شكل ملف العلاقات اللبنانية السورية والوجود السوري في لبنان في جلسة المجلس النيابي المخصصة لمناقشة البيان الوزاري، محوراً للكثير من المداخلات النيابية التي توزعت بين مدافع بقوة عن هذا الوجود ومؤيد له، ومطالب بالانسحاب أو باعادة الانتشار. وكان أبرز المطالبين أمس بالانسحاب النائب بيار أمين الجميل الذي دار سجال بينه وبين رئيس المجلس نبيه بري في شأن مزارع شبعا. تحدث أولاً النائب ايلي عون عن الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها لبنان. وأشار النائب عباس هاشم الذي حجب الثقة الى ان البيان يتضمن طروحات غير مفصلة تستوجب الشك في امكان تحقيق كل ما ورد فيه. وقال النائب جورج ديب نعمة "ان ما قاله الزعيم وليد جنبلاط بالأمس نسمعه همساً وعلناً من المواطنين كل يوم". ودعا النائب جان اوغاسبيان الى تحسين الوضع الاقتصادي والافادة من قدرات المغتربين السياسية والاقتصادية. وأيد قرار الدولة عدم ارسال الجيش الى الحدود. واستغرب النائب انطوان غانم عدم تضمين البيان الوزاري سوى خطوط عريضة. وقال "نحن كتلة نواب الكتائب نؤلف ركناً من اركان الرأي العام، وكنا حاضرين في بناء دولة الاستقلال والدفاع عن لبنان، فبأي منطق يتم تجاهلنا؟ وما هو الحساب المطلوب اجراؤه ليستقيم الحساب؟" ووصف الحكومة بأنها "حكومة الاقصاء بامتياز لفئات لبنانية أساسية". ورأى ان مشكلة المعتقلين اللبنانيين في سورية "انسانية ووطنية". وتمنى على الحكومة "العمل والتحقيق الجدي والفاعل لمعرفة مصير هؤلاء مع الحكومة السورية واطلاقهم اذا كانوا فعلاً في سجونها". وطالب النائب فايز غصن الحكومة بتنفيذ ما جاء في بيانها. وحذر من خصخصة متسرعة. وذكر بمآسي الزراعة والمزراعين وقال متهكماً: "ان لشجرة الزيتون قصة مع الدولة، وانها توزعت بين وزارات ثلاث ومراجع ثلاثة. فحبة الزيتون في وزارة، والزيت في وزارة، والشجرة في وزارة والمواطن في خبر كان". ورد النائب قاسم هاشم حزب البعث على النائبين البير مخيبر ووليد جنبلاط من دون ان يسميهما وقال: "أفاض بعض الزملاء في الحديث عن الضرورات الاستراتيجية للوجود السوري، في ظل استمرار الاحتلال الاسرائيلي اجزاء من أرضنا. وللغيارى على السيادة الوطنية نقول: أين كانت السيادة يوم كان القتل على الهوية تارة وداخل الطائفة تارة اخرى؟ ويوم تعالى صراخ المستغيثين من اجل الانقاذ والحفاظ على الهوية الوطنية؟". ولفت الى "ان من يساعد على بناء جيش وطني قوي ويسهم في قيام دولة القانون والمؤسسات لا يريد للبنان الا الخير، ولاقتناعه بأن لبنان القوي هو قوة لسورية". ورأى "ان العلاقة بين لبنان وسورية هي التي حافظت على لبنان وحمته من الألغام التي زرعها له الآخرون. فحافظت على وحدته واستقلاله وسيادته وساعدته على انجاز التحرير". ولاحظت النائبة غنوة جلول ان البيان الوزاري "مشروع وطني". وتمنت "الا توضع عراقيل سياسية تمنع تنفيذ ما ورد فيه لأن من شأن ذلك تهديد لقمة المواطن والسلم الأهلي في لبنان". وأكدت ان الحريري "سيبقى داعماً لمسيرة الوفاق والنمو ومحاسباً ومعارضاً شرساً لكل عراقيل هذه المسيرة". وتمنى النائب فيصل الداود ان تنفذ الحكومة ما وعدت به. وركز النائب نبيل البستاني على موضوع عودة المهجرين، داعياً الى استكمال المصالحات وتأمين ظروف هذه العودة والتعويضات. وأكد النائب ناصر قنديل "ان الوجود السوري في لبنان شرعي"، سائلاً "لماذا يطرح هذا الملف بهذا الشكل؟ فهل هو اعلان براءة وانسحاب من التحالف مع سورية؟ أو محاولة اخرى لفكرة تحرير الجبل مرة اخرى ونحن نسمع ان هناك مشروعاً سابقاً لمقايضة الانسحاب الاسرائيلي بالانسحاب السوري، ونسمع اليوم بمشروع مماثل في المنطقة أي الانسحاب السوري من لبنان في مقابل الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية؟ فهل كنا نسمع هذه التساؤلات لو لبى لبنان الدعوات المتكررة التي يحملها كل يوم موفد الأمين العام للأمم المتحدة لسحب سلاح المقاومة؟ من أين جاء هذا التوقيت؟ اننا نسمع جواباً واحداً هو ان الانسحاب الاسرائيلي فتح الباب امام هذا الأمر". وقال: "اننا نطبق اليوم 17 أيار في السياسة. فاللبنانيون تطلعوا كثيراً الى العلاقة بين الرئيسين لحود والحريري، ونكتشف ان هناك معاقبة لهما لانهما لم يستدرجا الى أزمة حكم، ولم يستجيبا الغرائز الطائفية". وسأل "هل الانفتاح على خصوم الأمس لا يتسع لحوار مع حلف الأمس؟ لماذا الافتراق عن الحلف المعمد بالدم مع بري والحلف المقدس مع الحريري ومع آخرين؟ ولماذا باتوا خصوماً اليوم أم اننا نتجه الى مرحلة يعاد فيها النظر في أولويات الحوار؟ وهل يعاد رسم خريطة المنطقة، فيما نحن نعود الى موضوع القائمقاميتين؟ وهل كنا نسمع هذه التساؤلات والهواجس يوم كان المارينز يقصفون الجبل وبيروت وشلال الدم السوري كان يسقط في المواجهة الى جانب اللبنانيين؟ ولماذا التنظير للعلاقة مع سورية؟ وهل الدعوة الى طلب سماح لبنان باللجوء السياسي من دون قيود والتبشير بزمن عربي جديد، تتضمن دعوة الى عودة بيروت مركزاً للتآمر ضد الاستقرار في سورية". وأضاف: "جربنا العداء لسورية فانقسمنا طوائف، وجربنا التحالف معها فكان جيش قوي ودولة قوية وحوار متفاعل"، لكنه اعتبر "ان لبنان وسورية يحتاجان الى حوار معمق في العلاقات الاقتصادية"، مشيراً "ان الهيئة الوحيدة التي يمكنها ان تحتضن حواراً فاعلاً هي الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية". وتمنى النائب ايلي سكاف "ان تكون هذه الحكومة التي سميت رئيسها، حكومة وفاق وطني، ولكن بعدما ظهرت هذه التشكيلة تبين اننا لم نصل بعد الى الوفاق المطلوب، والبرهان ان هناك فئات مهمة استبعدت من دون مبرر". وطالب بأن تتمثل زحلة بوزير كاثوليكي. وقال النائب فارس سعيد: "انتظرنا حكومة انقاذ وطني، واذ بنا نفاجأ بحكومة رد اعتبار الى من غيبوا عن الساحة السياسية خلال العامين الماضيين لأسباب لا علاقة للبنانيين بها، وببيان يعاقب اللبنانيين". واعتبر "أن الحريص على العلاقة مع سورية لا يعمل على فرز اللبنانيين فئتين: فئة مع سورية وفئة ضدها". واسف النائب باسم يموت "لأن يصل خطاب البعض الى هذا التشكيك بالعلاقة مع سورية ومساواة الوجود السوري بالاحتلال الاسرائيلي والمطالبة بالانسحاب السوري". وركز النائب سايد عقل على حاجة منطقة البترون الى تعزيز القطاعات الصحية والسياحية واستكمال تنفيذ بعض المشاريع. وأكد النائب غطاس خوري "ان البيان الوزاري متميز بتأكيده على ضرورة تعزيز الوفاق الوطني" داعياً الى "مبادرات حوارية متقدمة". وقال النائب قيصر معوض: "هناك هوة عميقة بين المواطن والدولة. فهل لدى الحكومة والمجلس طاقة على ردمها؟". وختم جلسة قبل الظهر النائب بيار امين الجميل الذي قال: "ان هذه الحكومة هي حكومة اقصاء فريق من اللبنانيين ومنح فريق آخر، وهي حكومة عادية لمرحلة استثنائية". وأضاف: "سمينا الرئيس الحريري على اساس قيام حكومة اتحاد وطني، وتحقيق حكومة وفاق لا يقوم على توافق في ما بين اطراف"، مشدداً على "حكومة حوار وتلاقٍ بين الجميع من اجل الوطن". ورفض القول "كما جاء في البيان الوزاري ان لبنان غير قادر على تحمل مسؤولياته الوطنية، فهو برهن في الماضي، عبر رجالات الاستقلال وخلال الأيام الصعبة، انه قادر على تحمل هذه المسؤوليات". وقال: "غير مقنع القول بعدم ارسال الجيش الى الجنوب بحجة انه سيقصف. فالجيش برهن في