لا أكون مبالغاً إذا قلت إن نتائج الانتخابات المصرية تتوافق إلى حد كبير مع المتغيرات السياسية والفكرية العالمية والتي تلقي بظلالها من دون شك على الواقع المصري وخريطته السياسية. فالإسلاميون هم القوة الوحيدة التي تتحدى واقع هذه المتغيرات الذي يتجه إلى انحسار المد السياسي للقوى الايديولوجية المختلفة خصوصاً قوى اليسار واليمين لصالح التيارات والأنظمة العملية الأكثر استجابة للتعاطي مع التوجهات الغربية التي يعبر عنها عصر العولمة، الأمر الذي يعني أن هذه القوى الإسلامية تكتسب قوة دفعها من التغلغل المتزايد للمد الديني بين الجماهير، وليس في الأساس من تفوق استراتيجيات وبرامج هذه القوى الإسلامية على استراتيجيات وبرامج القوى السياسية والايديولوجية الأخرى ووعي "الإخوان" بذلك كان المعين الذي أعطاهم ضمانة الاستمرار والثقة في تحقيق أكبر النجاحات السياسية عند حدوث أدنى انفراجة في الواقع الديموقراطي المصري. وبدلاً من اللجوء إلى العنف شحذوا الطاقات في تأكيد الارتباطات العضوية بينهم وبين الجماهير. لذلك فإن الذين راهنوا على بلوغ "الإخوان" الطريق المسدود لم يتجاوزوا تحليل السطح وأغفلوا أن جماهير المسلمين تتأهب بحماسة لمناصرة كل الذين يحققون لهم الصدقية الإسلامية وهذا ما نجح فيه "الإخوان". من ناحية أخرى فإن فوز اثنين من الإسلاميين المستقلين في هذه الانتخابات يحول دون انفراد "الإخوان" بالتعبير عن وجهة نظر الإسلاميين في البرلمان المقبل، الأمر الذي يحقق التعددية بين الإسلاميين أنفسهم حتى لا يكون التوجه الإسلامي حكراً لأحد، ولكن ملكاً لكل الذين يجعلون من المرجعية الإسلامية منطلقاً لهم. ومع كل ما سبق لا نستطيع تجاهل الدور الفاعل للنظام السياسي الحاكم في ما تحققه القوى الإسلامية المختلفة من مد وجذر في الواقع المصري. فعلى رغم أن الانفراج السياسي الذي وقع كان يحتمل يقيناً وصول عدد من ممثلي "الإخوان" الى البرلمان، إلا أن الضغوط الأمنية المتلاحقة التي استهدفت خصوصاً القيادات الإخوانية البارزة، فضلاً عن استبعاد قيادات أخرى من عملية الترشيح ذاتها استناداً الى صدور أحكام قضائية بإدانتها أو وقوعها رهن قضايا أخرى ينظرها القضاء، كل ذلك أفرز في النهاية حقيقة كون غالبية الذين نجحوا في الوصول إلى البرلمان من "الإخوان" هم من قيادات الصف الثاني. وتعاظم الاستقطاب الإخواني للجماهير نتيجة للإنجاز البرلماني الأخير ليس عاملاً مؤرقاً للنظام الحاكم وحده والذي سيواصل جهوده في تذكير الجماهير بعدم شرعية الجماعة ولكنه سيكون عاملاً مؤرقاً ايضاً - وتلك هي المفارقة الكبرى - للقوى الإسلامية المنافسة كالجهاد والجماعة الإسلامية والتي باتت تحتاج من جهتها إلى دور فعال لإثبات الذات وجذب انتباه الجماهير إليها، بعد توقف نشاطها إثر غياب معظم كوادرها في المعتقلات سنين طويلة وإصدار قياداتها لمبادرة وقف أعمال العنف. وقد تظهر تجليات ذلك في مراجعة بعض فصائل تلك القوى للموقف من العمل السياسي العام والتحقق من كون ذلك يدخل في باب العقائد أم يدخل في باب الاجتهاد الفقهي. وقد تظهر تجلياته لدى فصائل أخرى في استئناف أعمال العنف مرة أخرى خصوصاً تلك الفصائل التي رأت أن ما تحققه من نشاطات مسلحة هو أهم وسائلها للحفاظ على التواصل مع كوادرها والمتعاطفين معها. * كاتب مصري.