يعتقد كثيرون من الاثيوبيين بأن الامبراطور هيلا سيلاسي مات "شهيداً" في ظروف غامضة، بعد ثلاثة أشهر على احتفاله بعيد ميلاده الثالث والثمانين. وتتزامن الذكرى المئوية لميلاده مع الاستعدادات في اثيوبيا لإعادة دفن رفاته بعد 25 سنة على وفاته، في مراسم تنظم غداً. دُفِن الامبراطور على نحو لا يليق بتاريخه وبسمعة اثيوبيا، ونُقل من قصره الملكي في سيارة "فولكسفاغن" الى مقر اقامته الموقت. ويؤكد حارس المقر ايشيتو تيكليماريام الذي اكتشف وفاة الامبراطور، انه قتل بحقنة لمنع جثمانه من التعفن والتحلل. ويعتقد آخرون من الحرس بأنه قتل بوضع وسادة على فمه في آب اغسطس 1975 بعد سنة على اعتقاله، وأعلنت وفاته رسمياً في 28 آب. وقبل ثماني سنوات، بعد عام من التمرد الذي أطاح نظام الكولونيل منغيستو هايلي مريام العام 1991، وقف ممثلو البعثات الديبلوماسية في أديس ابابا وبعض القريبين الى الامبراطور وأسرته، يشاهدون، في مشهد محزن، اخراج جثمان الامبراطور الذي ظل في قبره لخمس وعشرين سنة. واستغرقت عملية الحفر ثلاثة أيام وعلى عمق ثلاثة امتار. وكان الامبراطور يزعم انه ظل خليفة الثالوث الأعظم في اثيوبيا، وان عظامه ستحكم هذا البلد من بعده طويلاً... الى ان دفن تحت دورة المياه الملحقة بمكتب منغيستو. وستنظم مراسم اعادة الدفن بعد ثلاثة ايام على حلول الذكرى السبعين لتتويج هيلا سيلاسي. ودعت المؤسسة التذكارية للامبراطور الاثيوبيين في الداخل والخارج الى تمويل مراسم هذا الحدث، وتمكنت من جمع 20 ألف دولار فقط، علماً أنها لا ترغب في جمع المساعدات من أي جهة اجنبية. وتشير الروايات الى ان الديكتاتور منغيستو أمر بدفن الامبراطور على نحو يجعل رأسه الى اسفل للتعبير عن سخطه وعدم احترامه إياه. وهذا ما أكده المهندس المعماري الذي أشرف على بناء القصر، في التحقيق الذي أجري معه بعد استخراج الجثمان. أفاد صغار الضباط من الظروف التي كانت تمر بها اثيوبيا وتزامن تاريخ إطاحة الامبراطور مع المجاعة الطاحنة التي ضربت البلاد وراح ضحيتها قرابة مليون مواطن وخرج آلاف الطلاب من الجامعات والمدارس الى شوارع أديس ابابا تعبيراً عن سخطهم من سياسة هيلا سيلاسي التي حجبت الحقائق عن العالم، وتجاهلت سقوط الملايين جوعاً وصرفت الملايين من الدولارات في الذكرى الثالثة والثمانين لميلاد صاحب العرش. ورفع الطلاب شعارات تطالب بتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين ووضع حد لسياسة الاقطاع واستعادة البلايين من الدولارات التي أودعها الامبراطور في البنوك السويسرية باسمه واسم اسرته. حظي هيلا سيلاسي باحترام واسع في أوساط مسيحيي العالم عموماً ومسيحيي اثيوبيا خصوصاً، لكنه لم يحظ بأي احترام وتقدير لدى مسلمي البلاد الذين يبلغ عددهم اكثر من 50 في المئة من تعداد السكان، وظل يعاملهم حتى اطاحته، مواطنين من الدرجة الثانية وجاليةً اجنبيةً وجسماً غريباً عن البلاد، ولذلك لا توجد حماسة أو تأييد لدى معظم المسلمين الاثيوبيين لاعادة دفن رفات الامبراطور. لكن الامبراطور، على رغم مواقفه السلبية من المسلمين، لعب دوراً مهماً بالتعاون مع حلفائه، خصوصاً بريطانيا، في انقاذ بلاده من الوقوع في فخ الاستعمار، اذ تعتبر اثيوبيا الدولة الافريقية الوحيدة التي لم تُستعمر. وسيستقر رفات الامبراطور في مثواه الأخير في كنيسة الثالوث التي بناها بنفسه، وفي المقبرة الملكية التي تقع داخل الكنيسة، الى جانب ابنه الأول الأمير مكونن هيلا سيلاسي. تفري مكونن كان اسم الامبراطور عند ولادته العام 1895 في مدينة هرر الاسلامية التاريخية شرق البلاد. وكان والده الأمير سهلا سيلاسي حاكماً على المدينة وشغل منصب وزير خارجية ابان حكم الامبراطور منيليك الثاني. وغير مكونن اسمه الى هيلا سيلاسي في مراسم توليه الحكم على عادة الأباطرة الأحباش، ومعناه قوة الثالوث الأعظم، وذلك للدلالة على انه سيكون راعياً للكنيسة الاثيوبية التي كانت كنيسة الاسكندرية تديرها.