إذا صح أن خمسين مسلسلا تلفزيونيا انتهى منها منتجون ومخرجون وممثلون سوريون لتُعرض في شهر رمضان هذا وما يليه، لا يعود مفتعلا السؤال عن عدد الأفلام السورية المنجزة العام الماضي والتي هي قيد الانجاز خلال العام الحالي. إذ فيما ماكينة الدراما والفانتازيات والسهرات التلفزيونية لا تكاد تتوقف في سورية، إنتاجا وتوزيعا ومنافسة، يلحظ المرء توارياً للمنتوج السينمائي السوري يعوزه التفسير الصريح. وفي البال أن سينما هذا البلد عُدّت، الى فترة قريبة، سينما مميزة عربيا بجديد ما طرحته أفلامها: إبداعيا وجماليا وفكريا. وهذا ما يستثير في الخاطر ظنا - ليس في محله طبعا - بأن نشاط العمل التلفزيوني، جيدا كان أو رديئا، رفيعا أو رتيبا، لا يستقيم إلا إذا ضعف العمل في السينما وسار إلى خراب. في عهد سورية الجديد؟ ثمة نشاط، محمود على أي حال، في إشهار البيانات أو العرائض، حسب مسمّاها التقليدي والقديم؟ تتوجه فيها نخب ثقافية وفعاليات إقتصادية وإجتماعية إلى أصحاب المواقع الرسمية العليا في البلد، ويدعون فيها هؤلاء إلى تهيئة حياة سياسية مغايرة للراهنة والقائمة بإطلاق الحريات وتفعيل المجتمع المدني وغير ذلك من موجبات نظنها ألزم ما يكون لسورية ولغيرها طبعا. والسينمائيون السوريون معنيون بهذا كله ويصرحون به. ومنهم من مهر اسمه على "بيان ال99" غير المسبوق، والذي طولب فيه، مثلا، بإرساء دولة القانون وحرية الاجتماع والصحافة. وكان من هؤلاء المخرج محمد ملص وهو أخبر من غيره بما تحتاج إليه سينما بلاده لتستأنف سيرها إلى طموحها إياه في تحقيق فرادتها وتمايزها وحيويتها. لقد طالب ملص، في رسالة مفتوحة، بإطلاق الحريات العامة والاعتراف بالتعددية السياسية. وقبل ذلك وبعده، بدعم الدولة للانتاج السينمائي وإعادة النظر في احتكارها لكل النشاط السينمائي في مؤسسة وحيدة، وبضمان إعطاء حرية التعبير للفن السابع، محمّلاً إدارة مؤسسة السينما الحكومية مسؤولية ما سماه "تدهور وضع السينما في سورية". إذا ما نُظر جديا في هذه الاقوال، المنشورة قبل أيام، بات من الممكن الافتراض أن غياب ما طالب به ملص، او على الارجح ندرته، من أسباب ضمور السينما السورية اليوم. ومطالبه قد يبدو أنها ليست من لوازم العمل التلفزيوني السوري الذي لا يلح الناشطون فيه عليها، بدليل وفرة منتوجهم وتنوعه وحضوره وجاذبية بعضه أيضا. فإذا أراد السينمائيون السوريون أن يصير لمنتوجهم شأن، كما نظراؤهم اولئك، بات عليهم أن يكفّوا عن ذاك "التفلسف"، وهم أدرى بذلك. بل انهم كانوا سبّاقين في سنوات سبقت في ادراك المسألة والعمل على هديها. وقد أنجزوا أفلاما جديرة بالتنويه. وقد كان ملص منهم حين قدم "أحلام المدينة" عن وحدة مصر وسورية في الخمسينات و"الليل" عن حرب فلسطين في الاربعينات. وهو لن تخونه ملكاته الفنية إذا ما ابتغى إبداع فيلم جديد عن تينك السنوات، وسابقاتها أيضاً. في الاخبار أن رئيس الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو اجتمع، قبل أسابيع، مع سينمائيي بلاده، وبدل طمأنتهم الى أن "التغيير" الذي سيتم سيحسّن فرص الانتاج والعمل في مؤسسة السينما السورية، لفت أنظارهم إلى أن مرسوم إحداث هذه المؤسسة المهمة في مسار السينما العربية عموما، والصادر قبل سبعة وثلاثين عاما، نص على مهمتها غير المتعلقة بانتاج افلام روائية، بل افلام سياحية ودعائية تعبوية تخدم الثورة فقط! ترى هل هذا ما يطالَب السينمائيون السوريون بإنجازه إذا ما أراد أحدهم أن يجتهد في جديد ومختلف يهجس بالتعبير عنه؟ ترى هل هذا غير مطلوب أبدا من الناشطين في العمل التلفزيوني السوري ممن لا يساورهم ذلك الهاجس المشار إليه، ما يجعلهم يستأنفون نشاطهم بلا ملل ولا كلل فيهيؤن خمسين مسلسلا لم تُعرض بعد، عتادها تاريخ بعيد وتسالٍ مرحة وفانتازيات و مشهديات مبتكرة وفكاهيات طريفة، وكلها على مقادير من التشويق والإمتاع والتنويع لكنها، في أغلب الظن، بغير حاجة إلى ما سمّاه محمد ملص ورفاقه، والى ما طالبوا به من أجل سينما سورية جديدة... تبقى مُنتظرة.