عقد "اتحاد المؤرخين العرب" في مقره في القاهرة أخيراً ندوته العلمية السنوية الخامسة تحت عنوان "طرق التجارة العالمية عبر العالم العربي على مر عصور التاريخ". واستهل رئيس الاتحاد سعيد عبدالفتاح عاشور الندوة بكلمة أشار فيها إلى ان الاجتماع يصادف مرور 10 سنوات على تأسيس الاتحاد. وعلى مدار ثماني جلسات ناقش المشاركون 40 بحثاً، منها "أثر معركة ديو البحرية 914ه / 1509م على حركة التجارة العربية" لأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة القاهرة عبدالمنعم الجميعي، وأشار فيه إلى أن انتصار البرتغاليين في تلك المعركة ثبت أقدامهم في المحيط الهندي وتم تحكمهم في تجارة التوابل. وأشار أستاذ التاريخ الاسلامي في جامعة البحرين علي منصور نصر في بحثه عن "مكانة الخليج العربي التجارية في العصر العباسي"، إلى انه نتيجة ضعف الدولة العباسية أصيبت حركة التجارة بانتكاسة شديدة منذ القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي إذ تراجعت فاعلية عدد من الموانئ التجارية في سواحل الخليج العربي بعدما غدت السلطة الفعلية في يد الاتراك ثم البويهيين. وحمل بحث محمد بهجت قبيسي من جامعة حلب في سورية عنوان "الطريق العربي التجاري جنوبتركيا وشمال سورية في القرن الثاني الميلادي"، وأكد فيه أن الأباطرة العرب الذين حكموا روما هم الذين قاموا ببناء الآثار الرومانية الموجودة في هذه المنطقة. ومن السعودية تناول غيثان بن جريس "ملامح النشاط التجاري لبلاد تهامة والسراة" فألقى الضوء على النظم المتبعة في الادارة والحكم في العصور الاسلامية الوسيطة في تلك البلاد، وأبرز الجوانب المختلفة من أوجه حياة هذه البلاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وشاركت عائشة التهامي من جامعة جنوب الوادي المصرية بدراسة عن "جرّة فخارية تثبت مواثيق تجارية بين مصر وبلاد الصين"، ذكرت فيها أن المعاملات التجارية بين دولتي المماليك في مصر والمغول في الصين كانت على درجة كبيرة من العمق، إذ عثرت بعثة هيئة الآثار المصرية في مدينة قوص في جنوب مصر بين العامين 1966 - 1967، على قدر من الفخار الصيني. وترجع أهميته الى الزخرفة الكتابية والنقوش الخطية التي نفذت بأسلوب الحز. وألقت سحر عبدالعزيز من جامعة الاسكندرية الضوء على "بعض المراكز التجارية في المغربين الأوسط والاقصى في القرن الثالث الهجري"، وأكدت ارتباط المراكز التجارية في المغربين، سواء الداخلية أو الساحلية ببعضها بعضاً من جهة وبسائر مدن البحر المتوسط التجارية. وشكلت هذه المراكز جزءاً من حركة التجارة العالمية آنذاك. وطرحت أبحاث "القرصنة اللاتينية في شرق البحر المتوسط في عصر المماليك" لنجلاء محمد عبدالنبي من جامعة الاسكندرية، و"النظم التجارية في ميناء عدن في عهد بني رسول" لنايف عبدالله سليمان من جامعة الكويت، و"من الراذانية إلى الكارمية قراءة في طريق بحر القلزم في العصر الفاطمي" لمحمد بركات البيلي من جامعة القاهرة، آراء متضاربة حول معاني بعض المصطلحات التي وردت في تلك البحوث. فالباحثة نجلاء عبدالنبي ورد على سبيل المثال في بحثها لفظ "القراصنة" وصفاً للمسلمين الذين كانوا يعترضون السفن الأوروبية. وأصر بعض المشاركين في الندوة على ضرورة استبدال هذا الوصف بوصف آخر هو "المجاهدون"، على اعتبار أن المسلمين لم يكونوا يعترضون سفن الأوروبيين من أجل السرقة والنهب. وثار جدل بشأن مفهوم "الكارمية" الذي ورد في البحثين الآخرين باعتباره يشمل التجار المسلمين واليهود على السواء. إلا أن الباحث حسين ربيع أشار إلى أن "الكارمية" هم مجموعة من التجار المسلمين الذين لعبوا دوراً كبيراً في النشاط التجاري في منطقة الشرق الأدنى في العصور الوسطى وكان لهم مراكز في عدن وعيذاب وجدةوالقاهرةوالاسكندرية، وكانوا على درجة كبيرة من الثراء من خلال تجارة التوابل والعطور ما دفعهم إلي بناء كثير من المنشآت الدينية والاجتماعية. وأضاف ربيع انه ورد في وثائق "الجنيزة" ان التجار اليهود كانوا يخرجون في صحبة "الكارمية" إلا أنهم ليسوا منهم. ودعا المشاركون في ختام الندوة إلى ضرورة إعداد معجم للألفاظ التاريخية وتوحيدها على مستوى العالم العربي تجنباً للخلافات التي حدثت في هذه الندوة. وأعيد انتخاب عاشور رئيساً للاتحاد، وتقرر أن تناقش ندوة العام المقبل موضوع "المراكز الثقافية والعلمية في الوطن العربي عبر العصور".