كان الزملاء في مؤتمر التحرير السنوي السادس لدار "الحياة" في فندق الأردن انتركونتننتال في عمان، يتحدثون عن اهتمامات المهنة، وهموم الوطن، وكنت أصغي حيناً وأسرح بفكري حيناً آخر الى الفندق نفسه قبل 30 سنة وهو ما فعلت ايضاً قبل ثلاث سنوات عندما ذكرني احتفال "الحياة" في فندق هيلتون الرباط بقمة 1974 التي تابعتها فيه. في مطلع صيف 1970 كنت أنزل في فندق الأردن عندما احتلته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واخذت النزلاء الاجانب رهائن. ولم تنته أزمة الرهائن حتى كانت الجبهة تخطف طائرات ركاب أجنبية وتفجرها في مطار الثورة، وما أذكر من ذلك اليوم المثير هو ان الصديق بسام أبو شريف، زميل الدراسة الجامعية في بيروت، طلب مني ومن الزميل وفيق رمضان، مراسل "النهار" ان نسرع الى مطار الثورة، فكنا شهوداً على عملية التفجير. سجلت هذه الحوادث في حينها، وعدت اليها غير مرة بعد ذلك. وهي عادت اليّ الأسبوع الماضي، وأنا أجلس الى يمين الأمير خالد بن سلطان، وأتابع مؤتمر "الحياة". كان صيف 1970 حاراً طقساً، ومتعباً عملا، فلم يحل ايلول سبتمبر حتى كنت أقلعت عن عادة البقاء في عمان يومين أو ثلاثة، قبل العودة الى "الحياة" و"الديلي ستار" في بيروت، وأصبحت أذهب الى عمان في أول طائرة في الصباح، وأعود الى بيروت في آخر طائرة في المساء. وهكذا كان، وتركت عمان مساء التاسع من ايلول 1970 الى بيروت، ووجدت في الطائرة معي، على ما أذكر، ابنة الصديق الحاج علي الدجاني، وهو رئيس مكتب "الحياة" في عمان في حينه، ورئيس غرفة التجارة، ووزير سابق. ولم يطلع صباح اليوم التالي حتى كانت المواجهة التي اعطت ذلك الشهر اسم "ايلول الاسود" وسجلت في حينه ان المنظمات الفلسطينية كانت المعتدية، وقد صبر عليها الملك حسين، رحمه الله، حتى لم يعد ينفع الصبر، فكانت المواجهة التي انتهت بطرد هذه المنظمات من الأردن. هذا تاريخ، وهو جزء من تاريخ الأردن، ومن تاريخ الفندق. غير ان فندق الأردن شهد كذلك أياماً طيبة، وقد حضرت فيه اعراساً عدة كان آخرها قبل سنتين حفلة زفاف نشأت طاهر المصري، ابن رئيس الوزراء الأسبق. كان مؤتمر "الحياة" مناسبة بهيجة اخرى، وقد كرم الملك عبدالله الثاني، والاخوان في الأردن، الأمير خالد ودار "الحياة" وغمرونا بصداقتهم وسرني شخصياً ان يحاضر فينا الصديق عبدالإله الخطيب، وزير الخارجية، فهو صوت عقل واعتدال وموضوعية لا تمنعه من الإصرار على حقوق العرب الثابتة في فلسطين. واعرف ان الملك عبدالله بذل جهداً مؤثراً ومباشراً في وقف التصعيد بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فيما كان وزير الخارجية يحدثنا عن فكر القضية، متجاوزاً ما يعرف من أحداث اليوم، ودور الأردن في الاتصالات الجارية. مؤتمر دار "الحياة" كان ناجحاً جداً، ولكن "الحلو ما يكملش"، وكنت لا أزال أصفق لخطاب الأمير خالد، وخصوصاً كلامه عن الانحياز الاميركي الى اسرائيل، عندما تحدث الأمير عن مستقبل قوامه البث الالكتروني، وموقع متقدم ل"الحياة" على الانترنت، وهذا كله فوق مداركي، وقد ضعت نهائياً والاخوان من "صخر" يشرحون الموضوع بالصوت والصورة. وكان أعجب من هذا كله الترجمة الالكترونية من العربية الى الانكليزية، في موقع اسمه "عجيب" أي ان له من اسمه نصيباً. بالنسبة اليّ، الموضوع كله عجيب غريب، وكأن الهدف منه مواجهتي بجهلي لغة العصر. وان كان من عزاء فقد لاحظت ان الصديق باسل عقل أكثر ضياعاً مني. ولم أشعر بأن الدكتور وليد الخالدي أفضل منا، فإذا كان أحد أفضل