اسجل اليوم سبقاً صحافياً نادراً فأقول إن جورج بوش فاز بالرئاسة الأميركية، وان غداً لناظره قريب، ومن يعشْ يرَ، ومن صبر ظفر. أعرف أن هناك إعادة فرز، وأعرف أن هناك أخطاء في التصويت في وست بالم بيتش، وأعرف أن أصوات الغائبين من جنود وغيرهم لم تجمع بعد، إلا أنني أعرف أيضاً أن جورج بوش فاز بالرئاسة. ربما كنت أكتب هذا لأنني أريده أن يفوز، وهذا صحيح. مع ذلك فلن تمضي أيام حتى تكون النتيجة النهائية قد أعلنت وثبت فوز بوش، فتكون هذه الزاوية قد سجلت سبقاً صحافياً على شبكات التلفزيون العالمية التي بادرت إلى إعلان فوز المرشح الجمهوري، ثم تراجعت معتذرة ولا تزال تعتذر. الموضوع صبي أو بنت، وإذا لم يفز آل غور، فالفائز هو حتماً جورج بوش، مع انني مستعد لعرض خدماتي على الناخبين الأميركيين إذا عجزوا عن اختيار نهائي بين المرشحين الجمهوري والديموقراطي. كنت مع السيد عمرو موسى، وزير خارجية مصر، صباح الثلثاء عندما أعلن فوز جورج بوش، فلم أصل إلى فيلا الاستاذ محمد حسنين هيكل، قرب القاهرة ظهراً حتى كانت وسائل الإعلام تقول إن فوز بوش مبالغ فيه، وان هناك مشكلة في فلوريدا. وزرت السيد صفوت الشريف، وزير الإعلام، في بيته قبل يومين وقد أصبحت القضية أعقد من ذنب الضب، وهناك مواجهة قانونية أو مواجهات بعد فرز الأصوات بالكومبيوتر، وإعادة فرزها، ثم فرزها باليد والرجل. ... يعني الأميركان يريدون أن يعلمونا الديمقراطية ويصدرون إلينا هذه الديمقراطية مع برامج مايكروسوفت 2000، وهم لا يعرفون كيف ينتخبون رئيساً. في بلادنا الحكومة تنتخب عنا جميعاً، "ولا مين شاف ولا مين دري"، وهذا يعادله بالفصحى "ظلم في السوية عدل في الرعية". أما في روسيا فقد كانت النكتة السوفياتية أن لصوصاً سطوا على وزارة الداخلية وسرقوا نتائج انتخابات السنة القادمة. لا استطيع في هذه العجالة أن أزيد جديداً على ما تنشر جريدتنا هذه كل يوم من تفاصيل وافية عن تعقيدات انتخابات الرئاسة الأميركية، فأكتفي بالقول إن دخول المحامين الميدان وممثلا المرشحين، وارن كريستوفر عن غور، وجيمس بيكر عن بوش، محاميان قبل أن يكونا وزيري خارجية، يعني أن القضية لن تنتهي في عمرنا أو عمر أبنائنا وأحفادنا. وكانت هناك قصة قديمة من جورجيا، أو لعلها اركنسو، قتل فيها متطرفون من البيض محامياً أسود. وجرى بعد ذلك استطلاع للرأي العام تبين منه أن الغالبية كانت تفضل أن يقتل الرجل لأنه محامٍ، لا لأنه أسود. وصديقي المحامي اللبناني الخطير صباح قبرصي، ابن الاستاذ عبدالله قبرصي، في أمن وامان، أولاً لأنه ليس في جورجيا، وثانياً لأنه أبيض. غير انني تذكرته لأنه لو كلف بقضية بوش أو غور لكان قبر الفقر، وأغنى أصدقاءه معه. إذا استعان الديموقراطيون بالمحامين في فلوريدا، فسيستعين الجمهوريون بمحامين في أيوا ووسكنسن، وكل ولاية فاز بها الديموقراطيون بأقل من نسبة واحد في المئة... والنتيجة أن يستفيد المحامون. ويعرف القارئ أنه يفترض أن تجتمع الندوة الانتخابية في 18 من الشهر القادم لاختيار الرئيس، حسب حصته من الفوز بالولايات، غير أن دخول المحامين طرفاً في الموضوع قد يجعل المحكمة العليا الأميركية تأمر بتأخير عقد الندوة الانتخابية إلى حين حسم نتيجة التصويت في فلوريدا. وما اكتب صحيح، إلا أنه ليس الكلام الفصل في الموضوع، فالمحكمة العليا في فلوريدا تقول إنها الجهة القانونية ذات الصلاحية لاتخاذ القرار النهائي في موضوع داخل ولايتها. وافترض الآن أن الندوة الانتخابية اجتمعت في 18 كانون الأول ديسمبر أو بعد ذلك لاختيار الرئيس، وافترض سيناريو غير المتوقع، وهذا يعني أن يصوّت ممثلو كل حزب لمرشح الحزب، وكان الله يحب المحسنين. أعضاء الندوة الانتخابية في كل ولاية يختارهم الحزب في الولاية، فإذا فاز مرشح الحزب بالولاية يذهب المندوبون إلى الندوة الانتخابية ويصوّتون له. غير أن السيناريو الذي اقترح هو أن يذهب المندوبون إلى الندوة الانتخابية، فيختار بعضهم أن يصوّت لمرشح الحزب الآخر. هذا ممكن، لأن ولايات قليلة تمنع التلاعب، وفي جميع الأحوال فالمخالفة جنحة لا جناية. واكتب وأنا على سفر، وليست عندي مراجعي المتوافرة وأنا في لندن، ولكن اذكر جيداً ان مندوبة في الندوة الانتخابية بعد انتخابات 1996 صوّتت للمرشح المنافس، وقالت إنها فعلت ذلك احتجاجاً على نظام الندوة الانتخابية البالي الذي تجاوزه الزمن. هل يصوّت مندوبون من حزب بوش لغور، أو العكس؟ لا أعرف الجواب، غير انني أعرف أن بوش فاز بالرئاسة، فأسجله وأنا أدعو أن تكون ذاكرة القارئ قصيرة فينسى هذه السطور إذا فاز غور، مع العلم انني سأذكره مرة ومرات إذا فاز بوش بأنني كنت أول من جزم بذلك. جورج بوش يعتقد مثلي أنه فاز، لذلك فقد بدأ يعد فريقاً انتقالياً لملء المناصب في إدارته الجديدة، فلعله يهديني منصباً بمرتب كبير وعمل قليل، خصوصاً انني توقعت فوزه، وفضلته قبل ذلك على غور. الوزيران الخطيران عمرو موسى وصفوت الشريف لا يفضلان واحداً على الآخر، بحكم المنصب، والأول كان مشغولاً بالقمة الإسلامية في قطر، والثاني مهتماً بانتخابات مجلس الشعب وهمومها. غير أن الأستاذ هيكل يعتقد أيضاً أن بوش - نسبياً - أفضل لنا من غور، وهو كالعادة يتابع ويحلل وله من مصادر المعلومات بحر لا ينضب. كنت والأستاذ هيكل نتابع تطورات الانتخابات على التلفزيون حتى كادت تشغلني عن جمال المكان وشجر المانغو الذي يظلل الشرفة ورائحة الورد، بل كادت تنسيني الغداء، إلا أن الأمور بخواتمها، وأنا أطعمت في ضيافة كريمة، وجورج بوش، فاز أو سيفوز.