احتفل حزب العمال الكردستاني، وأنصاره في آب أغسطس المنصرم بالذكرى السابعة عشرة لانطلاقة الكفاح المسلح الذي أعلنه الحزب ضد الجيش التركي من أجل تحرير كردستان تركيا - نصف كردستان جغرافياً وبشرياً - والانطلاق منها لتحرير باقي أجزاء كردستان في ايرانوالعراق وسورية وبناء نظام اشتراكي فيها. شرارة الكفاح المسلح بناء على أوامر اللجنة المركزية، اطلقها معصوم قورقماز بمهاجمة دورية للشرطة التركية قرب ماردين في جنوب شرق الأناضول حيث الغالبية الكردية، وكلف على أثرها عبدالله أوجلان، معصوم قورقماز انشاء الجيش الشعبي لتحرير كردستان وشن حرب عصابات موسعة خصوصاً بعد ان توفر لعناصر الحزب التدريب المناسب في سهل البقاع اللبناني بمساعدة الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمه. لأول مرّة في تاريخ الأكراد يتمكن حزب كردي من اللعب باتقان على حبال التناقضات الاقليمية وتوظيفها لخدمة الشعب الكردي. فقد استطاع حزب العمال توطيد علاقته بسورية التي سمحت له بانشاء مراكز تدريب وتموين في سهل البقاع اللبناني حيث سيطرة الجيش السوري، وذلك بسبب الخلافات العميقة بين سورية وتركيا بدءاً من مشكلة لواء الاسكندرون السوري الذي ألحق بتركيا، وانتهاء بالدعم التركي لحركة الاخوان المسلمين السورية التي طالبت باسقاط النظام في دمشق، فضلا عن الخلاف على الماء. ولعب الدعم السوري دوراً بارزاً في وقوف حزب العمال على قدميه وظهوره كقوة سياسية وعسكرية ليغير في ترتيب أوراق اللعب في المنطقة. وفي الوقت الذي تمكن حزب العمال من إقامة علاقات ناجحة مع العديد من الدول مثل: سورية، ايران، ارمينيا، ليبيا، كوبا، كوريا الشمالية، بلغاريا... فإن علاقته ازدادت سوءاً مع الاحزاب والتنظيمات الكردية في كردستان العراق مثل الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني، واتهم حزب العمال تلك الاحزاب بالعمالة لأميركا واسرائيل وتركيا واستخدام الشعب الكردي ورقة لتحقيق مصالح عائلية وعشائرية وحزبية ضيقة وتناسي معاناة الشعب الكردي وحقوقه القومية المشروعة. ولم تقتصر نظرة حزب العمال الكردستاني هذه على التنظيمات العراقية، بل شملت التنظيمات والاحزاب الكردية سواء في ايران او تركيا او سورية. فحزب العمال الكردستاني في تشخيصه وتنظيره للمسألة الكردية كان مختلفاً، فأغلب الحركات الكردية... بل معظمها، التي سبقت حزب العمال في الظهور، طالبت بالحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية ضمن حدود الدول التي يتواجد فيها الاكراد، وفي أفضل الحالات طالبت بالحكم الذاتي كما في حالة أكراد العراقوايران. اما حزب العمال الكردستاني فقد طرح شعاراً مختلفاً وجذاباً هو "تحرير وتوحيد كردستان" أو "انشاء كردستان الكبرى"، وهو الشعار الذي وجد فيه الشعب الكردي وفي مختلف أرجاء كردستان حلمه، فسانده واحتضنه بشكل لا مثيل له في التاريخ الكردي. لكن حرب العصابات التي خاضها حزب العمال ضد الدولة التركية واستمر حوالي ستة عشر عاماً، كلفت الأكراد ثمناً باهظاً. وحسب تقديرات منظمات كردية مستقلة أحرقت خمسة آلاف قرية كردية من قبل الجيش التركي من أجل قطع طريق الإمداد على عناصر الحزب، وشرد أهلها ليهاجروا الى أطراف المدن التركية الكبيرة مثل أنقرة واسطنبول ويعيشوا في بيوت من الصفيح ويمارسوا المهن الحقيرة. ولكن الأكثر إيلاماً من ذلك ان حزب العمال خسر في حربه ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف مقاتل من خيرة الشباب الكردي. لقد راهن الحزب منذ نشوئه على جملة من التناقضات مثل العلاقات السوفياتية - التركية بسبب وجود تركيا في الحلف الاطلسي وعلى حدود الاتحاد السوفياتي، والعلاقات التركية السيئة مع أغلب دور الجوار مثل اليونان، قبرص، بلغاريا، ارمينيا، سورية، ايران، العراق. ولكنه خسر الرهان، اذ ان الاتحاد السوفياتي وكان على حافة الانهيار، فضل تحسين علاقاته مع الغرب على دعم قضية خاسرة مثل القضية الكردية. لقد وقع حزب العمال الكردستاني في الخطأ القاتل الذي وقعت فيه ثورة ملا مصطفى البارزاني الذي اعتمد كلياً على الدعم الايراني في حربه ضد النظام العراقي آنذاك. ولكن شاه ايران محمد رضا بهلوي فضل عقد اتفاق الجزائر مع النظام العراقي والحصول على تنازلات كبيرة من الجانب العراقي، مقابل وقف دعمه للثورة الكردية التي كادت ان تنتصر. ولكن للحقيقة والتاريخ ان القضية الكردية أخذت بعداً دولياً مع حزب العمال الكردستاني ولفتت الأنظار اليها كقضية انسانية تمس حوالي ثلاثين مليوناً من الأكراد يضطهدون في وطنهم ومحرومين من أبسط الحقوق الانسانية، بل يعاملون معاملة العبيد. ولا يعترف قادة الحزب العمال حتى هذه اللحظة بالهزيمة رغم انهم انهزموا فعلاً وإلا ما معنى تنازل الحزب عن شعار "توحيد وتحرير كردستان" الى شعار "الديموقراطية في تركيا"، فيما ذهبت كل تلك الدماء والتضحيات سدى. لقد كان الحلم كبيراً ولكن الهزيمة كانت أكبر. انه قدر الأكراد ان ينتظروا عقوداً اخرى حتى يتحقق حلمهم في ظهور دولة كردية تلم شمل ملايينهم وتعتقهم من الظلم والقهر.