العقول العربية المعاصرة لا يعرف، فمن أنا حتى أزايد على استاذي. خارج جلسات المؤتمر سعدت ان أرى في عمان السيد مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني، وهو اكد ما أعرف عنه من اعتدال وواقعية سياسية، وتحدث عن وضع للاكراد ضمن فيديرالية عراقية، واكد ان الاكراد لا يسعون الى الانفصال، وانه ضد الحرب لأي سبب. كنا في ضيافة الاستاذ صالح القلاّب، وزير الاعلام السابق، ومعنا مجموعة من رجال السياسة والفكر، بينهم رئيسا الوزارة السابقان طاهر المصري، وعبدالرؤوف الروابدة، ورئيس مجلس النواب عبدالهادي المجالي. وتحدث بعض الحاضرين عن حاجة العراق الى الديموقراطية لحل مشاكله مع الأكراد والعالم، واقترحت ان نبحث عن حل آخر، لأن الديموقراطية غير متوافرة في أي بلد عربي، ناهيك عن ان تتوافر في العراق. في يوم آخر جلست مع السيد عبدالكريم الكباريتي، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس الديوان الملكي السابق، وسمعته يتحدث عن السياسة الأردنية والعربية، كأنه لا يزال في رئاسة الوزارة أو الديوان، لا في رئاسة بنك. وأتوقع ان يعود أبو عون الى السياسة فهو يجمع من القدرة والخبرة ما يحتاج الأردن اليه، وما يفوق حاجة بنك، حتى لو كان كبيراً. عندي في الأردن ألف صديق، ولعلي رأيت منهم في ثلاثة أيام مئة أو اكثر، فلا اسجل اسماً حتى لا أغفل اسماً آخر، ولكن أقول انني فوجئت يوم الجمعة وقد عاد الزملاء الى قواعدهم، ان اجد في بهو الفندق أصدقاء من حول العالم، فقد رأيت الاخوان عبدالمحسن قطان وأبو أكرم شخشير وصبيح المصري وزاهي خوري وأستاذي الدكتور محمد نجم، وغيرهم ودعاني أبو هاني الى حضور اجتماعات مؤسسة التعاون معهم فاعتذرت، لأن المؤسسة هذه تضم أثرياء الفلسطينيين ومفكريهم، وكلهم يتبرع بما عنده، وبما أنني لست مفكراً، فقد خشيت ان أخسر تذكرة العودة بالطائرة الى لندن، ثم ان أبا خالد موجود، وهو يتبرع عن أكثرنا. هناك وجه شبه بين صبيح المصري ورفيق الحريري، فكل ما لا يعرف مالكه في عمان يقال ان مالكه صبيح المصري، وكل ما لا يعرف مالكه في بيروت يقال ان مالكه رفيق الحريري. واعود الى مؤتمر دار "الحياة" والى الأمير خالد تحديداً، فهو امتدح جهد الزملاء جميعاً إلا انه أكمل بتحذير ذكي عميق، فقد قال ان "الحياة" لم تصل الى القمة ولن تصل، لأن الوصول معناه التراخي والتراجع، وفي جميع الأحوال فالوصول الى القمة اسهل من البقاء عليها. وأزيد ان كل الطرق من القمة يتجه نزولاً. أعرف ان الزملاء سيحاولون دائماً ارتقاء القمة، وانهم سيجدون وراء كل قمة قمماً، غير ان المهمة ستظل اقرب منالاً مع دعم الأمير المستمر والثابت، واصراره على جريدة مستقلة تحترم نفسها والقارئ. وعندي مثل يغني عن شرح، فقد سأل احد الزملاء الأمير خالد عن امكان فتح مكتب ل"الحياة" في بغداد. ورد الأمير ان هذا الأمر من اختصاص التحرير، وزاد: "شخصياً ليس عندي اي تحفظ على الموضوع، وأمنيتي اليوم، لا غداً، ان يعود العراق الى المجموعة العربية". كان لنا مكتب ومراسل في بغداد حتى احتلال الكويت، وخسرنا "الفاكس" واثاث المكتب، ولم نطالب بتعويض. وحاول رئيس التحرير جورج سمعان قبل اشهر التعامل مع مراسل في بغداد، الا ان هذا حوسب على ما كتب الزملاء، وليس على اخباره وحدها، فاعتذر وانسحب، وهو يشكر الله تعالى على السلامة. كل ما نرجو هو الا ننتظر مع مسعود بارزاني بزوغ فجر الديموقراطية في العراق حتى يكون لنا مراسل هناك، فهذا أطول من انتظار غودو، الذي انتهت المسرحية من دون ان يصل.