اتخذت القمة العربية الأخيرة في القاهرة قراراً بجعل المؤتمر دورياً في شهر آذار مارس من كل سنة بعدما كان مؤتمر وزراء الخارجية اتخذ في بيروت قراراً تمهيدياً بهذا الشأن. نعتقد ان هذا التعديل لميثاق الجامعة، أو الاضافة عليه، خطوة بارزة في العمل العربي المشترك لأن النظام الاقليمي العربي الذي استند مؤسسياً الى جامعة الدول العربية لم يتطور من الناحية القانونية، ولم يشهد اضافات تنظيمية باستثناء انشاء المنظمات المتخصصة التابعة للجامعة. بيد ان السؤال الملحّ هو: هل تحقق دورية القمة دينامية معيّنة في العمل العربي المشترك؟ من الأمور البديهية اعتبار انعقاد القمة أفضل من عدم انعقادها، فهي مناسبة للقاء القادة العرب وتسوية النزاعات التي قد تحصل بينهم. ولا نضيف جديداً اذا قلنا ان هذه النزاعات ذات الطابع الشخصي، أو القطري، طغت على جامعة الدول العربية ومؤسساتها الى درجة الشلل والتجميد. لعلّ التئام هؤلاء القادة في مؤتمر عام أمام شعوبهم يساعد على تسوية النزاعات المعقدة مثل نزاعات الحدود، أو تلك الناشئة عن حرب الخليج الثانية وانعكاساتها السلبية. كما ان دورية الانعقاد قد تدفع المسؤولين العرب نحو اعتماد آليات منتظمة في العمل والتنفيذ بدلاً من ردود الأفعال وحدها، وتوجد نوعاً من التفاعل السياسي بين الدول العربية وفي داخلها. في المقابل ، ظلت فكرة القمة العربية بعيدة من التخطيط الاستراتيجي لأنها تعقد تحت ضغط الأحداث الطارئة، وأحياناً نتيجة متغيرات اقليمية ودولية كما حصل عقب الغزو العراقي للكويت في آب اغسطس 1990، ولأنها افتقدت آلية متابعة مقرراتها، فلو راجعنا مقررات القمم العربية منذ مؤتمر القاهرة الأول في بداية العام 1964 والى الآن نجد كماً لا بأس به من دون ان نلاحظ تنفيذها الا في حدود ضيقة. صحيح ان مبدأ سيادة كل دولة عربية يبقى طاغياً على أعمال القمة العربية - أية قمة - ويطارد التناقضات والخلافات العربية - العربية، لأن الفكر السياسي العربي لم يبتدع بعد آليات عمل تنظيمية، وأُطراً قانونية تلائم ما بين العام والخاص، أو ما بين الوطني والقومي. بيد ان مفهوم السيادة هذا راح يتراجع عالمياً، قبل ان يتراجع عربياً. ولا نغالي اذا قلنا ان مجموعة دول افريقيا المنضوية في منظمة الوحدة الافريقية راحت تتخلى جزئياً عن سيادتها الوطنية لمصلحة التنظيم القاري الذي تسعى اليه على رغم بطء حركته، ومحدودية امكاناته، وعوامل التخلف التي تحوطه... فهل سترتبط القمة العربية بالاستراتيجياالمشتركة؟ في المرحلة الأولى للقمة العربية، أي خلال فترة الستينات من القرن العشرين، تحققت جملة نتائج: تطويق بعض النزاعات العربية - العربية، انشاء قيادة عسكرية مشتركة، الاتفاق على تحويل روافد نهر الأردن في مواجهة المشروع الاسرائيلي المستمر الاستغلال مياهه، وتحقيق نوعٍ من التكامل المحدود بين الدول المواجهة لاسرائيل دول الطوق والدول المساندة بالدعم المالي بعد حرب 1967، ووضع حدٍ للاقتتال الفلسطيني - الأردني في أيلول سبتمبر 1970... على ان هذه النتائج اصطدمت بعقبات موضوعية ناشئة من البنى السياسية والاجتماعية العربية، أي البنى العشائرية والطائفية والجهوية الاقليمية. ولم تبلغ المدى المرتقب، او الآمال المرجوة. بعد هذه المرحلة، دخلت القمة العربية في أصعب الظروف وأخطرها. فاتفاقات كامب ديفيد المصرية -الاسرائيلية أخرجت مصر - بما تمثل - من دائرة جامعة الدول العربية، ولم يتمكن العرب المقاطعون لمصر من ايجاد بديل حربي أو سلمي في علاقاتهم مع اسرائيل. لا بل اتجه بعضهم وجهة اخرى خارج القضية المركزية، التي اصطلح على تسميتها قضية العرب الأولى، ونعني بها قضية فلسطين ولا نقول "القضية الفلسطينية". فمن الحرب العراقية - الايرانية، الى الحروب الأهلية العربية، الى تدهور الأمن العربي وانحداره على المستويات كافة، حتى ان القمة العربية صارت مطلباً في حد ذاتها فلم تنعقد لفترة طويلة في الثمانينات، على رغم غياب مصر أو تغييبها، وبعد عودة مصر الى العرب، أو عودة العرب الى مصر كما يرغب بعض الكتاب المصريين، لم تنتظم القمة العربية وبقيت معطلة منذ قمة القاهرة 1990 عشية غزو العراق للكويت الى قمة القاهرة 1996 التي بقيت قراراتها معلقة تنتظر التنفيذ!... المعضلة تكمن في اعتبار القمة العربية مطلباً في حد ذاتها. وكأنها مناسبة للقاء الأضداد، ولإرضاء الشعوب المنهكة، ولرد الاعتبار الى الوزن العربي الغائب دولياً، أو لتسجيل موقف معين... وإذا لم تتحول القمة العربية الى اطار منتظم في الاستراتيجيا العربية فلا جدوى من انعقادها الدوري. هذا لا يعني أننا نؤثر بقاء الحال الرسمية العربية على ما هي عليه من تردد وضعف، بل نعتقد بضرورة هذه الحال من خلال التخطيط الاستراتيجي. إنها مهمة صعبة، وهي غير مستحيلة اذا ما توافرت آليات المتابعة، ودخل المجتمع المدني العربي رقيباً ومتابعاً ومحاسباً في نهاية المطاف. وهل هناك قوى من شأنها إيجاد مثل هذا المجتمع المدني؟ لا جمود اجتماعياً عند أي شعب، ومتى حصل هذا الجمود أو طال مداه نصير أمام واقع التبعية الكاملة للقوى الدولية ذات القدرة على الفعل الدولي، وترتهن امكانات التقدم بعوامل الخارج وحدها، وتتراجع أهداف الناس الى حد حماية البقاء فقط. الحراك الاجتماعي قائم وموجود، وان بدا للوهلة الأولى معطلاً. ومجتمع الأحزاب السياسية والجمعيات والروابط الاجتماعية والنقابات المهنية معني في الدرجة الأولى بممارسة دور المتابع ثم المراقب لأي عمل عربي مشترك. وكيف اذا جاء على مستوى القمة؟ * كاتب لبناني.