أشد المراحل انه قادر على تحمل مسؤولياته، وان ارساله الى الجنوب له معنيان: طمأنة الأهالي في الجنوب وعدم ترك بوابة الجنوب مفتوحة الصراعات، وخصوصاً للسلاح الفلسطيني أو أي سلاح آخر". ولفت الى "ان وقف الحرب هو نتيجة توافق تام بين كل اللبنانيين". وتناول موضوع هجرة الشباب. وقال: "ان اعادة الثقة اليه باشراكه في المسؤولية". ودعا الى "الغاء خدمة العلم واحياء التدريب العسكري لكي لا نعطل الحياة الاقتصادية". وأضاف: "تحدث البيان الوزاري عن الحريات، لكننا ما زلنا نرى ان التوقيفات مستمرة، وهي مخالفة للأصول القانونية، ولا مبرر لها، وهي مبنية على الانتماء السياسي وعلى معتقداتهم الفكرية وهذا ما يؤدي الى شعورهم بالقلق". وطالب "باصدار قانون عفو عن الجنوبيين جيش لبنان الجنوبي سابقاً لا يكون استنسابياً وهذا ما أدى الى هرب اناس الى الخارج". وأضاف: "يتحدثون عن الديموقراطية في لبنان، ولكن اين هذا المبدأ في ظل ترجمة قانون انتخابي غير عادل بين كل اللبنانيين؟". وتطرق الى موضوع السيادة، وقال: "انها ممارسة وليست شعاراً، ولا عيش مشترك من دون الديموقراطية، ولا ديموقراطية من دون سيادة محصنة بالاستقلال". وقال: "لا أفهم تجاهل البيان نداء البطريرك صفير والمطارنة وهم يمثلون شريحة كبيرة من اللبنانيين ولهم الحق في ان يعبروا عن رأيهم وبالتالي يجب التعاطي معهم بجدية لا بالاتهام". وأضاف: "كنا وما زلنا مع حكومة اتحاد وطني تكون هي المؤهلة للتفاوض مع سورية وليس بمثل هذه الحكومة المنقوصة التمثيل مع احترامنا لبعض الوزراء فيها". وتطرق الى ملف الوجود السوري. وقال: "يجب التعاطي معه بكل تعقيداته، لا ان يصبح تعقيداً لدور الدولة في لبنان". وانتقد "التدخل السوري اليومي في الادارة وأجهزتها". وأثار موضوع العمالة السورية داعياً الى "تنظيمها". وطالب "بانسحاب الجيش السوري من لبنان خصوصاً بعد انتهاء كل التبريرات، وبعد الانسحاب الاسرائيلي". وقال: "ان الوجود العسكري السوري ليس الضمان للعلاقة اللبنانية - السورية، انما يحقق ذلك الحوار الصادق والحقيقي الذي يحترم المصلحة اللبنانية". فعقب احد النواب "والمصلحة السورية". فرد الجميل "والمصلحة السورية". وهنا تدخل الرئيس بري، وقال له "ألا تريدون مزارع شبعا؟ سأتكلم كلبناني بعيداً من الموضوع السوري، ولنبقه الآن جانباً، وسيكون هناك وقت لأتكلم فيه". وتابع "أليست مزارع شبعا لبنانية؟ لنقل انها غير لبنانية ولتنته القصة. ولكن اذا كان يراد الكلام على الموضوع السوري، يجب الا يقال إن الاحتلال الاسرائيلي انتهى، وإن اسرائيل انسحبت من كل الأراضي اللبنانية. وسنقول كلاماً للتاريخ في الموضوع السوري لاحقاً". وأضاف: "انما من الزاوية اللبنانية فقط اذا اردنا ان نسامح في موضوع مزارع شبعا ونقول انها غير لبنانية فهذا كلام غير صحيح. اكتشفنا خريطة واحدة عن الأرض هناك، ويا للآسف. السوريون يقولون انها لبنانية، والظاهر انكم تريدونها سورية. ولكن لا اطماع سورية في الأرض اللبنانية". وهنا خاطبه الجميل بالقول: "قرأنا لك تصريحاً تقول فيه إننا سنقوم بمعركة ديبلوماسية لاسترداد مزارع شبعا". فانتفض بري وقال له بحدة: "من قال ذلك يا ابني؟ أنا من مؤسسي المقاومة في لبنان ولم اقل مثل هذا الكلام في حياتي، انا لا اؤمن بالديبلوماسية مع اسرائيل التي لم تعد يوماً شبراً من الأرض بالديبلوماسية". ثم رفع الجلسة الى السادسة مساءً، فقال النائب بطرس حرب: "من غير الجائز كلما اطل احدنا برأي لا يعجب فريقاً اخر، يطل شخص ليتهمه بأنه عميل لاسرائيل". ودعا الجميع الى "عدم الرد على رأي، من اي مسؤول، باتهام، بل الى فتح ملف الاقوال التي يدلى بها ومعالجة ما تشكو منه".