطبقة الوسطى، حاملة الثقافة والأمينة على العادات والتقاليد، وما شهدته هذه الطبقة ولا تزال من تحوّلات أدت بها الى التفتت نزولاً عن بعض فئاتها الى المستويات الدنيا، وصعوداً من فئات أخرى، الى ذرى اجتماعية أعلى. وعلى رغم جدية المعالجة التلفزيونية لكاتب العمل ولمخرجه على حدٍ سواء، بقيت فكرة المسلسل الرئيسة فكرة رمزية لا تسلم مفاتيحها للمشاهد العادي بسهولة، ما جعل المشاهدة الجماهيرية الواسعة لهذا العمل تقوم على متابعته بوصفه مسلسلاً اتصف بكثير من عوامل التشويق، فحقق الى حدٍ ما نجاحاً جماهيرياً ملحوظاً من دون أن يحقق الأهداف والمغازي الفكرية. غسان جبري واحد من صناع الدراما التلفزيونية المثابرين على تقديم أعمال لا تغامر كثيراً في التجريب الشكلي، لذا يصفه المخرجون من أنصار المدرسة الشكلانية بالتقليدية ويأخذون على جيله أن أعمالهم أقرب الى الأعمال الإذاعية التي لا تحتل الصورة فيها مكانها الأبرز، ويرد جبري بدوره بأن الفن الدرامي التلفزيوني هو محصلة علاقة حيوية بين الشكل والمضمون. ومن هذه النقطة يسجل غسان جبري موقف افتراق واضح عن تيار ما بات يعرف في الساحة الفنية ب"الفانتازيا التاريخية"، ويرى ان هذه الفانتازيا قد غرقت كثيراً في ألعاب تزيينية ليست لها علاقة حقيقية بمضامينها. لعل تجربة غسان جبري الفنية الطويلة، شهدت من دون شك تحقيق عدد كبير من الأعمال التي تنوعت بين المعاصر والتاريخي، وحتى المسلسلات البدوية، وهو تنوع أعطى لهذه التجربة نكهة خاصة يمكن ملاحظتها في عمل المخرج بدأب على مشاهده، وأيضاً على أداء ممثليه، خصوصاً وقد تعامل مع الغالبية الساحقة من الممثلين السوريين المخضرمين والجدد على حدٍ سواء، وتمكن خلال ذلك كله من تحقيق حضور فني له جمهوره الواسع وان لم يحقق أعمالاً يمكن وصفها بالموضة السائدة، حيث غلب على عمله عموماً، صفات التأني. غسان جبري واحد من قلائل عشقوا فن الإخراج التلفزيوني، من دون العبور من محطة الدراسة الأكاديمية، ولكنه مع ذلك راكم خبرة طويلة، ساندتها موهبة ملحوظة، فحقق نجاحات كثيرة.