لم يكن وزير الداخلية الجزائري يزيد زرهوني مقنعاً عندما شرح أسباب رفض منح اجازة العمل ل"حزب الوفاء" الذي أسسه وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الابراهيمي وشخصيات أخرى معروفة. استند القرار الى "هويات المؤسسين" و"مصادر تمويلهم" و"معطيات أمنية بنينا عليها القرار" مثلما قال زرهوني من دون ايضاح طبيعة مصادر التمويل ولا مضمون "المخاطر الأمنية" التي يمكن أن تهدد سلامة البلد ومصلحته العليا، إذا ما أفسح في المجال أمام مواطنين جزائريين لتعاطي العمل السياسي الشرعي في ظل القوانين القائمة! كان المفروض ان يوكل للجنة من الخبراء القانونيين المحايدين البت بمصير الأحزاب الجديدة التي تطلب الترخيص لها، فليس من حق الحكومة أن تتدخل في حجب الترخيص عن هذا الحزب أو منحه لذاك، لأن هذا الأسلوب يؤدي الى وضع ملف دقيق بين أيدي طرف سياسي يشكل جزءاً من اللعبة الحزبية وليس هو حكماً يتعاطى معها من خارجها، فلا يمكن لوزير الداخلية ولا حتى لرئيس الحكومة أن يتجردا من انتماءاتهما وجذورهما السياسية ليحكما موضوعياً على فريق سياسي منافس. الثابت ان المبررات التي فسر بها قرار الرفض ليست قانونية وانما هي سياسية، وهذا غير منطقي لأن أحد الأركان الأساسية للديموقراطية هو البعد عن اخضاع القانون لدوافع سياسية كون الفرقاء السياسيين غير محصنين من تأثيرات الأهواء والمصالح الفئوية. ولم يخف المدافعون عن الرفض أن الدافع اليه هو الخوف من عودة "الحزب المنحل" الى الساحة الشرعية، في اشارة الى "الجبهة الاسلامية للانقاذ" المحظورة منذ العام 1991، وهذا تكريس للامتناع عن قلب الصفحة السوداء التي ما زالت الجزائر تدفع ثمنها الى اليوم. أكثر من ذلك تحيل الصبغة التي ارتداها موقف الحكومة من "حزب الوفاء" على الجرح العميق الذي فتحه العسكر في مطلع التسعينات والذي كان الجزائريون ومعهم المراقبون في الخارج يأملون أن يندمل مع وصول الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الى سدة الرئاسة العام الماضي. ويمكن القول إن قضية "حزب الوفاء" أبعد من كونها مجرد اجراء عابر اتخذته السلطات في حق مواطنين أرادوا تشكيل تنظيم سياسي، مثلما فعلت سابقاً مع "الحركة من أجل الديموقراطية" التي يتزعمها من الخارج الرئيس الأسبق أحمد بن بيلا. انها مؤشر الى التملص من وضع البلد على سكة الديموقراطية ومحو آثار الانقلاب الذي أوقف عجلة الانتقال الى نظام تعددي وألقى البلد في فراغ دستوري وسياسي مخيف الى أن تم العثور على "رئيس"! لم يعد مبرراً اليوم استمرار الفزع من تشريع وجود التيار الاسلامي لأسباب عدة في مقدمها ان "جبهة الانقاذ" تغيرت بحكم الانقسامات والفرز الذي تكرس بين دعاة الخط المسلح وأنصار العمل السياسي السلمي، اضافة الى تبديل صورتها وموقعها لدى الرأي العام مما أنهى حال الاستقطاب السابقة في المجتمع الجزائري بين الصف العلماني والصف الاسلامي. وفي هذا السياق عرفت الساحة الاسلامية تغييرات كبيرة وضعت حداً لاحتكار "الانقاذ" النطق باسم الاسلام وأضعفت زعامتها للتيار السياسي الأصولي بعد ظهور تشكيلات اسلامية عدة مرخص لها. من هنا يخشى أن تعطي المكابرة الحالية مفعولا عكسياً فتشكل عنصر قوة تستثمره "الانقاذ" لاستعادة الشعبية على أرضية التذمر الواسع من الخيارات الاجتماعية والاقتصادية للحكومات المتعاقبة. وما يدعم موقفها هو ان الاصرار على إقصاء التيار الاسلامي في بلد صبغت الحضارة الاسلامية شخصيته وثقافته منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ليس من الديموقراطية في شيء، أقله بالمقاييس الغربية التي نهل منها رافعو لواء محاربة الأصولية باسم الديموقراطية، الذين ينسون ان الغرب أفسح في المجال أمام أحزاب مسيحية كي تعمل في دائرة الشرعية وتشارك في الانتخابات وتقود حكومات.