لم يكن كثر قد شاهدوا أيّاً من حلقات مسلسل «فوق السقف»، عندما تناهى إلى الأسماع خبر إيقاف «التلفزيون العربي السوري» بثّه، فما كان من هؤلاء إلاّ أن ازداد اهتمامهم بالمسلسل، لتحرّي اسباب المنع، ما يعني أن جزءاً من شهرته تعود الى موقف الرقابة منه... كالعادة! ومهما يكن من أمر هنا، لا يمكن المرور على أمر هذا المسلسل وشأنه من دون الانتباه الشديد إلى حقيقة أنه من إنتاج القطاع العام، ممثَّلاً بالمؤسسة الوليدة «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي»، وهي الجهة ذاتها التي أنتجت المسلسل الإشكالي الآخر «سوق الورق»، الذي دفع «جامعة دمشق»، وهي مؤسسة عامة يُفترض بها أن تكون علمية ورصينة، إلى إصدار بيان يخلو من أيٍّ من نبرات الرصانة، إلى درجة أنها ستتحدث عن «تلاحم» بين الطلبة وأساتذتها!.. ننتبه الآن، إلى أن «المؤسسة» المذكورة في إنتاجيها التلفزيونيين، في عامها الأول، أثارت المشكلات الناجمة عن عدم تحمُّل جهات مؤسساتية حكومية أخرى ما ورد في العملين، فلا «جامعة دمشق»، ولا «التلفزيون العربي السوري» تالياً، أمكن لهما تحمّل ثقل ما ورد في المسلسلين. وربما (وبعض الظن إثم هنا، ودائماً) يكون هذا ما دفع الحكومة السورية إلى إجراء تغيير حاسم، أو قاصم في المؤسسة، نجم عنه إزاحة الناقدة ديانا جبور عن إدارة المؤسسة، وتعيين المخرج فراس دهني مديراً عاماً لها. نقول هذا رغم ما سمعناه من خلاف شديد بين الناقدة ديانا جبور والسيد وزير الإعلام الجديد، من دون أن ندري جوهره، كما أننا نقول هذا من دون أن نتهم دهني بأنه سيكون أقل مهنية أو حِرَفية، وإن كان اعتقادنا يرى أنه لن يذهب إلى تكرار تجربة جبور، على الأقل اتعاظاً بما انتهت إليه! مؤسسة عامة تنتج، ومؤسسة عامة أخرى ترفض، وتستنكر، وتتمرد، وتصدر بياناً مضاداً لما أنتجته مؤسسة عامة!... نحن سننظر إلى الأمر باعتباره حاملاً للعديد من الإشارات الإيجابية، أهمها -بل في مقدمها- أنه يمكن للفرد أن يجترح شيئاً، وأن يقدِّم جرعات مختلفة من الجرأة، انطلاقاً من قناعاته ورؤاه، وبالتالي فما الاصطدام بين مؤسسة عامة ومنتوجها الإبداعي وبين موقف مؤسسة عامة أخرى، سوى تعبير عن الاختلافات بين الأفراد، لا بين التوجهات. نعرفُ المخرج سامر برقاوي ونعرف مشروعه البصري منذ أن كان فرداً في مجموعة «ورشة أيلول السينمائية»، قبل انتقاله للعمل في الدراما السورية مساعدَ مخرج بداية، ومن ثم مخرجاً للعديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية، التي لاقت نجاحاً وقبولاً. من هنا، لا نجد غرابة في أن يتصدّى لإخراج «فوق السقف»، وهو مَن سبق له أن أخرج نسخاً من مسلسل «بقعة ضوء»، وحاول أن يتمايز به عمّن سبقه، فأصاب حيناً، وتخلّى عنه حيناً. وبين هذا وذاك، يبقى من الجدير التنويه دائماً باختيارات المخرج سامر برقاوي. كانت السينما السورية، قبل أعوام، قد قدَّمت فيلم «تحت السقف»، بإمضاء المخرج نضال الدبس، وهو فيلم حافل بالجرأة تماماً، وها هي الدراما السورية تقدِّم مسلسل «فوق السقف»، بإمضاء المخرج سامر برقاوي. وسواء تحت السقف أو فوقه، يبدو أن الأمور محكومة بأمزجة شخصية، تختلف من مؤسسة عامة إلى أخرى!..